شاهدت منذ أيام فيلم the artist أو الفنان، الذى يعد من وجهة نظرى المتواضعة تجربة فنية تستحق التقدير والمتابعة والرصد، حيث صُور بطريقة الأبيض وأسود «أى بدون ألوان، وأيضا بدون جملة حوار واحدة، فهو فيلم صامت أبيض وأسود من انتاج عام 2011!!
إنه فيلم يحمل فكرا عميقا.. ملخصه أن تطور العصر، وعجلة التقدم، وثورة التكنولوجيا، لا يمكن إيقافها، ويلزم الجميع مواكبتهم دون عنادٍ أو تكبُر، وإلا النتيجة ستكون المأساة بالمعنى الحقيقى والفعلى للكلمة، وقد عَبر مخرج ومؤلف الفيلم مايكل هازانافيكس عن فكرته بسهولة وبساطة وهدوء شديد، فقط صورة معبرة يصحبها موسيقى تصويرية «بمعنى الكلمة»، قد أحلت مكان الحوار، ليثبت لنا هازانافيكس أن للسينما لغة يفهمها الجميع من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب دون أدنى صعوبة. .
لا أعرف لماذا قفز إلى ذهنى أثناء مشاهدة هذا الفيلم الكاتب المسرحى التشيكسلوفاكى فاتسلاف هافل، الذى يعد أحد رموز الثورة المخملية «البرجوازية» التى قامت ببلاده ضد النظام الشيوعى، واستطاعت أن تسقطه فى ثمانينيات القرن الماضى، حينما خرج جموع الشعب حاملين الشموع فى مواجهة هذا النظام الجبار العتيق، ليسقط وينهار أمام شموعهم بدون صخب أو دماء، المثالان سواء فيلم الفنان أو الثورة المخملية قاما بثورتيهما دون صخب، استطاعا توصيل الفكرة والثورة على الأوضاع بأسلوب أن اختلف من حيث الظاهر، فهو لم يختلف من حيث المضمون، لذا نجح الاثنان نجاحاً مبهراً، ودخلا التاريخ من أوسع الأبواب، فالفيلم رُشح إلى عشرة جوائز أوسكار فى دورته الـ84 التى ستعلن فى السادس والعشرين من هذا الشهر، واعتقد أنه سيحصل على نصفها على أقل تقدير، أما الثورة المخملية فهى نموذج ناجح وجيد للثورة الحضارية المتحضرة التى قادت هافل الفنان إلى اعتلاء منصب رئيس الجمهورية، ليشهد انفصال تشيكوسلوفاكيا إلى جمهوريتين، الأولى جمهورية التشيك والتى رأسها هافل والثانية هى جمهورية سلوفاكيا فى 1993..
أعتقد أن سبب ربطى بين النموذجين جاء لتوافر ثلاثة عناصر أساسية بينهما، الأول هو انعدام الصخب، والثانى هو الثورة من أجل التغيير والتجديد، والثالث يكمن فى طريقة عرض الاثنان لقضيتهما، حيث كانت الفكرة هى الانطلاق للنجاح، فالفيلم كانت فكرته أن يظهر صامتا وأبيض وأسود، أما الثورة المخملية، فكانت فكرتها تكمن فى النزول بالشموع فى مواجهة فكر جبار وديكتاتورى بشكل سلمى صِرف، لا يوجد به قيراط واحد من العنف. .
إنها الأفكار التى دائماً تصنع التاريخ وتغيره، وتصنع الفارق، وبما أنها أفكار أى فكر، فستجدها بدون صخب «مهذبة»، وبدون تشنجات «مسالمة»، وبدون افتعالات «صادقة»، وبالتالى تترك أثراً عميقاً لا يختلف عليه أحد، وتصنع الزعامات والمجد لأصحابها. وأخيراً أود أن أقول إن المعنى فى بطن الشاعر.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال
مقال عظيم
عدد الردود 0
بواسطة:
Rim
great