بدأت النبرة "المحفوظة" منذ أن وقعت أحداث بورسعيد، المُخجلة والمؤسفة، باتهام المجلس العسكرى، فيما حدث، لأنه السلطة الأعلى، لحكم البلاد. ومع تلك النبرة، بدأ "المتشنجون" يبرزون مواهبهم، فيمن يبكى أكثر من غيره، وفى هذا، لا يمكن أن تُقاس "المواهب"، لأن الجميع حزين، على "زهور العمر"، التى استُشهدت بدماءٍ باردة على أرض ملعبٍ رياضىٍ، لا يمكن أن يكون مكاناً، للإجرام، ولكن للأخلاق وبناء جسور التواصل والمحبة، ليس فقط بين أبناء الوطن الواحد، بل بين البشر، فى العالم أجمع، حيث تُستغل الرياضة، لزيادة أواصر العلاقات بين الدول.
لقد وقف فى مجلس الشعب (المجلس الذى من شأنه أن يصوغ قوانين مصيرية، لمُستقبل مصر)، الكثير، ممن يقوم بنفس التعبير، المُزايد (من مختلف التيارات والأحزاب؛ إلا أن هناك قليلين، تكلموا بخطاب "العقل" أيضاً، وهم مختلفى التوجهات، ولكنهم جميعاً، مصريون فى النهاية). لقد كانت الجلسة مُذاعة تلفزيونياً، وبالطبع، فإن المُزايدات، لدغدغة عواطف المُشاهدين، تنال رضا مُريدى الثأر، ولا تنال رضا الله!! وأشهد بأن السيد الدكتور رئيس مجلس الشعب، ورغم اختلافى الجذرى، مع منطلقاته الفكرية، كان فوق مستوى الشُبهات فى إدارته للجلسة، بما يتماشى مع اللوائح البرلمانية، ضارباً مثالاً فى إدارة المجلس وفقاً للوائح!! ولكن، كيف لنا أن نثق فى مجلسنا التشريعى، الذى من شأنه أن يصوغ قوانيننا المستقبلية، إن كانت تلك هى الطريقة التى يُفكر بها نُوابنا، فى هذا الحدث الفظيع؟!! إن هذا مجلس الشعب، وليس "سوق عُكاظ"، أيها النواب الأفاضل، ولستم اليوم من عامة الشعب، ولن يُقبل منكم، "مُزايدات" وإنما قرارات للبحث "الموضوعى"، عن أسباب الجُرم الدامى، للوصول إلى المحرض أو المحرضين، ومن ثم الجُناة، ثم تشريع قوانين، من شأنها أن تُنظم هذا البلد، بحيث يُحترم فيه سيادة القانون ولا تتكرر مثل تلك الأحداث!!
إن العلم، والقانون من العلم، لا يعتمد الأحاديث العاطفية، لأن العاطفة من شأنها أن تودى بنا، إلى حوادث أكثر عُنفاً مما حدث فى إستاد بورسعيد، من مأساة، يوم الأربعاء الأسود (ولقد أصبحت أغلب أيامنا سوداء، بالكثير من استدرار المشاعر، وليس صياغة أو تطبيق القوانين). وإن ذهب المجلس العسكرى، وجاء غيره، أياً كان، "دون انتخاب"، ليحكم البلاد، فسيستمر هذا المُسلسل، من المآسى، وسنتهم القادم أيضاً، لأن الإعلام هو الذى يحكم وليس القانون!! وستستمر الفوضى، طالما أن "ملكة" استدرار المشاعر (غير المنهجية أو العلمية) هى السائدة. ولن يرضى أحداً عن أى فصيل على رأس حكم البلاد، طالما أن الأمر يتعلق بالأحكام النابعة، عمن يمتلك "الحنجرة الأعلى صوتاً"، لأننا لسنا بصدد "عركة"، الأهم فيها، هو الصوت العالى، ولكن بصدد "معركة مصير"، من أجل مستقبل أفضل مما مضى!!
إن ما نراه اليوم، من اللعب على أحابيل العواطف، إنما هو تكرار لممارسات النظام السابق، وتكريس "لثقافة" يستوجب أن تمضى، والغريب، أن هذا قائماً ممن يقول "بضرورة" تطوير التعليم وإعمال العقول!! لقد كتبت هنا قبل الثورة وبعدها، ضد جماعة الإخوان المسلمين، ولكن، احترمت نتائج انتخابات مجلس الشعب، لأننى مع الشرعية دوماً، رُغم أننى ما زالت ضد "فكر" الإخوان، لأن تلك، قناعة خاصة بى. ولكن المسألة ليست أمرا خاصا بمشاعرى وقناعتى، وإنما بإرادة الشعب، وإرادة الشعب من إرادة الله!! وعلينا أن نمضى فى المساهمة، جميعاً معاً، فى رفع شأن الشعب المصرى، بأن نُرسخ تطبيق القانون والعمل وفقاً له، وليس وفقا للعويل والصيحات، لأننا يُمكننا، أن نأتى بأجهلنا، ليصيح بصوت أعلى، من أعلمنا!!
فلنتوقف عن "سلوكيات" يجب وأن تكون قد ولت، مع من كان يحكُمنا، وأن نُحكم صوت العقل، وألا نتدخل فى النيات، ولكن أن ننظر إلى الحقائق، من وحى رجال، نثق فى نزاهتهم، أياً كانوا، وفقا لاختيار مجلس الشعب، ولو اختلفنا معهم، ولنطالب بالشفافية، من أجل بلادنا، فلن تقُم لنا قائمة، طالما يُشكك الكل فى الكل!!
ومصر أولاً