د. محمد فؤاد

البعد الاستراتيجى لحجب المعونة

الجمعة، 08 نوفمبر 2013 03:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حين أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية تعليق تسليم أنظمة عسكرية كبيرة ومساعدات نقدية للحكومة المصرية، كانت هذه الخطوة متوقعة بدرجة كبيرة خاصة مع تجميد عملية تسليم معدات عسكرية بالفعل وإلغاء مناورات عسكرية مشتركة، بحيث جاءت هذه الخطوة لتضع النهاية لعامين من التنبؤات حول مصير المعونة التى تقدر بـ 1.5 مليار دولار.

لكن بعيدا عن الخطابات التى تغالى فى النزعة الوطنية والأخرى المتلفعة بالزى الداعى للديمقراطية، دعونا ندرك هذا الموقف والمغزى الحقيقى منه.
رد الفعل العالمى :
تبنى الاتحاد الأوروبى موقف أكثر محايدة تجاه المساعدات مقارنة بالموقف الأمريكى، وذلك لأنه من الصعب قطع أى مساعدات أوروبية الموجه معظمها فى الوقت الحالى لدعم برامج اجتماعية، كما أن حكومات الاتحاد الأوروبى لديها مخاوف من أن تحرك لقطع المساعدات العسكرية عن مصر قد يعوق السلطات المصرية فى مواجهة الهجمات التى تشهدها شبة جزيرة سيناء.

من جانب آخر، نجد تعهد المملكة العربية السعودية بسد أى عجز ينتج من قطع الإدارة الأمريكية للمعونة. وفى غضون الأسابيع التالية للإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسى، قامت بالفعل كل من المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة بتقديم ١٢ مليار دولار.
وأبدت إسرائيل تحفظها على القرار الأمريكى، فى حين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لم يعلق بصورة مباشرة على القرار، فقد أوضح أن من مصلحة إسرائيل الحفاظ على معاهدة السلام وأضاف أن معاهدة السلام تستند بشكل أساسى على المساعدات العسكرية الأمريكية، من ناحية أخرى، عارض مسئولون إسرائليون آخرون هذه الخطوة بشدة زاعمين بأن هذا القرار سيكون له تأثير يتخطى نطاق مصر بكثير.
المغزى من الخطوة الأمريكية:
لا يجب النظر إلى قطع بعض المساعدات الأمريكية على أنه مجرد إجراء رمزى أو أنه مرتبط مباشرة بالموقف السياسى الحالى بمصر، حيث إن هذا التعليق للمساعدات يؤكد حدوث تحول استراتيجى فى المنطقة، فى حين أن المساعدات ساعدت الولايات المتحدة فى تحقيق أهداف سياسية قصيرة المدى، إلا أن الساحة تشهد تغييراً سريعاً بالنسبة للولايات المتحدة.

لذا على الرغم من استخدام كلمة "إعادة النظر فى المساعدات"، فإن الواقع يرجح حدوث تغيير واسع النطاق فى الإستراتيجية. تشير الخطوة باختصار إلى أنه يبدو أن التزام الولايات المتحدة تجاه امن الشرق الأوسط بدا يسقط بشكل كبير من قائمة أولويات الولايات المتحدة العالمية، ونجد أن الولايات المتحدة لديها فى حقيقة الأمر أسباب كثيرة لهذا التغيير:

أولاً، إن التحالفات التى تشهدها منطقة الخليج فى الوقت الراهن تنطلق استنادا إلى سياسات فى منأى عن واشنطن، فنجد على سبيل المثال أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أظهرا خيبة آمل كبيرة عندما أوقفت الولايات المتحدة العمليات العسكرية المحتملة ضد نظام الأسد، كما أن معظم دول الخليج لديهم قلق متزايد من محاولات واشنطن لإجراء مصالحات مع إيران، وقد بدأت المملكة السعودية خاصة إبداء تذمر ملموس من تلك السياسات الأمريكية.
ثانياً، على الصعيد المحلى، تشهد مصر حاليا نمواً متزايداً لنغمة الخطاب المعادى للولايات المتحدة مرجحا أن الولايات المتحدة لم تعد تستطيع إرضاء الجموع المصرية أو الحكومة، حيث تنبأ كل منهما بقطع المعونة ولم يبديا أى رهبة من هذه الخطوة، وفى خضم الأحداث المصرية الحالية، تعرض صناع القرار الأمريكى لضغط شديد لإبداء أى موقف تجاه تلك الأحداث فكان هذا هو الحل الذى ظنوه مناسباً للتعامل مع المشهد المصرى الملتبس من وجهة نظرهم.

ثالثاً، على مستوى الولايات المتحدة، فهناك أدلة منطقية عديدة بجانب هذه المؤشرات تشير أن الولايات المتحدة تتحرك باستراتيجية جديدة، إن الولايات المتحدة الآن بدأت تتخطى روسيا كأكبر منتج للبترول والغاز الطبيعى بالعالم، وعليه، فان الولايات المتحدة تتحرك بخطوات ثابتة تجاه تقليل الاعتماد على بترول الخليج، حيث إن الحقيقة توضح أن الولايات المتحدة أقل اعتماداً الآن على بترول الشرق الأوسط مقارنة بأى وقت آخر فى القرن الماضى، وهذا يرجح أن رغبة الولايات المتحدة فى التدخل فى الشرق الأوسط ستقل.

أخيراً، يجب علينا أيضاً أن نقيم دور حزمة المساعدات العسكرية كحجر كأساس لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، فإن الولايات المتحدة ترى بوضوح بأن احتمالية تضرر العلاقات بين الطرفين هو أمر غير وارد، حيث إنه كثيرا ما يؤكد مسئولو الأمن الإسرائيليون عن ضرورة تعزيز العلاقات مع السلطة المصرية، وصرح الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية عاموس يدلين مؤخرا، بأن اتفاقية السلام مع مصر قوية وستظل كذلك على الرغم من قرار تعليق المساعدات العسكرية.

وفى النهاية، نرى أن الخطوة الأمريكية ليست مجرد رد فعل على الوضع السياسى المصرى فحسب بل هى خطوة نحو استراتيجية أمريكية جديدة فى المنطقة، وعليه، فإنه من الواضح أن الولايات المتحدة قررت المضى قدوما فى قطع المساعدات المالية التى يبدو أنها لم تعد تؤمن المصالح الأمريكية وصار غير مرحب بها من قبل مصر شعباً وحكومة.









مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة