ما أن تنظر فى وجهه حتى تتعلق عيناك بعلامات رسمها الزمن واضحة، تدفعك التجاعيد التى تراكمت فوق بعضها على وجه نحيل للتساؤل "كم يبلغ عمر هذا الرجل؟"، يستوقفك جلبابه البسيط الذى انسدل على جسد نحيل انغمس داخل تلال من الكتب فى دكان صغير من بين مئات الدكاكين التى تكدست بها كتب من كل شكل ولون، قد تحاول إبعاد ضوضاء صياح الباعة الجائلين وفرشاتهم التى تناثرت مسيطرة على المشهد، لتخيل هذا الممر فى "عزة" والنظر إلى دكان "عم محمود" قبل زمن بعيد لمع فيه اسم "سور الأزبكية" كواحد من أرقى أسواق العالم.
منغمساً داخل كتبه قضى عم "محمود محمد أحمد" أقدم بائعى الكتب بسور الأزبكية، سنوات عمره فى دكان صغير عمره من عمر السور، تحت لافتة ظلت طوال خمسين عاماً حاملة لنفس الاسم "كشك سور الأزبكية" الذى عاش شاهداً على تاريخ طويل لأعظم أسواق الكتب فى العالم، ممتداً بطول سور العتبة مطلاً على الشارع الرئيسى الذى طالما وقفت على ناصيته السيارات الفاخرة للبشوات وكبار الكتاب والفنانين لتصفح كتب السور كما يحكى "عم محمود" الذى تجاوزت سنوات عمره السبعين عاماً، قبل أن ينتهى به الحال داخل ممر ضيق فاز الباعة الجائلين بالنصيب الأكبر من مساحته بفرشاتهم العشوائية فوق محطة مترو العتبة.
أنا فى السور من 51 سنة.. أول زباينى كان نجيب محفوظ وأنيس منصور وغيرهما من الكتاب الكبار أوى، دا حتى الريس جمال عبد الناصر كان بيعدى من قدام السور كل سنة بعربية مكشوفة" يحكى "عم محمود" أقدم أهالى السور عن ذكرياته، بسلاسة لا تحتاج للمزيد من الأسئلة يسترسل قائلاً: زمان سور الأزبكية ده كان ثالث أرقى سوق فى العالم كله.. أنا هنا من أيام ما كان الـ3 كتب بقرش صاغ".
مع النقلات المتتالية للسور وما شهده من تدهور فى السنوات الأخيرة كان "عم محمود" يحمل كتبه كل مرة متألماً من حال السور الذى يسوء يوماً بعد الآخر بداية من ميدان العتبة، ثم إنشاء كوبرى الأزهر ونقل السور من ميدان العتبة إلى شارع 26 يوليو، وبعدها إلى هذا النفق المظلم بعد إنشاء نفق شبرا.
رافضاً لاحتلال الباعة الجائلين لهذا المكان دائماً ما يقول "زمان مكنش فى الكلام ده، كنا على الشارع والناس تيجى تقلب فى الكتب براحتها.. دلوقتى محدش بيقرا زى الأول، وزباين السور خفوا خالص" بخبرة ثقافية لا تضاهيها شهادات العالم كله يحكى "عم محمود" الذى اكتسب ثقافة خاصة من كشكه الملئ بالكتب.
"كل إللى بنتمناه يرجع السور برا على الشارع زى زمان ويرجعله السياح والبشوات، هنا دفنوا السور بالحيا" هى كل أمنية "عم محمود" التى يراها حقاً له ولغيره من أهالى السور الذى ينتقل معه أينما ذهب فهو جزء من جسده قضى به عمره متفحصاً الكتب التى يعيش بداخلها، تارة يغرق فى كتاب من كتب الفقه الإسلامى، وتارة أخرى تأخذه إحدى الروايات القديمة لعالماً خاصاً لا يعرفه سوى من عاش حياته داخل "سور الأزبكية"
حكاية "عم محمود" أقدم بياع كتب فى سور الأزبكية
السبت، 13 أكتوبر 2012 11:36 م
عم محمود أقدم بياع كتب فى سور الأزبكية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
طارق الخولي
أين المثقفين ؟؟