شماتة فى مصر

لا أحب أن يلغى الناس تحيزاتهم، ولا أطالبهم بأن يداروا توجهاتهم، ولكنى أطالب نفسى، وأطالب كل إنسان عاقل ألا ينسى المشترك الإنسانى بين البشر، وألا ينسى الناس المشترك الوطنى الجامع الذى يجمع كل المصريين من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. بعد أن خُطف الجنود فى سيناء وجدت شماتة فى الرئيس وفى الإخوان المسلمين تكاد تصل حد البهجة باختطاف الجنود، وبعد أن تم الإفراج عن الجنود وجدت عند البعض حزناً شديداً، ولم يكن ذلك بسبب أن مصر فقدت سيطرتها على سيناء، أو بسبب عدم الشفافية الذى تمت به عملية الإفراج، بل كان الأمر حزنا على عودة الجنود أحياء، وكأن بعض المصريين قد وص
لت درجة كرههم للحاكم بحيث يتمنون أن يسيل دم مصرى حرام لكى يشمتوا فى الحاكم!
نفس الأمر لاحظته فى أزمة سد النهضة الإثيوبى، وكأن البعض فرح بهذه المصيبة لكى يشمت فى الرئيس وجماعته، ويبالغوا فى تحميل المسؤولية للمسؤولين الحاليين، وكأن هذه المصيبة لم تحدث إلا بالأمس، وكأننا لم نرث هذا الملف جثة هامدة بعد أن بدأ العبث به من أيام السادات مروراً بعصر المخلوع، وانتهاء بعهد المجلس العسكرى الميمون، وأخيراً بعهد الرئيس العاجز محمد مرسى!

سيعتبر البعض هذه المقالة دفاعاً عن الإخوان، ولكن الحقيقة التى لا يراها من أعمته ظلمات الاستقطاب أن كلامى لا هدف له سوى إخراج الثوابت الوطنية والقضايا الكبرى من مزاد الاستقطاب الذى يكاد يودى بالدولة ومؤسساتها، وبعلاقات الناس مع بعضهم. خطف الجنود المصريين وتوريط الجيش فى عملية عسكرية فى سيناء ليس أمراً خاضعاً لحماقات السياسيين، بل هو أمر شديد الخطورة، وهو أمر ينبغى أن يبتعد به الجميع عن جو الاستقطاب المقيت. وكذلك علاقاتنا بإفريقيا، وقرع طبول الحرب مع الدول الأخرى، كل هذه الملفات الحساسة لا يجوز لأى وطنى محترم يحب هذا البلد أن يرميها على طاولة قمار الفضائيات المفتوحة لكل من هب ودب كل ليلة، لأن شحن الرأى العام بهذه الأفكار لتحقيق مكسب انتخابى أو لإحراج طرف ما فى السلطة قد يؤدى بالدولة المصرية كلها إلى مستنقع يدفع ثمنه الجميع.

لو ختمت كلامى بأن الشماتة خلق وضيع ستكون خاتمة جيدة، ولكنى أحب أن أختم بأن الشماتة بحرق الأوطان.. خيانة، وكل من يشمت فى خصمه فى مثل هذه القضايا الكبرى، إنما هو فى حقيقة الأمر يشمت فى مصر!
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين..