كثيرا ما يحلو للبعض أن يعلق على التغيرات الجوهرية فى الشخصية المصرية بالقول إن شعب مصر "ملوش كتالوج" لكن هذا ما ينفيه الشاعر الكبير سيد حجاب، إذ يؤكد أن "كتالوج المصريين" هو كتاب "الجيبتانا" - والصادر فى طبعة جديدة عن دار روافد - الذى قرأه عدة مرات ويعيد قراءته الآن مستغلا حالة الصفو الرمضانى التى نعيش فى ظلالها.
إعجاب سيد حجاب بهذا الكتاب تعدى فكرة قراءته أو الانبهار، لكنه صار يصفه لكل من يسأله عن طريقة لفهم آلية تفكير المصريين والأسس التاريخية التى شكلت شخصية الشعب المصرى، فتراه يتحدث وكأنه يصف لك وصفة سحرية مجربة، يستغرق فى تفاصيل الكتاب واللغة التى كتب لها وطريقة وصوله إلى أيدينا، فتسأل نفسك كيف لم ينل هذا الكتاب حقه من الانتشار والرواج بينما تتصدر العديد من الروايات والكتب الأقل قيمة قوائم الأكثر مبيعا للعديد من الأسابيع المتتالية.
يعود لقراءته بين الحين والأخر ربما ليؤكد لنفسه _ ةحسبما قال _ أننا المصريين كما كتبنا أول سطر فى تاريخ الحضارة الانسانية قادرون على كتابة تاريخ جديد لمصر بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وذلك لأن بالكتاب قدر كبير من الكشف عن أصالة المعدن المصرى وعبقريته، وهو ما يجعلنى أعود له كلما تكاثرت الغيوم من حوله، ويراه كتابا مهما جدا له ولكل المصريين.
ويروى حجاب الدرس المستفاد من الكتاب حيث يحكى التاريخ الأسطورى لمصر والتاريخ الذى حكاه الآباء للأبناء قبل عصر الأسرات عندما طلب بطليموس الثانى من مانيتون السمنودى كتابة تاريخ الملوك والأسرات من أيام مينا حتى زمانهم ذلك، وكيف رتب له مانيتون الأسرات منذ مينا وسمى هذا الكتاب "الجبتاكا" لكنه كتب كتابا آخر هو كتابنا هذا "الجبتانا" الذى يؤرخ لمصر منذ بدء الخليقة مرورا بالعصر الحجرى القديم والحديث البوليكى واليوليكى ويحكى كيف طهر المصريون وادى النيل من المسوخ والحيوانات الاسطورية واستقروا وكيف اكتشفوا النار والزراعة وروضوا الحيوانات وعرفوا الألبان ومنتجاتها كيف صنعوا الخبز والفخار وكيف تألفت الجماعات المتباترة على ضفاف النيل حتى توحدت وحدتها الأولى على يد أوزريس.
وقد ظل هذا الكتاب على السنة بعض الرهبان والآباء فى الكنيسة القبطية حتى وصل إلى الأب أبيب فى نواحى المنصورة واستطاع أحد أبناء تلاميذه أن يترجمه ويحققه وينشره منذ سنوات قليلة.
ويقول حجاب أنه من المؤكد أن كل مصرى معتز بمصريته محظوظ لأنه ولد فى مصر ونشأ وتربى فيها لأن مصر هى أول إبداع إنسانى كبير على الأرض، لافتا إلى أن كتاب "الجبتانا"، يؤكد لكل مصرى من حقه بل من واجبه أن يعتز بمصريته.
وتأتى قصة الكتاب حسب رواية المؤرخون الكلاسيكيون أنّ لمانيتون السمنودى متنين: "إجبتياكا" وهو تاريخ للأسر والملوك الفراعنة، والثانى "إجبتانا" وهو متن جمعه مانيتون من محفوظات المعابد المصرية عن "أسفار التكوين المصرية"؛ أو ربما كان مدونه شعبية دينية تحكى قصة الشعب المصرى.
وتروى قصة انبثاق الآلهة، وظهور الآلهة فى مصر، وبداية تجمـُّع السلالة المصرية حول وادى النيل، وبدء ظهور الحضارة المصرية: استنبات الحبوب، أدوات الزراعة، استئناس الحيوان، تجفيف المستنقعات وزراعتها... واستمرت الجبتانا تروى جذور الحضارة المصرية، حتى زمن مصرع "أوزيريس" الناسوتى وتحوُّله إلى صورة لاهوتية، ثم زوال الاتحاد الأول، وبداية الاتحاد الثانى على يد "مينا نارمر".
كانت "الجبتانا" – إذن - نصّـًا مقدسًا حَفِظَهُ مانيتون عن الكهنة الذين حفظوه عن أسلافهم، وإمعانًا فى قداسة "الجبتانا" فإن مانيتون يرى فى المنام أن رب الأرباب يأمره بأن يعيد تسجيل الجبتانا عن المتون القديمة التى كانت تحويها... وينصاع مانيتون لما رآه فى سفر الرؤيا الخاص به.. ويعيد كتابة الجبتانا التى يعتبرها من وحى الآلهة أحيانًا، وأحيانًا أخرى يعتبرها متونًا قديمة سجلها قـُدامى المصريين على الألواح وعلى الأُستراكا وعلى جُدُر المقابر القديمة.
ويتضمن 16 سفرا تناقلها المصريون القدماء لفترة طويلة، ومن الاشكاليات الخطيرة التى يطرحها الكتاب كشفه عن مدى التقارب بين نص «الجبتانا» والفكر الدينى السامى عموما، خاصة العهدين القديم والجديد، فرؤيا مانيتون السمنودى، تقترب كثيرا فى بعض ملامحها وتفاصيلها من رؤيا يوحنا، كما أن استخدام كلمة سفر للدلالة على المتن المقدس مقتبسة من الكلمة المصرية القديمة «سورتا»، وفى السفر الثانى من الجبتانا، وهو سفر انبثاق الآلهة والعالم، يبدأ كالتالى «فى البدء لم يكن إلا ماء وضباب..» ويتضح مدى التشابه بينه وبداية النص التوراتى «سفر التكوين «فى البدء كان الكلمة..»، ثم يسرد النص كيفية ظهور الإله الأول «آتوم» وكما يبدو من لفظه يبدو قريبا جدا من اسم «آدم» أول البشر، يستشهد المحقق بالعديد من كتب التاريخ الإسلامى وكبار باحثى المصريات للتدليل على وجود النص القبطى أو المصرى القديم للجبتانا، ويفتح المجال أمام الباحثين، للوصول إلى أصول هذه المتون المقدسة.
"يقرأون الآن".. الشاعر الكبير سيد حجاب يعيش مع "الجيبتانا" كتالوج المصريين.. الكتاب يتضمن 16 سفرا تناقلها القدماء منذ بدء الخليقة ويؤكد أن مصر هى أول إبداع إنسانى كبير
الجمعة، 11 يوليو 2014 07:00 م