مونيكا ناجى تكتب: حب أم جرم؟!

الثلاثاء، 01 ديسمبر 2015 06:05 م
مونيكا ناجى تكتب: حب أم جرم؟! امرأة حزينة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"سارة" امرأة فى السابعة والعشرين من عمرها، ممشوقة القوام صاحبة عينين بلون الكراميل، شعرها متوسط الطول انسيابى تتخلله قليل من التجعيدات، ممتلئة الوجنتين، بريئة حد السذاجة، وتحارب الكون بقوة عشرة رجال.

لم تكن تعلم ما هو الحب ولم تكن تعلم ما هى أعراضه...
كانت وحيدة، قد ماتت والدتها وهى فى السابعة من عمرها وكان أبيها مشغولًا عنها معظم الوقت ولم يكن لديها أى إخوة أو أخوات.

لم يكن لديها أحلام أو تخيلات لمستقبلها غير دراستها والعمل بعد إنهائها.
أنهت دراستها فى كلية التجارة جامعة القاهرة بتقدير جيد جدًا وعملت فى قسم الحسابات فى إحدى الشركات الكبرى.

كانت لطيفة ومحبوبة من جميع العاملين فى تلك الشركة حتى من مديرها.
لم يكن الحب فى مخططاتها فهى أنثى تؤمن بأن للمرأة دور فى المجتمع غير أن تكون مجرد زوجة وأم، لكن فجأة أصبح الحب فى مقدمة لوحتها التى رسمتها للحياة عندما رأته أمامها. فى يوم عادى جدًا وقف أستاذ "جمال" مدير الشركة يعرفها على زميلها الجديد (أستاذة "سارة" هذا هو زميلك الجديد أستاذ "سامح" أتمنى أن يكون العمل بينكم جيدًا، وأتوقع تطورًا جيدًا فى قسم الحسابات وأفكارًا عظيمة لتحسن اقتصاد هذه الشركة فأستاذ "سامح" كان يعمل فى شركات كبيرة وأخذ كورسات فى الاقتصاد الحديث ومواكبته للعصر الحالى وكل ذلك بالطبع سيفيدنا). أومأت "سارة" برأسها موافقة على كلامه لكن مستهترة بـ"سامح" فوجهه ينم عنه تعجرف لا تحبذه.

عادت "سارة" إلى مكتبها بعدما رحل مديرها مع "سامح" يخبره كل شىء عن نظام العمل وعن مكتبه المقابل لمكتبها. لم تبد أى اهتمام لذاك الجالس فى المكتب المقابل لها لكنها سبق ورمقته بنظرة حفظت بها كل تفاصيله، رجل فى الثلاثين من عمره، وقور، يلبس نظارة تزيده وقارًا على وقاره، عريض المنكبين، متوسط الطول، ليس بنحيف ولكنه ليس بسمين أيضًا، لديه عينان واثقتان وحادتان كعينا الصقر بهما كثير من الغموض.. وربما هذا ما أثار فضولها فيما بعد...

مرت قرابة الثلاثين يومًا حتى بدأ "سامح" و"سارة" يتعاملان كأصدقاء فى مرحلة التعارف، بدأ الحديث بينهما يتجاوز ساعات العمل فقد تبادلا الأرقام. بدأ كل منهما يظهر صفاته الجيدة والسيئة منها حتى إنهما وصلا إلى حد أن أصبح كل منهما يفهم الآخر إلى حد لطيف. لم تعلم "سارة" ما هو مخبئ لها! لم تدرك حقيقة أنها كلما تعمقت فى بحر غموضه اكتشفت غموضًا أكبر وأنها ستقع فى حب ذلك الغموض كمن ابتلعته الرمال المتحركة كلما خطى بخطوة اغترس فيها أكثر!

كم هو مؤلم ذاك الحب من الطرف الواحد! كمن ضحى بحياته وتلقى رصاصة فى قلبه ولم يسمع حتى كلمة شكر واحدة. كانت هى دائمًا من تبدأ بالحديث ومن تبدأ بفتح مواضيع جديدة كلما انتهى موضوع، وكل كلمة منه تأخذها بذلك المنحنى الذى يلمس قلبها. كانت تريد حقاً تصديق أنه هو أيضًا بدأ يحبها.
صار العمل بينهما أفضل جدًا وبدأت تظهر تطورات علاقة العمل بينهما فى تطور ملحوظ للشركة، وصارت كل الشركة تقول إن هذا الثنائى أفضل ثنائى عمل قد مر فى تاريخ الشركة.. كانت "سارة" تأخذ كل كلمة بذاك المنحنى الشاعرى الجميل، كانت تسمع كلمة (الثنائى) وتنسى كل ما جاء قبلها أو بعدها.
بعدما سمعت كل جمل الثناء تلك ذهبت مسرعة لتخبر "سامح" بتلك الأخبار الجميلة لترى ابتسامته التى قد أحبتها وأغرقتها فى حبه كثيرًا، لكن أثناء ركضها اصطدمت.. اصطدمت بـ"سامح".. لكنه لم يكن مجرد اصطدام.. كانت على وشك الوقوع وما كان من "سامح" إلا أن أحاط وسطها بذراعه ونظر لها فى عينيها ليطمئن إن كانت بخير.. للحظة كان وقوفها أمام عينيه استسلامًا، اجتاحها كالإعصار وأدخلها فى دوامة من المشاعر المتناقضة، وكأنما جمع أشلاء روحها المتناثرة بذلك الحضن! نعم كان بالنسبة لها حضنهما الأول.

كانت مؤمنة جدًا بأن حبها له كفيل بأن يحرك جبل مشاعره فالإيمان بالحب أعظم من الحب ذاته، فما الحب دون إيمان!!

بدأت تنجذب له أكثر وأكثر حتى سيطر حبها عليها وعلى كل تفكيرها ومخططاتها، أو بالأحرى ألغى كل مخططاتها وصار هو المخطط الوحيد! ذلك الذى استطاع أخيرًا أن يحرك مشاعرها الساكنة، لكنها لم تكن مسيطرة على مشاعرها، بل كان هو دائمًا المسيطر الأول والأخير، يجيب متى يشاء؛ يضحك متى يشاء؛ يغضب متى يشاء؛ ينشغل متى يشاء؛ أما هى فما عليها سوى مطاردته. كانت كل يوم فى بداية العمل تقف للتحدث معه فى أى شىء فقط لتستطيع التنعم بالوقوف معه والنظر إلى عينيه ولو للحظات، كانت تسعى دائماً لإضحاكه لترى ابتسامته حتى صار طوال الوقت فى حالة من الفرح والضحك المستمر حتى لحظ ذلك جميع العاملين وبدأوا بالتهامس فيما بينهم وتجرأ البعض بسؤاله إن كان هناك شىء بينه هو و"سارة"؟!
لكن لم يبق الوضع على هذا الحال فقد أحس "سامح" بمشاعر "سارة" تجاهه ووقعت عليه أسئلة الموظفين كصاعق كهربائى أفاقه من غيبوبته التى كان يعيش فيها مع "سارة" فى ابتهاج دون أن يحسب خطواته وينتبه لتصرفاته؛ ولأنه لم يكن متأكدًا من ما هو الذى يريده من تلك العلاقة، ولأنه عقلانى جدًا بطبعه شعر أنها لن تكون تلك الزوجة المناسبة له حتى وإن كانت قد فهمته وشعرت به، حتى وإن كانت قد زحزحت جبل مشاعره قليلاً لكنها تبقى غير مناسبة له. لذا فجأة وبدون أى مسبقات أو إنذارات أفاقها من على وسادة أحلامها ليوقعها على أرض الكوابيس وأن ما بينهما ما هو سوى علاقة عمل بحتة وأن ما يدور فى بالها هو من نسج خيالها، أو هذا ما فهمته من كلامه القاسى الذى دخل قلبها كمجموعة من الرصاص والأسهم وليس مجرد كلمات! أدركت حينها أنه ليس من حقها أن تحلم وترفع سقف أحلامها إلى فوق وتحلق به عاليًا لأنها لن تنال شيئًا سوى السقوط وبشدة..

لم تستوعب "سارة" تلك الصدمة وأصبحت كالمجنونة التى تقف أمام المرآة وتحدثها وتسألها (هل حقاً لم يحبنى!؟ هل كنت أتخيل كل ذلك!؟ هل حقاً تكلم معى بتلك القسوة!؟ هل تلك هى حقاً النهاية لما بيننا!؟ ما الذى سيحدث الآن!؟) كل تلك أسئلة كانت تراودها ولم يصمت عقلها ولو لثانية واحدة، كشبح صارت تطاردها خيالاته فى كل الأماكن كمن أصابتها لعنة.. لعنة الحب!

أقنعت نفسها أو هذا ما كانت مقتنعة به فعلاً أن كل شىء سيعود إلى حاله أو على الأقل سيكون كل شىء جيدًا وكأنه لم يحدث شىء، لكن حينما ذهبت إلى العمل فى اليوم التالى لم تجد شيئًا من ذلك؛ لم تجد سوى تجاهل تام كاد يقتلها حيث كانت تحدثه فى مجال العمل وكان يجاوبها بكلمات معدودة مصقولة بقطعة من الثلج دون حتى النظر إليها كمن يتفادى الوقوع فى فخ ابتسامتها البريئة مرة أخرى. وعندما سألته عن سر ذلك التجاهل رماها بالرصاص مجدداً، وفى النهاية بات يعاقبها على حبها له وكأنها أذنبت الذنب العظيم وجرمها الوحيد أنها أحبته أكثر مما ينبغى، وتمنته أكثر مما ينبغى..

أرادت حقاً أن يعود كل شىء بينهما لسابق عهده فحتى العمل معه بهذا شكل أصبح صعبًا ومؤلمًا، لكنها لم تقدر قط على إعادة أى شىء لسابق عهده وصار الندم يتآكلها أن ذلك ربما يكون خطأها أنها أظهرت مشاعرها له حتى نفر منها. حقًا صدق القائل أن الندم هو أقوى ألم نفسى قد يمر به الإنسان..
مرت شهور على هذا الحال وكل يوم يمر يسحب معه شيئًا من روحها حتى أصبحت فارغة من كل ما هو جميل بداخلها، أصبحت دؤوبة أكثر على العمل لتثبت له أنها لن تقع ولن تتدمر، ولم تدرك أنها تدمرت بالفعل، رحل بعدما دمر قلاع حبها وترك لها غرفة واحدة فى قلبها نقش عليها اسمه ورحل، لم يترك فرصة لأحد بعده ليسكن قلبها.

لكنه بعدما رآها مستمرة فى حياتها بدون توقف كقطر انتقام لا يرى أمامه شيئًا سوى المضى إلى الأمام، أصيب بالحيرة وصار هو الآخر شخصًا مختلفًا كمن زبل، وصار يرقبها بنظرات قليلة خاطفة، أراد أن ينظر إلى داخل روحها التى كانت بسيطة لكنها بعد كل ما حدث امتصت من غموضه لتحاربه به فالغموض بالغموض والبادئ أظلم.

بعد كل ما مرت به معه وبدونه لم تجد إجابة لسؤال واحد لطالما حيرها، لماذا ابتعد؟!
حقًا ظلمها وظلم نفسه! لم يعد أى منهما كما كان فى السابق! وكأنما سحبت منهما روحهما!!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة