"العزف بمجدافين" حكاية قرية لن تشم رائحة الجنة

السبت، 11 أبريل 2015 08:00 م
"العزف بمجدافين" حكاية قرية لن تشم رائحة الجنة غلاف الرواية
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"ابن الكلب، العفريت، وصل الملعون"، هكذا يهتف الكبار والصبية فى أى فرح عندما يرون "هارون" يدخل دائرة "التحطيب" مستعدا لرقصة يعرفها أهل القرى، وينتظرونها، وهو لا يخزلهم أبدا، وحتى النهاية يؤديها كما يجب أن تكون.

و"هارون" هو الشخصية الرئيسية فى رواية "العزف بمجدافين" للكاتب محمد مستجاب (الابن) والصادرة عن دار (ليان) تحكى عن قرية لا ترد النار ولا تشم رائحة الجنة ولا تعرف مبدأها من منتهاها، هواؤها لا يسمح لبلح النخل أن يصل لمرحلة النضج، قرية ضائعة مستباحة لا تملك سوى "ضمير" واحد اسمه "هارون" لا يسكن القرية لكنها هى التى تسكنه، هو فقط يجلس على تخومها فى "ترعتها" يعيش، وعلى شاطئها يقضى ما تبقى من يومه، ولأنه لا يسكنها لذا ظل "نقيا" يمكنه رؤيتها من الخارج كما أنه بسبب عدم السقوط تحت سطوتها ظل قادرا على قول كلمته حتى النهاية.

يحكى محمد مستجاب فى "العزف بمجدافين" عن زمن لا يحدده بدقة، لكن التفاصيل تشى به، إنه بعد بناء السد العالى وقبل وجود الكباري، بعد بناء السد أى بعد زمن "ناصر" وقبل بناء الكبارى أى قبل مجيء مبارك، حينما كان الناس يعبرون من بر إلى بر عن طريق قارب صغير لا يحمل سوى أربعة أشخاص لا يزيدون، لكن الناس كما هم لم يتغيروا لم يؤثر فيهم سد أو كوبرى، نفوسهم ممتلئة بالخوف، وأرواحهم شاحبة من الفقر، ومفاهيمهم عن الحكمة غريبة.

فقط "هارون" الذى يقضى وقت فراغه فى أن يعمد نفسه بالماء، فهو يستند بظهره على مقدمة القارب، ويضع قدميه فى مياه الترعة، كى تنتابه قشعريرة لمس المياه لقدميه. عندها يشعر شعورا ناعما هامسا بالحياة وعذوبتها، وتملأ السعادة قلبه، ويحلم بأنه ذات يوم سيذهب إلى نهاية ترعة الإبراهيمية، رجل لا يشغله عن الماء سوى التحطيب، هو الوحيد فى هذا المكان الذى تدب فيه الحياة رغم سكونه الظاهرى.
هذا الـ"هارون" لم يكن قادرا على استيعاب أن تفقد القرية روحها وتظل صامتة تتأمل وخائفة تترقب، وروحها هى "صبرية" التى ربط محمد مستجاب بينها وبين القمر الحائر الذى يخجل من بنات الحور الجميلات، هى قرينته الأرضية "إذن هى ابنة موت" كل ما فيها جميل حتى حكمتها التى هى عكس كل رؤى أهل القرية الذين يرون الحكمة فى الصمت وتراه هى فى الكلام، كما أنها قادرة على إدراك القيمة ومعرفة الحقيقى من الأمر، ترى فى عيون "هارون" الرمليتين جمالا وفى بعده عن الناس "غنيمة" وفى قاربه "يجتمع العالم".

و"صبرية" الجميلة كالرغبات القديمة، والمشدودة حول رقاب القرية، التى قتلتها جملة إذ قالت "هذه قرية ليس بها رجل" وأصرت عليها لدرجة تجعل القارئ يستعرض كل الرجال الذين وردت أسماؤهم فى الرواية فلا يجد رجلا فيها سوى "هارون" الذى لا ينتمى إليها ولا يعرف أحد متى ظهر، لكن العالم كان فى حاجة إليه كى يحدث به بعض التوازن، هو الوحيد الذى به سمات الرجولة، ولأن هارون كان مؤمنا بمقولتها لذا دافع عنها حتى النهاية كى يثبت أن كلمتها حقيقية، فقد شعر تجاهها بالمسئولية منذ تكشفت "جثتها" أمامه فى قاربه قبل أن تغوص فى ماء ترعة الإبراهيمية.

وهناك آخرون فى هذه الرواية غير "هارون وصبرية" إنهم عائلة الجربان، قوم خشنون سقطوا فى هوة ما بين الحياتين، لا هم فرسان صحراء ولا هم فلاحون، وأسوأ الأعداء من ليس له وجه واحد بل يملك أقنعة متعددة، حسب الظرف والوقت، و"الجربان" نموذج للطغيان الذى يسرى فى دم القرى المصرية مجرى الدم.

فى "العزف بمجدافين" شحذ محمد مستجاب همتنا معه باللغة الشعرية وبإضفاء الحياة على كل الموجودات التى أحاطت بعالم الرواية من الماء والشجر والطيور والأرض، وتريث كثيرا أما كلمات "الحزن والخوف" وجعلنا نتأمل مستويات متعددة منهما وندرك أن لهما عمقا لم نكن نعرفه من قبل، واستعان بالأساطير وبالحكايات التراثية، ليصل بنا إلى هذه الصورة من القهر المرسوم على وجوه الناس فى القرية ويفسر لنا استكانتهم الدائمة وخوفهم الأبدى من كل شىء.


موضوعات متعلقة..


- عبد الرحمن الأبنودى فى ميلاده الـ 77.. سيرة الفرح والحزن








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة