الموت يهدد سكان المنازل الآيلة للسقوط فى السيدة زينب وبولاق وشبرا... منازل تعلن عن سخطها.. واستجابة المسؤولين لشكاوى السكان تقتصر على إرسال اللجان دون تلبية مطالبهم بسكن بديل

الأربعاء، 26 سبتمبر 2012 10:04 ص
الموت يهدد سكان المنازل الآيلة للسقوط فى السيدة زينب وبولاق وشبرا... منازل تعلن عن سخطها.. واستجابة المسؤولين لشكاوى السكان تقتصر على إرسال اللجان دون تلبية مطالبهم بسكن بديل صورة أرشيفية
كتبت رانيا فزاع

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"صباح" من حارة الشربتلى: ليس أمامنا بديل.. "سعاد" من مثلث ماسبيرو: لجان الحى أخبرتنا بأن المنزل غير صالح للترميم.."صلاح": أردد الشهادتين خوفا من الموت

"لو كان الفقر رجلا لقتلته" مقولة شهيرة نتداولها دون أن نستشعر معناها فما بالك لو كان الفقر حياة تحياها وعمرا تقضيه، هذا المعنى تفصيليا يحياه أهالى المساكن المتهالكة الذين وجدوا أنفسهم بفعل الفقر وتخلى الدولة عن مسؤوليتها يعيشون بين جدران مشققة حفر عليها الزمن معالمه، لتكون شاهدا على عمر قضته، وتحولت بفعله إلى أماكن غير صالحة للحياة، ومن وقت لآخر نسمع ونقرأ عن حادثة لعدد من الأفراد لقوا حتفهم تحت جدران منزل سقط على أصحابه دون سابق إنذار، وتتوقف مأساتهم عند تلك النقطة دون البحث عن عدد هذه المنازل أو خطورة سقوطها أو الأفراد المعرضين للخطر بسببها.

"اليوم السابع" تجولت فى عدد من المناطق بمحافظة القاهرة للتعرف على مأساة سكانها مع المنازل المهدمة، وتعد القاهرة مجرد نموذج لعدد من المحافظات التى يكثر بها هذا الخطر.

بدايتنا كانت مع منطقة السيدة زينب والتى يوجد بها عدد من المناطق العشوائية المعروفة مثل تل العقارب، وتنتشر بها المنازل المهدمة، باعتبارها عشوائية بالأساس، فيوجد بها عدد من المنازل المهدمة هناك والمعرضة للانهيار فى أى لحظة، ويكتفى السكان هناك برفع أيديهم بالدعاء لله وسؤاله لحل أزماتهم بعد أن يئسوا من التحدث مع مسؤولين نسوا أن أرواح البشر أهم بكثير من الخطب السياسية والادعاءات الانتخابية.

من داخل حارة الشربتلى ودرب الفضل، تظهر بداية المأساة، حيث منازل تعلن عن سخطها، وتظهر هذا فى شكل تشققات خارجية وعائلات تجلس بداخلها غير عابئة بما سيحدث.. المواطنة "صباح سعيد" التى فضلت الجلوس على باب المنزل هروبا من الضيق بداخله، هى واحدة من 6 أسر يسكنون المنزل المكون من ثلاثة طوابق، كل طابق به أسرتان، تحيا كل منهما فى شقة مكونة فقط من غرفة ودورة مياه، ويتراوح عدد الأفراد بالأسرة الواحدة بين 2 إلى 6 أفراد.

تقول صباح عن المنزل الذى يزيد عمره على 50 عاما: "نعلم جيدا أن المنزل آيل للسقوط وأنه معرض للانهيار فى أى لحظة، ولكن ليس لدينا بديل، كما أننا لا نستطيع تحمل نفقات ترميمه، فليس أمامنا سوى العيش به كما هو والتوكل على الله". الخوف من الموت لا يتوقف عند سقوط المنزل المشقق ولكن إمكانية تسببه فى سقوط المنازل المجاورة هو خطر آخر يفرض نفسه هنا، خاصة أن المنزل الملاصق لهم حالته أسوأ بكثير من حالة منزلهم، ومن الممكن أن يسقط فى أى وقت، صباح التى لديها من الأبناء 6 تحيا فى هذا المنزل منذ زواجها، وتؤكد أن إدارة الحى لم تكن لها دور فى ترميمه أو حتى البحث عن المشاكل به، رغم قيامهم بتقديم الشكاوى من فترة لأخرى لكنهم لم يتلقوا ردودا من المسؤولين سواء بترميمه أو الوعود بالحصول على منازل بديلة، وتؤكد أن حالة البيت بدأت تسوء منذ حوالى عام ونصف ومن وقتها وهم يتقدمون بشكاوى منتظمة للحى، ولم يتلقوا ردا، كما لم تحاول إدارة الحى إرسال لجان لمتابعة ما حدث للبيت.

الحال بدرب الفضل المجاور لحارة الشربتلى لم يختلف كثيرا بل هو أسوأ، تقول إحدى سكانه وتدعى سعاد محمد: "اعتدنا على إدارة الحياة فى هذه المنازل، فضيق ذات اليد وقلة الحيلة لم تمنعنا من البقاء، ولكن ماذا نفعل ونحن لا نمتلك أموالا للترميم أو للتنقل، فنحن ندفع هنا إيجار 150 جنيها، وهو مبلغ كبير جدا بالنسبة لدخلنا الصغير، وتشير سعاد إلى عدد من جيرانها الذين يدفعون إيجارا لا تزيد قيمته فى كثير من الأحيان على 12 جنيها، بل وبعضهم يدفع جنيها ونصف أوخمسة جنيهات، وكلها أموال قليلة تجعلهم يكتفون بإدارة الحياة هنا حتى إن كانوا يعيشون تحت سيف خطر انهيار المسكن على رؤوسهم.

وفى السياق نفسه فهناك أسرة أخرى ترى أن إرادة الحياة بين أربعة جدران قادرة على أن تجعلك تتمسك بهم حتى إن كنت تعلم أنهم سيسقطون على رأسك فى أى وقت، هذا هو المبدأ الذى اعتمدت عليه أسرة جمال محمود شحاتة، التى تسكن فى منزل متهالك، بدأت مأساته مع زلزال عام 92 ومن بعدها وهو يقاوم البقاء، لكن سكانه يقاومون رغبته فى السقوط أيضا من خلال ترميمه على قدر إمكانياتهم الضئيلة.. أسرة جمال تسكن فى الدور الأول وهى مكونة من أب وابنه وابنته وأبناء ابنه، ابنته التى وجدناها وحدها فى المنزل عمرها 15 عاما، لم تذهب للمدارس ولا تعرف أى شىء عن التعليم بسبب فقر والدها، ولم تفكر الأسرة فى تقديم شكاوى للمسؤولين انطلاقا من مبدأ الشكوى لغير الله مذلة، واكتفوا بالعيش بهذا المنزل المتهالك كما هو.

الحال لم يختلف كثيرا فى المنازل المجاورة لمستشفى 57357 وهى تتعرض لنفس الأزمة ومليئة بالشقوق، التى تهدد بسقوطها فى أى لحظة، ويؤكد السكان أن إدارة الحى ترسل من فترة لأخرى من يقوم بفحص المنازل، وكتابة تقارير تطالب بضرورة ترميمها، ولكن الأمر يتوقف عند تلك النقطة ولا يتبعه قرارات بالترميم أو الإزالة، وتؤكد أننا بأى حال من الأحوال سنترك المنازل مع بدء أعمال التوسيع التى ينشئها المسؤولون فى المستشفى وستؤدى إلى إزالة المنازل بالأساس.

ومن السيدة زينب انتقلت "اليوم السابع" إلى مثلث ماسبيرو المكان الأشهر فى حوادث سقوط المنازل والتهجير، ولا تتوقف الأزمة هناك عند حد المنازل المهدمة ولكنها تمتد إلى صراعات بين رجال الأعمال والسكان حول ملكية كل منهما للأرض والرغبة فى البقاء بها، خاصة أن السكان على يقين بأن رجال الأعمال لديهم رغبة فى الحصول على الأراضى بأسعار أقل من أسعارها وبناء أبراج بدلا من المنازل المهدمة. السير داخل مثلت ماسبيرو مصحوب بخوف من سقوط الجدران المتشققة والمنازل المهدمة والتى هجرها أغلب سكانها، وبقى آخرون لا تساعدهم إمكاناتهم المادية على الخروج منها إلى أماكن أخرى، كما أنهم لا يملكون أى إمكانات مادية لترميمها. سعاد صديق سيدة سبعينية تعيش فى مثلث ماسبيرو منذ أن أتت من صعيد مصر هى وزوجها منذ 30 عاما، ليسكنوا فى هذا البيت المكون من طابقين، وكان إيجاره وقتها 6 جنيهات وهو نفس المبلغ الذى يدفعونه حتى الآن، ولم يتبق منه بفعل الزمن سوى دور واحد تسكن به هى وأبناؤها بعد وفاة زوجها، حالة البيت المهدمة التى تظهر جلية أجبرتها على ترميم المنزل أكثر من مرة وتركيب عروق خشبية فى السقف الذى تآكل تماما مع الوقت، كما أن الدور الثانى مهدم تماما وتغزوه حشرات وحيوانات من خلاله، وعن مسؤولية إدارة الحى أكدت أنها حاولت أكثر من مرة الاتصال بهم وأتت لجان لفحص المنزل، ولكنهم يؤكدون أن المنزل غير صالح للتعديل أو الترميم. ونفس الحال هو حال فتحية محمد وتسكن فى بيتها.

وانتقلت "اليوم السابع" من مثلث ماسبيرو فى بولاق أبوالعلا إلى شبرا وتحديدا إلى شارع الجسر بالساحل الذى سقط به منزل ولقى 8 أفراد به حتفهم، فإذا حاولت الذهاب إلى هناك فستجد حطام المنزل الذى سقط كما هو يعيق بقية السكان عن العيش والتحرك بسهولة، ودفع هذا عددا من السكان إلى المبيت بالشارع خوفا من أن تسقط عليهم المنازل المجاورة المعرضة للسقوط بالأساس.

الوضع نفسه يتكرر فى منزل صلاح محروس الذى يسكن فى شارع محمد عبد الكريم، الملاصق تماما للمنزل الذى سقط، يمتلك صلاح شقة بالإيجار ويرغب فى تركها لأنها مهدمة تماما، ولكن صاحب البيت يرفض أن يعطيه مقابلا ماديا ملائما، مما دفعه لتحرير عدد من المحاضر ضده حتى يقوم بترميم البيت أو إعطائهم بديلا ماديا مناسبا، يقول صلاح: "أنام كل يوم وأردد الشهادتين خوفا من الموت فى أى لحظة، وقد أرسلت أبنائى للعيش مع أختهم المتزوجة منذ أن سقط المنزل المجاور لنا خوفا من أن يسقط علينا المنزل فى أى وقت"، وتتدخل هنا زوجته باكية: وتتذكر ما حدث أثناء سقوط المنزل المجاور قائلة: "سقط المنزل فجأة وأصابنا برعب شديد فشعرت أن بيتى سيسقط معه، ومن وقتها ونحن نحيا فى رعب، خاصة أن المنزل الذى سقط حاله كان أفضل بكثير من منزلنا". كلمات صلاح وزوجته تعبر عن مأساة يحياها أهالى المساكن المتهالكة ولا يشعر بهم أحد، فهل المسؤولون سيتحركون انطلاقا من مبدأ أن حياة الأفراد أهم من أى شىء، أم سيظلون فى ثبات عميق وسيظل الدم المصرى كما يطلق عليه غالبية المواطنين "رخيصا".





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة