لم يكد ينقضى عام واحد على ذكرى استشهاد واحد وخمسين تلميذا كانوا فى سن العاشرة، والذين التهمهم قطار أسيوط بمزلقان المندرة بمركز منفلوط، فى السابع عشر من نوفمبر من العام الفائت لتتجدد معها المآسى والأحزان مرة أخرى فى صباح يوم الاثنين الثامن عشر من نوفمبر الجارى، الذى شهد عين القطار وهو يلتهم بوحشية وشراهة عبر مزلقان دهشور أتوبيس رحلات رقم 126 الفيوم وركابه البالغ عددهم سبعة وعشرين شهيدا بالإضافة إلى عدد ليس بالقليل من المصابين.
من المحقق أن هؤلاء المواطنين التعساء الذين سحق عظامهم هذا القطار أو ذاك على القضبان الحديدية وحول أجسام بعضهم إلى أشلاء كانوا ضحية العجز والتردى والإهمال الإدارى الذى كان سببا فى هذا التهاون الخطير الذى أدى إلى موت أسر بأكملها لتظل بيوتهم خاوية على عروشها كما كان سببا فى بث الحزن والأسى والألم فى نفوس الأهل والأصدقاء.
لا ريب أن هذا المشهد الحزين والبائس يفوق كل تصورات الألم ويذهب بالنفوس إلى أبعد غايات الحزن والروع ويأخذ بمجامع الأفئدة وبلباب العقول فمن يستمع إلى أصحاب هذه الفاجعة وذويهم لابد وأن ينفطر قلبه حزنا وألما فمنهم من فقد أبويه ومنهم من ثكلت ابنتها ومنهم من فقد كل إخوته ومعهم زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم وأحفادهم ولهذا كان الخطب جللا والمصاب عظيما.
وقد تمثل هذا الإهمال بدون شك فى مقولة عامل مزلقان دهشور حين اعترف بأن المزلقان كان مفتوحا أثناء مرور قطار أسيوط المشئوم كما أشار إلى أن اللمبات الحمراء كان يكسوها غبارا كثيفا يحجب ضوءها وأن الأجراس كانت تحدث صوتا خافتا يكاد يختلط بأبواق السيارات العالية، وأكد على أن كل ذلك ربما يتعطل فجأة بسبب خلل فنى أو السرقة فيتعذر معها عوامل الأمن والسلامة للمزلقان، وتأتى هذه المقولة لتعكس الأداء الروتينى فى تصريحات معالى وزير النقل أثناء مؤتمره الصحفى وحرصه على تبرئة وزارته من أية مسئولية كما تصور لنا مدى الإهمال الجسيم فى صيانة ومتابعة وهيكلة هذا المرفق الحيوى تلك التى نادى بها من قبل عدد ليس بالقليل من الفنيين بهيئة السكك الحديدية ولكن مطالبهم هذه لم تلق اهتمام السادة وزراء النقل فى الحكومات المتعاقبة.
رمضان محمود عبد الوهاب يكتب: ذكريات يسكنها الحزن والألم
الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013 11:05 ص