أولاً أهنئ من قلبى الدكتور محمد مرسى، وأتمنى له التوفيق، لكن قبل أن نطوى صفحة الأمس؛ هل اعتبرنا به واستفدنا منه، كنت أرى أن المرشح المناسب هو "عمرو موسى"، وكنت أجاهر بذلك علنًا وأشرح وجهة نظرى، لكن للأسف حاولت أن أُعمل العقل وسط صخب الاستقطاب المقيت، فالقوم فى بلادى أصبحوا يرتعون بسعادة وبنشوة بالغة إمَّا فى أقصى اليمين وإما فى أقصى اليسار، ناهيك عن تشويه رجل محنك مثل عمرو موسى، وكنت أسمع تعليقات نمَّت عن أن الشعب المصرى لا يضارعه شعب فى التهكم والسخرية، فمرة قال لى أحد "إنَّه أد جدى" وقال لى آخر "أسهُمُه منخفضة"، لكن أثبتت الأيام أنه رجل من أشرف الرجال وأعقلهم وأحكمهم.
كنَّا بحاجة إلى التقاط الأنفاس واختيار شخص من الدولة القديمة وليس من الدولة القديمة، من الثورة وليس من الثورة، من الميدان وليس من الميدان، هذه كانت رؤيتى، فإن عمرو موسى هو أوسط الحلول وأعدلها الآن، قد يرى البعض أننى أبكى على اللبن المسكوب، وأتغنى على الأطلال، لكن لابد من إدراك العِبر، وهى أننا نجد أنفسنا شعبًا بارعًا فى أن يُستقطب، ويجيد فن الإقصاء التام، ليس فى هذا عجب، فنحن ما زلنا نتحسس طريقنا، وقد رزحنا تحت نير الجهل والانقياد والخنوع سنواتٍ طوال، وأنا أمتعض من مغازلة الشعب المصرى وتملقه بطلاوة مائعة باستمرار بكونه أحسن شعوب الأرض وأعقلها وأفهمها وأعلمها وأبرزها، وهذا تضليل لحقيقتنا الواقعية وواقعنا الحقيقى، ومازلنا نتعامى عن وضعنا بين شعوب العالم.
نحن شعب - وإن كان عظيمًا مجيدًا عريقًا - عانى الجهل والتخلف والرجعية لسنوات خلت، وإن كنَّا أمة متهكمة باسمة واعدة فإننا نسخر من حالنا ونضحك على همومنا، فأين نحن من علوم العالم وفلسفاته وآدابه وتحضره، كم عالمًا لنا؟ كم فيلسوفًا عندنا؟ سيجيب البعض: عندنا كثيرون. لكن لا أعجب، فسريع الجواب شخص غالبًا لا يعرف شيئًا عن الآخر، يقيس نفسه على نفسه، ويرى نفسه فى مرآته، لقد عُزلنا عن العالم وأغلب الشعب المصرى لم يغادروا الوطن أو لم يبرحوا مدينتهم وحيَّهم، ومازال البعض يغرِّر بنا ويُمالئنا، بما لدينا من بضعة علماء وأدباء يستكثرهم البعض علينا، ويتعقَّبهم البعض الآخر بالتشويه والملاحقة، وللأسف نحن لسنا أصحاب مدارس فلسفيَّة منذ أكثر من عشرة قرون، نحن نحاول أن نترجم، ومن كثرة وغزارة الإنتاج لا نلاحق المنتجين الحقيقيين، هذا ليس جَلْدَ ذاتٍ، هذا من سبيل التعلُّم والإفاقة، للأسف هناك من يغش المصريين ويقول لهم: سنبدأ من حيث انتهى إليه الآخرون. وهو لا يعرف مطلقًا ما الذى انتهى إليه الآخرون، ويقول لهم سنتفرَّد ونصبح شعبًا مختلفًا عن كل الشعوب، بأن نصنع طريقنا الخاص والشخصى، ونحن لا ندرى كيف نسير فى طريقنا دون لقلقة، ولا نحسب لتجارب الآخرين ونوفر مشقة وعناء البحث عن الطريق، ونصبح فعلاً شعبًا مختلفًا عن باقى الشعوب!
إخوتى الليبراليين والمتشدقين بالحرية والوطنيَّة وقبول الآخر، وأنا مثلكم، جاء وقت الامتحان الحقيقى ووُضِعنا جميعًا على المحك، هل سنقبل بمرسى وسنتعاون معه ونعارضه بفهم وغيرة وطنيَّة وانحياز للحق والوطن، أم سنتمرغ فى الوحل وندفن رؤوسنا فى الطين؟ هل سنُنير للشعب المصرى طريقه أم سنستمر فى ممالأته ومداعبته واستقطابه، هاجسى وهمِّى هو "أن يتعلَّم المصريون" أن يستنيروا بالعلم والأدب والفن والخيال والحياة - ومن ثمَّ لا تُسَائِلُوهُم عن اختياراتهم - وأن يضعوا أرجلهم على الطريق السليم لئلا تضحك على سخريتنا وتهكُّمنا الشعوب، ونحن نتوهَّم أننا الضاحكون والساخرون، فلنصنع مبادئنا وقيمنا العليا المنبثقة من أدياننا وحضارتنا وثقافتنا وتاريخنا وآدابنا وفنوننا، فبالعلم والتنوير تُبنى الحضارات وتنهض الأمم، وبدونهما نصنع "تاريخًا للخزى".
إلى السيد الرئيس مرسى، إن حاولت أن تداهننا كى نستطيب خطابك فأنت واهم، وإن ظننت أن الأغلبية معك فأنت حالم، وإن بقيت أحد الإخوان فأنت تُفارق وتُجافى الشعب والأمة، الأمة أكبر وأعرق من أن تجرفها إلى تيار بعينه وخطٍّ بذاته، اسمع لصوت الشعب المصرى مدة رئاستك، اسمع إلى علمائه وفلاسفته وأدبائه، وإن كانوا قلة قليلة، وإلى فقرائه ومستضعفيه ومكروبيه، سنرقُبك والصحوة ملء عيوننا، لا تغافلها سِنَةٌ أو غفوة، عيوننا على وطننا، ولا نيأس، فنحن على أعتاب سلم استعادة النفس والوطن، فلا وقت للحنين للماضى.. لا وقت للنوستاليجيا.
أمجد رفعت رشدى يكتب: بعد فوز مرسى.. جاء وقت الامتحان الحقيقى
الإثنين، 25 يونيو 2012 03:42 م
محمد مرسى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد ابو سنه
بجد تسلم ايدك على هذا المقال المحترم
فيررررررررررررررررررررى نايس
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
الله ينور عليك
قلت كل اللى في قلبي تسلم ايدك وقلمك
شكرا