فى الوقت الذى أكد فيه الدكتور جلال مصطفى السعيد محافظ القاهرة، نجاح مشروع نقل الباعة الجائلين من منطقة وسط القاهرة والإسعاف ورمسيس إلى سوقى أحمد حلمى والترجمان، حيث تم تجهيزهما بجمالونات وباكيات لوضع البضائع بها والتعاقد مع شركتى أمن ونظافة لضمان رعايتهما، تحول سوق أحمد حلمى إلى سجناً يعزل البائعين عن العالم الخارجى، فلا أحد يراهم من الخارج ولا يرون أحدًا ولا يوجد سوى منفذان فقط ومنفذ واحد لأتوبيسات النقل العام، ويحيط بالسوق سور كبير.
لم يختلف الأمر كثيراً بسوق الترجمان، فبعد شهور من نقل الباعة الجائلين إليه من وسط القاهرة، خلى السوق تماماً من الباعة، أغلقت أكثر من 90% من باكياته بالسلاسل وتم إلغاء التصريح لـ1300 بائع به قابلين للزيادة بسبب انقطاعهم عن الحضور، والنسبة قابلة للزيادة بعد استمرار انقطاع عدد كبير منهم لعدم رضائهم عن وضعهم فيما وصفوه بـ"السجن".
وتحولت عملية نقل الباعة الجائلين لتخصيص أسواق مُجهزة لهم من نعمة وهبة من الدولة لهم ولقاصديهم، إلى نقمة على الطرفين، تجول "اليوم السابع" بسوق أحمد حلمى لمعرفة نسبة رواج السلع التى تُباع هناك وكانت الصدمة، فأصبح "الزبون" الذى يدخل بوابة السوق كقطعة اللحم التى يتهفت عليها الجائعين، فيتبارى عليه أصحاب الباكيات بشكل مُفزع للحصول على أى رزق قد يأتى من ناحيته بعد الأيام العجاف التى يعيشونها داخله.
"5 أيام ما عداش عليا زبون يوحد الله"، بتلك الكلمات استهل عثمان سليم، بائع ملابس "بالة" بسوق أحمد حلمى كلماته حين سألناه عن نسبة البيع والشراء بالمكان، ويقول عم عثمان لـ"اليوم السابع": "مر عليا 5 أيام ولم يأت زبون واحد يوحد الله إلى باكيتى المتواضعة التى تخلو من السقف بعد أن رفضت المحافظة أن تضع سقفًا لى، وأن لدى 6 أولاد وجميعهم فى مراحل تعليمية مختلفة ولا يوجد لدى مصدر رزق آخر ولا يوجد سوى الله أستغيث به بعد أن تخلت الدولة عنا".
ويقول مراد الصعيدى أحد أبناء "مركز الغنايم" بمحافظة أسيوط، "كنت أقف بفرشة خردوات بكوبرى الليمون بالقرب من محطة مصر بميدان رمسيس، وتم نقلى مع من تم نقلهم إلى موقف أحمد حلمى، وبعد أن كنت أتحصل يومياً على مبلغ يتراوح ما بين 400 إلى 700 جنيه، ضاق الرزق بشكل لم يحدث لى من قبل، فمنذ عيد الفطر كل ما دخل جيبى مبلغ لا يتعدى 40 جنيها، فكيف لرجل يعول أسرة كاملة بالصعيد أن يكون هذا ما يتحصل طوال تلك المدة؟".
ونفى عبد الله فتحى أحد أقدم بائعى ميدان رمسيس، حيث قضى فيها ما يقرب من 40 عامًا ما زعمته قيادات محافظة القاهرة من توفير عناصر الجذب إلى الميدان، واصفاً ما تم وضعهم فيه بالسجن، مؤكداً أن السور الكبير المحيط بالسوق عزلهم كلياً عن العالم المحيط بهم، كما أن الفتحتين المتواجدتين عند مدخل السوق وعند محطة القطار من الناحية الخلفية لا يلفتان انتباه الزبائن لدخول السوق.
وأضاف عبد الله لـ"اليوم السابع"، أنهم تقدموا بعدة طلبات للمحافظة على رأسها إصدار ترخيص حكومى كالأكشاك يضمن اعتراف الدولة بهم وفتح بوابة من ناحية نفق شبرا لإجبار الزبائن على المرور من السوق وزيادة الدعاية، ولكنهم لم يستجيبوا نهائياً، مشيراً إلى أن المشروع فشل بكل المقاييس بعدما تعاملت الحكومة معهم وكأنهم ماشية أو بعير لا قيمة لهم.
"مشروعك فشل يا باشا.. مشروعك فشل يا جلال بيه"، كانت تلك الكلمات لامرأة مُسنة اعتادت أن تبيع السبح وماكينات الحلاقة بالقرب من مسجد الفتح، فتقول الحاجة سهير أحمد الشهيرة بأم سهير: "كنت أبيع أغراضى البسيطة بميدان رمسيس دون أن أذى أحدا أو أعترض طريق أحد، وكان الله يرزقنى بأكثر من 150 جنيها يومياً حتى تمكنت من ستر بناتى وتزويجهم، أما بعد نقلى إلى ذلك المكان المشئوم فإن دخلى يومياً لا يتعدى العشر جنيهات، أعلم أن هذا المبلغ لا يتحصل عليه الكثيرون هنا يومياً، ولكنى أبيع ماكينات الحلاقة فيشتريها منى الجنود ويعتبرونها صدقة ومساعدة لامرأة عجوز، وأقولها بكل صدق مشروعك فشل يا سيادة المحافظ، فشل يا جلال باشا".
وأبدى محمد حسين حزنه الشديد وقلقه من المستقبل وقال: "اشتريت بضائع بحوالى 30 ألفا بالأجل ومُطالب بتسديدها آخر العام الجارى، ومنذ أن تم نقلى إلى هنا لم أبيع شيئاً ثميناً أو كم من البضائع يمكننى من أن أدفع 20% من قيمة "الكمبيالا" التى وقعت عليها بيدى، وكأننى سُقت نفسى إلى السجن بنفسى، وتلك المشكلة ليست مشكلتى وحدى، بل هى مشكلة جميع المتواجدين بالسوق، حسبى الله ونعم الوكيل فى من كان سبباً فى ذلك".
"تعرضت بضاعتى للسرقة أكثر من مرة، والأمن الإدارى بالسوق قالى لى "أؤمن الباكيات وأغراض الحكومة داخل السوق فقط وماليش علاقة ببضاعتك".. كانت تلك كلمات عم مطاوع الأسيوطى رداً على سؤاله فيما يتعلق بشركة الأمن الخاصة، التى أكد نائب محافظ القاهرة، أنها تقوم بدورها على الوجه الأكمل، مشيراً إلى أن الأمن فى السوق تم تعينه فقط لحماية الباكيات التى وفرتها لنا الحكومة لا أسقف أو أبواب.
وأوضح عم مطاوع، أن الباكيات لا يوجد بها وصلات كهرباء، فليس من حقه وضع وصلة كهرباء يستخدمها فى شحن الهاتف المحمول أو تشغيل راديو أو تليفزيون، مؤكداً أنه طلب من مشرفى السوق أن يصل وصلة كهرباء إلى باكيته ولكن طلبه قوبل بالرفض، كما أنه طلب تقفيل باكيته مثل معظم الباكيات الموجودة بالسوق، ولكنهم طلبوا منه 4200 جنيه مقابل عمل بوابة لتأوى بضاعته المعرضة للسرقة فى أى وقت.
ورداً على الإتهامات التى وجهها عم مطاوع للأمن المتواجد بالميدان، حيث أكد بديع السيد أحد مسئولى الأمن بالسوق أنهم مُكلفين بحماية الباكيات فقط، وليس أحد مهام عملهم حماية البضائع، مشيراً إلى أن كل بائع عليه حماية ممتلكاته وبضائعه، وعبر عن ذلك قائلاً "مش مشكلة البضاعة تتسرق المهم الباكيات".
ومن جانبه قال اللواء أحمد ضيف نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشمالية، إنهم وفروا كل وسائل الراحة لهم وليس لديهم حجة كى يتحججون بها حتى يحصلون على أكثر من حقوقهم، مشيراً إلى أنه من المستحيل أن يتم فتح مدخل لهم من ناحية نفق شبرا لدواع أمنية نظرًا لحيوية المكان، أما عن توفير دعاية مناسبة لهم فيمكن فيما بعد دراسة ذلك.
بالصور..الباعة الجائلون بـ"أحمد حلمى" لمحافظ القاهرة:"مشروعك فشل يا باشا"
الأحد، 06 سبتمبر 2015 02:18 ص
الباعة الجائلون بأحمد حلمى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
وليد
انا اتخنقت من الدواعي الامنية
عدد الردود 0
بواسطة:
د. عمر منصور العقاد
غباء العدالة الإجتماعية عند الحكومة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد المصري
الضرب بيد من حديد