«عمل حاجات معجزة وحاجات كتير خابت، وعاش ومات وسطنا، على طبعنا ثابت وإن كان جرح قلبنا، كل الجراح طابت»، هكذا رثى الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ملخصا الحالة التى خلفها عصر الزعيم، على الملايين من معاصريه ممن رأوا فى عصره إيجابيات لا ينكرها إلا جاحد، كما رأوا سلبيات، لا يصعب المصالحة معها.
هنا فى قرية بنى مر، مسقط رأس الزعيم، يرى أهالى القرية عصر الرئيس الراحل، بنفس وجهة نظر الفاجومى، فهم من جهة يتباهون بانتساب جمال عبدالناصر إلى قريتهم، ويشيرون إلى مجمع المدارس الضخم بالقرية، الذى يعد من أهم إنجازات عصره، ومن ناحية أخرى يعيبون عليه عدم تحول قريتهم إلى قرية نموذجية، خلال الخمسينات من القرن الماضى، بعد أن وضعها الزعيم فى نهاية قائمة القرى المقرر تحويلها، ورفض تحسين حال القرية بالأمر المباشر، حتى لا يتهم بمحاباة قريته، وقد توقف المشروع عقب وفاته.
«عطية» أحد سكان قرية بنى مر، أكد أن القرية لا يوجد بها أدنى الخدمات، فالوحدة الصحية لا يتوفر بها الأدوية اللازمة، والصرف الصحى لم يصل إلى القرية بعد، رغم وعود المسؤولين منذ 20 عاما بذلك، كما أن منظومة الخبز لم تصل إلى القرية بعد، رغم أن أغلب القرية من الفقراء، وهم فى حاجة ماسة لتطبيقها، لتحسين حالة رغيف الخبز المدعم.
منزل الزعيم الراحل، الذى أغلقته عائلته، فتحول إلى مبنى مهجور، يطرح تساؤلات عن دور الدولة، ولماذا لا يتحول البيت إلى متحف تاريخى، يحمل جانبا من سيرته، ويلفت نظر المسؤولين إلى القرية المنسية.
بالقرب من بيت الزعيم يقع مسجد الشيخ سالم، أحد أقدم المساجد فى المنطقة، والملحق بضريح الشيخ سالم، ويؤكد أهالى القرية، أن المسجد كان يتردد عليه الزعيم الراحل، أثناء طفولته، وأن عائلته كانت واحدة من أولى العائلات التى أسست القرية، وقد شهدت القرية عقب قيام ثورة يوليو، مجىء رجال الثورة إلى القرية، فقد كان الضباط الأحرار حريصين على مشاركة عائلة الزعيم أفراحهم وأتراحهم، فيما انقطع المسؤولون عن زيارة القرية عقب وفاة الزعيم، وحتى قيام ثورة الـ25 من يناير.
لعائلة الزعيم الراحل سيرة طيبة بين أهالى القرية، فهم يحرصون على مشاركة أهالى القرية الأفراح والأحزان، ويساهمون فى حل المشكلات بين الأهالى ولا يمتنعون عن مساعدة من يلجأ إليهم، لذلك فلم يكن من الصعب العثور على بيت عائلة الزعيم، الذين يمثلون أولاد أصغر أعمام الرئيس الراحل، الحاج حسين خليل.
وفى منزل عم الرئيس الراحل، التقت «اليوم السابع» بـ«محمد»، أحد صغار عائلة عبدالناصر، والذى يشبهه إلى حد كبير، بابتسامته الكاريزمية، وعينيه الواسعتين، التى كانت تسع حب ملايين من المصريين، أثناء توليه حكم البلاد، ويبلغ محمد من العمر 15 سنة، ويتمنى الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لينخرط فى الحياة السياسية.
«محمد» يحتفظ بمقطع فيديو على جهازه المحمول، يظهر لقاء بين جده، عم الرئيس الراحل، والمحاور مفيد فوزى، بتاريخ 2008، ويروى خلالها جده غضب العائلة من عبدالناصر، الذى رفض التدخل بالأمر المباشر، لإصلاح حال القرية، وترك الأمر للتقسيمات الإدارية الخاصة بكل محافظة.
يقول «محمد» إنه شارك فى أحداث الـ30 من يونيو، ويرى أن الحاكم الذى يرفضه الشعب، يجب أن يرحل، كذلك الشعب الذى يشعر بالظلم عليه أن يخرج إلى الشوارع والميادين، ليطالب بحقوقه، ويحدث التغير، وقد كان محمد فى الـ11 من عمره، أثناء ثورة الـ25 من يناير، لكنه أيدها، كسائر أفراد عائلته بالقرية.
جمال حسين خليل، كبير عائلة عم عبدالناصر، أكد تأييد العائلة للثورتين، الـ25 من يناير، و30 يونيو، وأضاف أن مبادئ ثورة يوليو، التى طالبت بالعدالة الاجتماعية للفقراء، والمعدمين، لا تختلف عن مبادئ الثورتين.
يقول جمال حسين، إن الرئيس الراحل كان عفيف اليد، لم يتكسب من منصبه، حتى إنه لم يترك إرثا ماديا يذكر لأولاده، ولا حتى لعائلته أو لقريته، لكنه ترك سمعة جيدة، ملأت السماء والأرض بسيرته، وأصبح شرفاً لكل من يمت له بصلة من قريب أو بعيد، أن يتباهى بذكرى معرفته بالزعيم، وحمل أمانة الحفاظ على سيرته.
ويكمل جمال أنه حين قال الرئيس المعزول محمد مرسى، عبارته الشهيرة «الستينات وما أدراك ما الستينات»، أدرك أن الرئيس المعزول لم يقرأ التاريخ جيدا، وأنه ردد العبارة دون وعى بأهمية فترة الستينيات، التى خلفت نهضة صناعية شاملة، وقانون الإصلاح الزراعى، والمزيد من المكاسب لفقراء الفلاحين والعمال.
يقول جمال: قمت بترشيح نفسى لمجلس الشعب خلال دورتى عام 1995 و2000، وتعرضت لخسارة بسبب التزوير، وكان ذلك أمرا شائعا فى خلال تلك الدورتين، أن تعطى المقاعد البرلمانية بالأمر المباشر، ليفوز مرشح الحزب الوطنى.
وعلى الرغم من الترحيب الكبير من أهالى الدائرة بترشح جمال، اعتمادا على سيرة عائلته الطيبة، وبرنامجه الانتخابى، إلا أن إخفاقه فى المرتين، أحرجه أمام عائلته، وخلال عام 2010، اتصل «جمال» بـ«زكريا عزمى»، فقال لى «احنا ملناش دعوة بالنتيجة والانتخابات هتبقى نزيهة وشفافة، لكنى رفضت الترشح وقتها».
خلال انتخابات مجلس الشعب عام 2011، رفض جمال الترشح أيضا، لأنه شعر بأنه لا مكان له فى تلك القائمة، وفى التحالفات التى أعقبت 30 يونيو، انتاب جمال شعور بأن بعض القوائم الانتخابية، لا تخرج من فكرة الشللية والإقصاء، الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين، ومازال جمال لم يحسم بعد قراره بالترشح، فى الانتخابات البرلمانبة القادمة، فهو يحتاج أولا إلى استشارة عائلة عبدالناصر قبل اتخاذ قرار نهائى.
وعن مشاركته فى الحياة السياسية، أكد جمال أنه رفض الانضمام إلى عدد من الأحزاب، على رأسها الحزب الناصرى، رغم ارتباطه بعلاقات جيدة بأغلب قيادتها، إلا أنه يرى أن %90 من المصريين يميلون إلى عبدالناصر، دون الحاجة إلى الاشتراك فى حزب سياسى. وبوجه عام فإن أهالى قرية بنى مر، يشعرون بأنهم دفعوا خلال ثلاثين عاما من حكم المخلوع، الرئيس محمد حسنى مبارك، ثمن انتمائهم للزعيم الراحل، حتى إن تمثالا صمم له منذ أكثر من 20 عاما، ولم يوضع فى مكانه الحالى، بأحد ميادين مدينة أسيوط إلا بعد قيام ثورة يناير، وكأن النظام السابق كان يخشى من تأثير سيرة الزعيم.
ويذكر جمال حسين، ابن عم الزعيم الراحل، أنه كلما كان يطالب أحد من مسؤولى المحافظة، بوضع تمثال الزعيم الراحل بأحد الميادين، كان يقال له نصا «خليك قاعد ع الكرسى عشان تضمن منصبك»، مشيرا إلى أن التمثال أحيانا ما يترك دون تنظيف لفترات طويلة، حتى تعلوه الأتربة، معلقا «ولولا العيبة كنت نضفته بنفسى».
وتملك عائلة الرئيس الراحلة قائمة بـ200 شاب بالقرية، عاطلين عن العمل، كما يؤكدون أن مشروع الصرف بالقرية متوقف منذ 5 سنوات، بسبب وصلة 300 متر، وقد عرضت عائلة الزعيم على المسؤولين جمع مبلغ من الأهالى، لإنهاء إجراءات توصيل الصرف إلى القرية، دون جدوى.
"بنى مر" قرية الزعيم عبدالناصر تعانى من الإهمال..أفراد عائلة «ناصر» لم يتمكنوا من عضوية البرلمان فى عهد مبارك "بالأمر المباشر" وشاركوا فى 25 يناير و30 يونيو
السبت، 23 مايو 2015 10:08 ص
المنزل الذى نشآ به عبدالناصر فى قرية بنى مر
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة