"حضارات الشعوب تقاس بمسارحها" إذا طبقنا هذه القاعدة على مجتمعاتنا سنجد أنها للأسف تعكس حقيقة مريرة، فوسط انقطاع الإنتاج المسرحى "المحترم" وتدهور الفن بشكل عام، تدهور المجتمع المصرى واتسم بالعنف والعشوائية والخروج عن النص، لكن بعد سنوات الضياع التى عاشها المسرح المصرى بدأت الأضواء تعود مرة أخرى إلى الخشبة المتعطشة لأعمال تراجيدية وكوميدية تضمن وجبة فنية دسمة تنقل واقعنا كما هو دون تزييف ودون تجميل ترجع للمسرح دوره التوعوى والتثقيفى وتعيد أجواء الرقى للفن المصرى كما يجب أن يكون.
فهناك 5 حركات فنية حديثة بدأت تعيد الروح للمسرح المصرى وتعيد الجمهور إلى مقاعده، كان من بينها عروض شبابية نقلت الواقع المصرى دون سقف، ومهرجانات فنية تابعة للمؤسسات الثقافية الخاصة أحيت المسرح فى المحافظات، وفنون شارع وصلت المسرح للجمهور "دليفرى فضلا عن نوعية جديدة من البرامج التلفزيونية التى نجحت فى استرجاع زمن المسرح الجميل، وأخيرا "شهداء محرقة بنى سويف" الذين قدموا نموذجا للتضحية بالروح من أجل إعلاء كلمة أبو الفنون مرة أخرى.
عروض شبابية نقلت الواقع المصرى دون سقف
حققت مجموعة من العروض المسرحية الشبابية التابعة للدولة أو الإنتاج الخاص المعادلة الصعبة الكامنة فى الجمع بين مستوى فنى راق ومحتوى واقعى، يعالج مشاكل المجتمع المصرى دون سقف ودون خروج عن السياق الأدبى، وكان من بين هذه العروض مسرحية "1980 وأنت طالع" الذى نجح فى استعادة جمهور الفن الرابع دون دعاية أو دعم، بل تحول الجمهور إلى وسيلة دعاية متنقلة، وجمع بين النجاح الجماهيرى والجوائز الفنية.
وإذا نظرنا لمثل هذه النوعيات من العروض المسرحية التى طرحت على السوق مؤخرا نجد أن سبب نجاحها لا يكمن فى عناصر الإبهار المسرحية من إضاءة وديكور وفضاء وغيرها من عناصر السينوغرافيان، لكن الحرفية فى نقل الواقع وما يعانى منه الشباب من مشكلات وعرضها فى إطار فنى متحضر وراقى ما لفت انتباه الجمهور لها وللمسرح بشكل عام، لذلك كانت هى وغيرها من الأعمال الفنية التى سارت على نفس المنوال سببا فى رجوع المسرح على رونقه المعهود.
مهرجانات فنية أحيت المسرح فى المحافظات
وعلى الجانب الآخر هناك جنود غير معلنين طالما اجتهدوا ليعود المسرح بعد سنوات انقطاع، فعلى الرغم من التراجع الذى شهده المسرح بسبب تراخى الدولة عن دورها فى إعادة الحياة لقصور الثقافة فى المحافظات، إلا أن المؤسسات الثقافية الخاصة والمبادرات الفنية الشبابية استطاعت أن تأخذ بيد القرى والعشوائيات من خلال إقامة مهرجانات مسرحية وفنية، تجعل من الفن غاية ووسيلة عند سكان المناطق الشعبية فى المحافظات وتعيد تأهيل قصور الثقافة ومسارحها التى قتلها الإهمال.
وكان من بين هذه الحركات والمبادرات الفنية "مهرجان ألوان" الذى استطاع أن ينقل جميع انواع العروض المسرحية إلى واقع حى السيدة زينب، وجذب شريحة جديدة من الجمهور إلى المسرح، والتى تنقلت فيما بعد إلى النوبة وشاركت فى فتح أبواب مسارح قصور الثقافة أمام الجمهور البسيط.
برامج تليفزيونية أرجعت زمن المسرح الجميل
ظهرت فى الآونة الأخيرة مجموعة من البرامج التلفزيونية التى قدمت المسرح بشكل جديد، وكان برنامج "تياترو مصر" للفنان الكوميدى أشرف عبد الباقى وبمشاركة مجموعة من الوجوه الجديدة هو الرائد فى هذا القالب الفنى الجديد، فعشقه الجمهور منذ أول موسم له، واستمر بنفس النجاح الثلاث مواسم المتتالية له، واستطاع من خلال العروض الكوميدية عالية المستوى المقدمة من خلاله أن يداعب ذاكرة المصريين بالنسبة للمسرح ويعيد مكانته فى قلوبهم.
وشهداء ضحوا بأرواحهم ليعود أبو الفنون
كانت فاجعة المسرح المصرى المعروفة بمحرقة بنى سويف والتى راح بها العديد من الضحايا بمثابة إشارة واضحة للمشاهد المصرى للالتفات للمسرح مرة أخرى، ففى فى يوم الاثنين الموافق 5 سبتمبر من عام 2005 وأثناء تقديم العرض المسرحى "من منا" عن قصة "حديقة الحيوان" لفرقة نادى مسرح طامية بالفيوم، بقاعة الفنون التشكيلية الملحقة بمبنى قصر ثقافة بنى سويف شب حريق كبير بالقاعة حفر هذا اليوم فى ذاكرة المصريين، وتسبب فى جعله يوم المسرح المصرى فيما بعد، ومن هنا كانت خطوة هامة فى سبيل إرجاع المسرح لمكانته كأب الفنون، دفعت ثمنها أرواح فنانين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة