"اليوم السابع" تكشف تاريخ صناعة الفتنة فى أبوالمطامير.. بدأها أمن الدولة..والتشدد يشعلها.. والشرطة على الحياد.. شلبى: الدعوة السلفية ليس لهم يد فى إشعال الفتن.. والمصرى: الإخوان والنور يحتوون الأزمات

الإثنين، 10 سبتمبر 2012 03:01 م
"اليوم السابع" تكشف تاريخ صناعة الفتنة فى أبوالمطامير.. بدأها أمن الدولة..والتشدد يشعلها.. والشرطة على الحياد.. شلبى: الدعوة السلفية ليس لهم يد فى إشعال الفتن.. والمصرى: الإخوان والنور يحتوون الأزمات صورة أرشيفية
كتبت - صفاء عاشور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صناعة الفتن الطائفية، بطلها ليس دائما التشدد، وأمن الدولة، أو حتى الأيادى الخارجية، التى تعمل على تكريس الطائفية، فالعامل الاقتصادى بات يلعب دورا رئيسيا فى إشعال الأحداث لصالح أحد الأطراف المتصارعة، لتتحول خلافات مالية عادية، أو نزاع على أحد الأراضى، إلى فتنة بين مسلم ومسيحى.

ويعد مركز أبوالمطامير التابع لمحافظة البحيرة، من أبرز الأمثلة، حيث الحوادث الطائفية هناك، لا تحدث إلا مع المسيحيين الأغنياء، ودائما ما يقف وراءها خصوم، يلعبون على وتر الدين، ويستغلون التشدد لصالحهم، بهدف والاستيلاء على ممتلكات الأقباط، بينما يغذى عدم التسامح من الجانبين نار الفتنة، ويزيد الأمر سوءا غياب الأمن، والخلافات الدائمة بين الإخوان والسلفيين، أبرز تيارين سياسيين بمركز أبوالمطامير، كما يؤكد السكان هناك، وفى النهاية لا تجد تلك الفتن الطائفية حلا، ويدخل أطرافها فى نفق مظلم، يكرس للطائفية، ويغمر القلب بحزن، لا يمحى.

على مدار يومين كشفت «اليوم السابع» عن تلك الأسباب التى تقف وراء اشتعال الفتن الطائفية فى ثلاث مناطق مشتعلة بمركز أبوالمطامير، وهى قرية الشيخ قاسم، وعزبة الشركة، ومدينة أبوالمطامير.

وتعد أبوالمطامير من أهم المراكز التجارية لمحافظة البحيرة، فهى مركز لتجارة الغلال والأقمشة والخضروات والفاكهة، ويسكنها ما يزيد على 200 ألف مواطن، ويصل عدد الأقباط بها إلى 10 آلاف مواطن، والمدينة يكثر بها العمالة الوافدة خاصة من الصعيد، لتوفر فرص العمل.

فى أبوالمطامير يلعب التيار الإسلامى دورا كبيرا، كما فى باقى مناطق البحيرة، مسقط رأس الإمام «حسن البنا»، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين بخلاف وجود قوى لتيار الدعوة السلفية وفى المقابل تتبع أبوالمطامير إيبراشية البحيرة، مقر كرسى الأنبا باخوميوس القائم بأعمال البابا، الأمر الذى يزيد من حساسية الخلافات العادية بين المسلمين والأقباط بوجه عام، ومازال صدى حادث وفاء قسطنطين الشهير يتردد، رغم أنه كان عام 2004، وأشعل الفتنة داخل أبوالمطامير لعدة سنوات.

الوصول إلى مركز أبوالمطامير يتطلب السير وسط طريق تحفه الحقول الخضراء، ما يوحى بالطبيعة المسالمة للمكان، لكن هذا الانطباع سرعان ما ينتهى، وسط الحوادث الطائفية المؤسفة، التى يتناقلها الأهالى، وكان أحدثها هدم منزل المواطن القبطى «شراقة جاد»، على خلفية شائعة تحويله بيته إلى كنيسة، الأمر الذى أثار عددا من المتشددين، فهدموا البيت، وأضاعوا «شقى عمر» عم «شراقة».

يقول «شراقة»: أنا مدرس ابتدائى على المعاش، أسكن فى قرية نوبار، عندى محل بالإيجار لبيع الأدوات المكتبية والخردوات فى قرية الشيخ قاسم، ولأنى أحتاج إلى توسيع تجارتى، قررت شراء قطعة أرض قريبة، لبناء مخزن ومحل بمساحة أكبر، ملحق بهما شقة صغيرة لعائلتى، ووضعت فى تلك الأرض «تحويشة العمر»، التى حصلت عليها أثناء عملى بدول الخليج، وبعد أن «رميت» الأساسات واستكملت بناء طابقين، سرت الشائعات، بأنى أنوى تحويل المبنى إلى الكنيسة.

ولم يستبعد «شراقه» أن يكون وراء هذه الشائعة أحد الطامعين فى قطعة الأرض، خاصة أن مساحة المبنى المكون من دورين حوالى 120 مترا، كما أن القرية لا توجد بها عائلات مسيحية، تبرر بناء كنيسة، مشيرا إلى أنه دعا عددا من «كبارات» القرية، لإطلاعهم على المبنى من الداخل، والتأكد من عدم صحة ما أشيع، بتحويله إلى كنيسة، وبينما اقتنع البعض بأن المبنى لا يصلح كنيسة، تمسك آخرون بما يعتقدونه، وأخذوا يتوعدون «شراقة».

وفى الأسبوع الماضى، فوجئ «شراقة» بمكالمة هاتفية فى تمام الساعة التاسعة والنصف، من أحد أهالى القرية، أبلغه فيها بهدم عدد من المتشددين منزله، فذهب مسرعا إلى القرية، لكن قوات الأمن قادته إلى القسم، خوفا على حياته، بينما لم تقم بأى شىء لمنع أهالى القرية الغاضبين من هدم بيته، وكذلك لم يفعل أى من أهالى القرية، الذين تجمعوا للفرجة فقط.
يقول «شراقة» «أعمل بالتدريس منذ سنة 1970، وعلمت كتير من أهالى القرية، ومليش عداوة مع حد»، وأضاف أن الكثير من أهالى القرية أبدوا أسفهم على الحادث، نفس الأمر أكده والده، هانى شراقة، وأشار إلى أن عائلته أنفقت على الأرض والبناء 150 ألف جنيه، وهى كل ما كانت تمتلكه من مدخرات، وأبلغ محامى أسرته بأن إقامة دعوى تعويض، يستغرق صدور الحكم فيها من ثلاث إلى أربع سنوات، لكن الأسرة قررت رفع القضية فى كل الأحوال.

«اليوم السابع» زارت قرية الشيخ قاسم، للكشف عن حقيقة هدم بيت عم شراقة، حيث نفى الأهالى رؤيتهم لأى علامات بمبنى شراقة تدل على أنه كان سيتحول إلى كنيسة، وأن كل المعلومات لديهم جاءت بناء على شائعة تناقلها الأهالى، وأكد العديد من المواطنين المشاركة فى عملية الهدم فى حين استنكر البعض الفعلة، خاصة أن الرجل جارهم منذ زمن، وعلاقته جيدة بالجميع.

بقايا المبنى المهدم تؤكد أن مساحته محدودة، كما أن إطلاله على الشارع الرئيسى لقرية، تسكنها أغلبية مسلمة، يجعل من فكرة تحويله كنيسة أمرا مستبعدا تماما، فى نفس الوقت كشف عدد من السكان أن جميع الأراضى بالقرية ملك عائلة الشيخ، التى ترفض دخول الغرباء بينها، وكانت أرض شراقة ملك أحد أفراد هذه العائلة، الذى اختلف مع أقاربه فى أمر يتعلق بتقسيم الميراث، فقرر بيع الأرض للغريب «شراقة»، وبعد الحادث استردتها عائلة الشيخ، بعد إطلاق شائعات بناء الكنيسة.

نفس الأمر أكده المصرى أبوكشيك، عضو مجلس الشعب السابق عن حزب الحرية والعدالة بأبوالمطامير، الذى قال إن معلومات وصلته من أكثر من مصدر، تفيد بأن ما حدث لعم شراقة نزاع على قطعة أرض، مضيفا أن التيارات الإسلامية تلعب دورا كبيرا فى وأد الفتنة داخل أبوالمطامير، وأنه لا صحة لما ردده الأهالى عن وجود خلافات بين حزبى النور والحرية والعدالة، فالمنافسة السياسية بين الحزبين، لا تصل بالضرورة إلى حد الخلافات الحادة، مؤكداً أن المجلس العرفى أقر إرجاع ثمن الأرض إلى شراقة.

وخلال الأشهر القليلة الماضية تكررت الحوادث الطائفية بنفس الصورة المؤسفة، على خلفية شائعات بتحويل بيوت إلى كنائس، كما يؤكد المحامى غالى اسكندر، أحد أعضاء اللجان العرفية بمركز أبوالمطامير، مشيرا إلى أنه سبق هدم عدد من الأهالى مزرعتين لتربية الماشية تحت الإنشاء، يملك الأولى المواطن القبطى وجيه إبراهيم، ويملك الثانية نصر محروس، مؤكدا تدخله منذ بداية العام الحالى، للفصل فى أكثر من 50 واقعة طائفية.
حادثة طائفية أخرى، مازال يتردد صداها فى أبوالمطامير، بطلها هذه المرة شاب لم يتجاوز الـ24 عاما من عمره، يدعى نبيل نجيب، كان يسكن فى قرية عزبة الشركة، قبل أن يطرد وأسرته منها، على خلفية شائعة.

حكاية نبيل تبدأ من «موقف شهامة»، أشعل فتنة طائفية، ودفع ثمنه نبيل غاليا، ففى يوم، ما كان عائدا من البحيرة إلى قريته فى أبوالمطامير، مستقلا «ميكروباص»، فصادف جارته المسلمة، وأصر على دفع أجرتها، فشكرته على فعلته، وانتهى الحديث بينهما إلى هذا الحد، لكن حظ نبيل العثر جعل أحد شباب القرية يشهد الواقعة، وكان هذا الشاب يبطن عداوة له قد سبق أن نشبت بينهما مشاجرات أكثر من مرة، أمام جميع أهالى القرية، وحين عاد الشاب أشاع أن نبيل تربطه علاقة عاطفية بالفتاة، وأنهما كانا معا، ولم يلتقيا فى «الميكروباص» بالصدفة.

أهالى القرية أثارتهم الشائعة كثيرا، واشتعل غضبهم، فانطلقت شرارة الفتنة الطائفية، وكادت تعصف بجميع أهالى القرية، وفى ليلة مشؤومة تجمع الأهالى أسفل بيت نبيل، وأصروا على قتله، وطرد عائلته فى نفس الوقت كان عدد منهم يحرقون محله الموجود أسفل مسكنه، لكن الجيش تدخل ساعتها، ولم يستطع أحد تهدئة الحشود، فاضطر نبيل إلى ارتداء زى عسكرى، والتخفى وسط العساكر، للخروج الآمن من القرية.

بعدها تم طرد عائلته من البيت، وتحطيم المحل الذى يملكه، واضطر إلى العيش وأسرته فى غرفة صغيرة بسطح أحد البيوت، فيما أقر المجلس العرفى طرد أسرة نبيل، وألزمهم بدفع غرامة 100 ألف جنيه، ردت إليهم مرة أخرى، بعد تبرئة النيابة لساحة نبيل، واعتراف الفتاة بحقيقة ما حدث، وموافقة عائلتها على الصلح، ومازال نبيل حبيس غرفة السطوح الصغيرة، لا يستطيع العودة إلى قريته، التى ترك بها ماله وبيته.

يقول نبيل «كنت هتجوز بعد تلات شهور، لكن خطيبتى لما عرفت بالموضوع فكت الخطوبة»، مشيرا إلى أنه تقدم بشكوى لديوان المظالم منذ شهرين، حملت رقم 69 على واحد، دون جدوى ولم يقتصر الأمر على منع نبيل من العودة إلى قريته، بل منعت أسرته مؤخرا من زيارة أحد أقاربها بنفس القرية.

الناشط القبطى مينا جاد الرب قال إن المجالس العرفية أصبحت بلا فاعلية لحل المنازعات بشكل تام، خاصة بعد أن اشتعل الصراع بين الإخوان والسلفيين، فإذا تدخل مثلا الإخوان ضمن المجالس العرفية لحل مشكلة ما، عرقل السلفيون الأمر، بسبب الصراعات السياسية بينهما.
على أى حال يأتى الشحن الطائفى، من الجانبين، القبطى والمسيحى، فخلال جولة «اليوم السابع»، لكشف حقيقة الفتنة، حاول عدد من الأقباط عرض مشاكلهم على أنها طائفية، فى حين أنها خلافات مالية عادية، مكانها ساحات المحاكم، ذلك أن المشادات بين تاجر مسلم وآخر قبطى، لا تختلف كثيرا عن مشادات بين طرفين من نفس الدين.

يقول الدكتور أحمد شلبى أحد شباب الدعوة السلفية بأبوالمطامير، أن صعوبة عودة نبيل إلى منزله بعزبة الترعة، ليست لكونه مسيحيا، ولكن لأن القضية خاصة بالعرض، وبالتالى يوصم صاحبها بالعار إلى الأبد، وفقا للعادات والتقاليد بأبوالمطامير، فالقتل والعرض أمران لا يمكن التسامح فيهما، حتى أن قضية مشابهة حدثت فى منطقة الزاوية الشهر الماضى، وكانت بين عائلتين مسلمتين، صدر فيها حكم على العائلة المخالفة بمغادرة أبوالمطامير بشكل دائم، وبيع أملاكها، ودفع دية.

وعن اتهام عدد من أعضاء الدعوة السلفية بالوقوف وراء إشعال الفتن فى أبوالمطامير، نفى شلبى هذا الأمر تماما، وأكد أن هناك شبابا ملتحيا لديه أفكار ملتبسة تماما عن الدين، وهؤلاء يصعب التفاهم معهم، فهم أقرب إلى البلطجية، ولا يستجيبون للنصح والإرشاد ويعد المعلم «ميلاد ذكرى» من أكثر الشخصيات القبطية اعتدالا، التى تلقى قبولا عاما على مستوى مركز أبوالمطامير، من الأقباط والمسلمين، فهو تاجر شهير، سمعته جيدة، ويقتطع وقته للحكم فى القضايا المختلفة، ولا يحمل مرارة، أو شعورا بالاضطهاد، ويعلم أن الفتن الطائفية الحالية، ما هى إلا نتاج لعصر فاسد، صنعه النظام السابق، الذى كان يقوم بتسييس أى خلاف بسيط بين الأقباط والمسلمين.

يحكى المعلم «ميلاد» ذكرياته حول مفهوم الوحدة الوطنية الحقيقية، التى كانت تحدث فى السنوات البعيدة، حينما كان طفلا صغيرا، فقد كان كل بيت فى الشارع الذى يسكن فيه، يتكفل بطهى الغذاء لجميع سكان الشارع، وكان الجميع يحتكمون لرأى «كبير» الشارع، ولا يخالفونه، مهما كانت قسوة حكمه.

مشيرا إلى أن مشهد الوحدة هذا اختلف، بمرور السنوات، ففى إحدى المرات، وقبل سنوات قليلة من إسقاط النظام، ذهب «ذكرى» لتقديم شكوى ضد أحد التجار، بسبب خلافات مالية بينهما، ففوجئ بحضور ضابط أمن الدولة، الذى سأله إذا كان المشكو فى حقه مسلم أم مسيحى، فرد ذكرى «وهتفرق إيه، جارى وبشتكيه للحكومة».

ويرى ذكرى أن حالة الشحن الطائفى بلغت مداها بأبوالمطامير، فقد أصبح المسلم يتهم القبطى فى كل مصيبة تحدث له، والعكس، مشيرا إلى إحدى الوقائع الطائفية، التى حدثت أيضا فى عزبة الترعة، بشأن كوافير حريمى، تملكه سيدة قبطية.

بدأت هذه الحادثة - كما يقول ذكرى - باختفاء عروس من خارج الكوافير، بينما كان خطيبها يقف بالدخل، لحجز ميعاد لها فى يوم زفافهما القريب، وحين علم أهل العروس باختفائها، هاجموا السيدة، وحطموا كل الأجهزة والإكسسوارات بالمحل، ولولا تدخل أهالى القرية، لفتكت أم العروس بها.

كما قدم أهالى العروس بلاغا ضد، صاحبة محل الكوافير، وبعد تحريات الشرطة، وجهود المجلس العرفى، تبين أن الفتاة كانت رافضة للزواج وتنتظر أى لحظة يغفل عنها الجميع، حتى تهرب، ونجحت صديقتها فى إقناعها بالعودة إلى أهلها، وإنهاء الفتنة، وهنا عوض أهل العروس صاحبة المحل، وقبلوا رأسها وسط أهالى القرية، لكن القبطية حزنت على ما أصابها، وقررت مغادرة القرية دون رجعة. ويرى صبحى شلمى أمين عام حزب النور بأبوالمطامير، وأحد أبرز أعضاء المجالس العرفية أن غياب دور الدولة هو السبب الرئيسى فى تطور بعض الأحداث، لتصل إلى حد الفتنة الطائفية، مشيراً إلى مطالبة حزب النور بإقامة حوار بين الشباب السلفى، والمسيحى، لفك الالتباس، وفتح مناقشات على أساس المواطنة، ومازال ينتظر رد الكنيسة نافيا وجود خلافات حالية بين حزبى النور والحرية والعدالة، فالمجالس العرفية تضم طرفين من كل حزب.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة