بعد أزمة اليونان، واتباع الإجراءات التقشفية التى أدت إلى انهيارها، يأتى الدور الآن على أسبانيا، التى تواجه خطر انهيار اقتصادى، ينذر بنهاية الحلم الأسبانى بالرخاء والرفاهية، خاصة أن الموطن الأسبانى، لم يعد ينعم بالاستقرار الاجتماعى، بعد أن أصبح مهدداً فى أية لحظة بالانضمام إلى جيش العاطلين عن العمل، وأسبانيا التى كانت من أكبر الدول فى الاتحاد الأوروبى انتعاشا للاقتصاد، أصبحت الآن تعانى من أزمة اقتصادية حقيقية، حتى وصل عدد العاطلين إلى أربعة ملايين، و705 آلاف شخص، و279 شخصا، وهذا آخذ بالتصاعد نتيجة الركود الاقتصادى، وتواجه أسبانيا الاقتصاد الرابع فى منطقة اليورو حاليا ضغوطا من الأسواق، وقسم من شركائها الأوروبيين للتقدم بطلب إنقاذها المالى، بعد حصولها على وعد بمساعدة لمصارفها فى يونيه.
ما هى الأسباب التى فجرت الأزمة؟.. وهل ستؤدى إلى معالجة الأزمة والخروج منها أم أنها ستقود إلى تعميقها؟
من أهم الأسباب التى جعلت الحكومة الأسبانية تلجأ للإجراءات التقشفية، وفرضها على الشعب، هو الركود الاقتصادى، فوفقا لوكالة موديز للتصنيف الائتمانى، فإن البنوك الأسبانية تواجه عجزا فى رأس المال، يمكن أن يصل إلى 105 مليارات يورو، أى نحو ضعف التقدير الذى قدمته الحكومة الأسبوع الماضى، وتعانى البنوك الأسبانية من خسائر، بأكثر من 180 مليار يورو، تتعلق بقروض عقارية مشكوك فى تحصيلها.
وتعتبر الأزمة الاقتصادية التى تمر به منذ ركود 1945، حتى إن أسبانيا خسرت حتى الآن 115 مشروعا و1.3 مليون عامل، وأيضا من أهم الأسباب التى أدت إلى اللجوء إلى إجراءات التقشف، هو ازدياد العجز فى الموازنة الذى بلغ أكثر من 7%، حتى إنه من المتوقع أن يصل هذا العام إلى 10% من إجمالى الناتج المحلى، والأقاليم الأسبانية تطالب الحكومة المركزية بمساعدتها ماليا، بعد أن باتت تعانى من وطأة الديون التى تخطت 145 مليار يورو، فضلا عن وجود منافسين لأسبانيا، حيث إنه من الممكن أن يكون منتجاتها أقل كفاءة، مما يؤدى إلى خفض مستواها بالمقارنة بغيرها من المنتجات.
أما النتائج التى ترتبت عليها الإجراءات التقشفية، هى الحصول على قرض من الاتحاد الأوروبى مما أدى إلى وجود احتجاجات شعبية عارمة، حيث إن الإجراءات تستهدف توفير مبلغ 65 مليار يورو من خلال خفض الرواتب بنسبة 5%، وإلغاء العلاوات، وزيادة ضريبة القيمة المضافة بمعدل 3 نقاط، غير أن مثل هذه السياسة أدت إلى نتيجتين سلبيتين، الأولى هى زيادة الركود الاقتصادى، وتقليص معدلات النمو نتيجة تراجع القدرة الشرائية، وما يعنيه من انخفاض الطلب على الاستهلاك، والذى يقود بدوره إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة، أما الثانية فهى مضاعفة الأزمة الاجتماعية من خلال تحميل الفئات الوسطى، والمحدودة الدخل العبء الأساسى، وهو أمر سيؤدى إلى زيادة حدة التفاوت الاجتماعى، واحتدام الصراع الطبقى، وهو ما جرى التعبير عنه فى نزول الناس إلى شوارع المدن بمئات الألوف، رفضا لتخفيض رواتبهم وزيادة الضرائب.
وكان نحو 150 منظمة دعت إلى تنظيم المسيرة التى حملت شعار إنهم يريدون تدميرنا، وعلينا منع ذلك، حيث طالب المشاركون فى الاستفتاء الشعبى على الإجراءات التقشفية التى تم اتخاذها فى الأشهر لأخيرة، واتهم المشاركون فى المسيرة الحكومة المحافظة، بزعامة حزب الشعب، بأنها بهذه الإجراءات، قد أخلت بكل وعودها الانتخابية التى قطعتها العام الماضى، ومن جانبه اتهم ايجانسيو فيرنانديز توكسو الأمين العام لنقابة "سى سى أو أو" العمالية الحكومة الأسبانية بالسعى إلى محو دولة الرفاهية فى أسبانيا، أما كارلوس لارا زعيم حزب "آى يو" اليسارى المتشدد فقد وصف المظاهرة، بأنها "تصويت اجتماعى بعدم الثقة" ضد سياسة الحكومة، وقال، إنهم لن يسمحوا بأن يفرض عليهم تكاليف إصلاح البنوك".
وفى نفس السياق فى الوقت التى تعانى البلاد من أزمة اقتصادية كبيرة، يقوم الملك خوان كارلوس برحلات باهظة التكاليف، وعلى رأسها رحلة لبوتسوانا لممارسة رياضة صيد الأفيال، والتى أثارت جدلا واسعا فى أسبانيا، وأدت إلى خروج الكثيرين إلى المظاهرات، مما جعل الملك يعتذر عن هذه الرحلة، وقال إنه ارتكب خطأ كبيرا لن يكرره مجددا، كما أنه خضع لعملية جراحية، بعدما تعرض لكسر فى فخذه فى أثناء رحلته.
ولابد أن يتحمل الشعب الأسبانى جزءا من اللوم على هذه الحالة، التى وصلت إليها أسبانيا فى حين الحكومة تتحمل الجزء الآخر، مشيرة إلى أن الحل يكمن فى اندلاع ثورة فى جميع المجالات، ينتج عنها تحديث واستبدال النظام القديم بآخر حديث، يقوم على قواعد العدالة ومبدأ المكافأة مقابل الجد والاجتهاد فى العمل وإثبات الجدارة.
وكانت إجراءات التقشف، والأزمة الاقتصادية، السبب فى الإطاحة برؤساء حكومات كل من اليونان وأسبانيا وإيطاليا، ويغلب على الحكومات الجديدة فى البلدين طابع التكنوقراط بسبب الظروف الاستثنائية، التى تمر بها هذه البلدان، فالاعتقاد السائد، أن الظروف الاستثنائية تقتضى إجراءات استثنائية، فالأزمة مرتبطة بأسلوب الإنتاج الرأس مالى.
وقامت الحكومة الأسبانية بتنفيذ إجراءات التقشف على الخدمات الاجتماعية العامة، وعلى رأسها التعليم والصحة، فقد قامت الحكومة الأسبانية بتخفيض ميزانية التعليم من خلال المدارس والمعلمين، كما أنها فرضت ضرائب، وقامت بتخفيض الرواتب، كما أنها أيضا قامت بتخفيض رواتب الأطباء فى المستشفيات، وخفض الميزانية التى كان يتم صرفها على المستشفيات.
من ناحية أخرى، فقد كشفت المظاهرات التى نتجت عن إجراءات التقشف النقاب عن معاملة الأمن الأسبانى للشعب، حيث إنه استخدم القوة والعنف لتفريق المتظاهرين، كما أنه استخدم الهراوات وقنابل مسيلة للدموع، كما أنه لم يفرق بين رجل وامرأة، وقام بجميع أعمال العنف، من ضرب مبرح، واعتقالات، وتعذيب، وعلى الرغم من ذلك، لم يلق أى إدانة دولية لهذه الأعمال التى تخالف حقوق الإنسان.
أسبانيا فى طريقها إلى السقوط بسبب الإجراءات التقشفية وزيادة المظاهرات
الأربعاء، 03 أكتوبر 2012 12:56 م