موجات الغناء الإنسانى بين التعبير عن الجماهير والفوضى الفنية

الخميس، 11 أغسطس 2011 09:56 م
موجات الغناء الإنسانى بين التعبير عن الجماهير والفوضى الفنية المطرب الشاب محمد النحاس
كتب محمد فتحى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نافذة جديدة تطل منها وجوه غير مألوفة، تتغنى بكلمات تصل لقلب مستمعيها دون إذن، لون جديد وطعم جديد وطريقة أداء جديدة أيضًا تشكل ملامح الساحة الغنائية فى مصر بعد الثورة.

قبل تنحى الرئيس السابق بأيام قليلة، ارتقى شباب منصات ميدان التحرير، حمل كل منهم بين يديه "جيتارًا"، ورددوا كلمات بسيطة مستوحاة من شعارات المظاهرات، بدءًا من "الشعب يريد إسقاط النظام"، نهايةً بـ"ارحل يعنى أمشى ياللى ما بتفهمشى".

هذه الموجة التى صنفت وقتها على أنها مجرد "ردة فعل" للأحداث السياسية، ضربت شواطئ الغناء المصرى بقوة عقب الثورة، وأفرزت نماذج كثيرة تغنى دون قيدٍ يكبلها أو رقيبٍ يسألها.

يقول أنصار هذا اللون، إن ما يقدمونه محاولة لإعادة إحياء الغناء الإنسانى، مؤكدين أن الفن الهادف هو غايتهم، مطالبين بـكسر الصورة التقليدية للغناء، سواءً فى كلماته أو ألحانه أو طريقة أدائه، يراهنون على نجاحهم بالجمهور الذى ملّ الغناء بالأرداف والأفخاذ، وضاق بأغانٍ لا تعبر عن الواقع الذى يعيشه وبالمضمون البسيط الذى يقدمونه.

"فيه فرق كبير بين أنك تغنى للناس وأنك تغنى عليهم"، كانت هذه الكلمات فاتحة حديث الشاعر محمد السيد، الذى انتشرت كلماته على أفواه مطربين شباب بعد الثورة، مضيفًا: "اللون العاطفى كان المسيطر على الساحة الغنائية، وكأنه مفروض بأوامر عليا، لكن الوضع اختلف تمامًا الآن، وأصبحت الساحة الفنية مُهيأة لألوان أخرى".

وتابع السيد: "نسعى للتعبير عن واقع الناس وأزماتهم، من خلال الأغانى التى نقدمها، وهناك إقبال كبير، بدليل المبيعات التى حققها ألبوم حمزة نمرة، والحضور الجماهيرى لحفلات فريق وسط البلد".

وأكد الشاعر السكندرى الشاب الذى نسج كلمات أغان متعددة، أن التحدى الكبير الذى يواجهه هو وأنصار "الغناء الهادف"، على حد قوله، هو: "ضرورة تقديم أعمال تعبر عن نبض الشارع وترتقى بذوقه العام فى وقت سريع".

التقت كلمات السيد مع صوت مطرب شاب من رواد "الغناء الإنسانى" هو محمد النحاس فى أغانٍ كثيرة، أشهرها "يتربى فى سجنك"، التى تحدثت عن الرئيس السابق، وصيغت فى قالب مشابه لأغنية "السبوع" من فيلم الحفيد، وتقول كلماتها: "حلقاتك برجالاتك شرفت ياسيد المساجين.. خش وجرش جنب إخواتك وولادك وياك الاتنين.. يارب ياربنا طول فى عمره وهاتلنا، أحكام تفرح قلبنا".

يحدد النحاس سببين رئيسيين حالا دون انتشار الغناء الإنسانى فى الفترة السابقة، هما القيود التى فرضها النظام السابق على كل معارضيه، إذ لم يكن مسموحًا له ولغيره أن يجهر بكثير من آرائه، بالإضافة إلى أن "الذوق العام" للمجتمع فى تلك الفترة لم يكن مهيئًا لذلك.

ويرفض المطرب الشاب الذى غنى "أنا مش آسف ياريس"، و"تانى التحرير"، و"الفتنة أم بتاعه" وصف ما يقدمه هو وأبناء جيله بـ"الغناء السياسى"، مشيرًا إلى أنهم "يغنون للناس ويعبرون عن احتياجاتهم وآمالهم وآلامهم أيضًا، سواءً كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها".

البساطة التى يتسم بها هذا اللون الغنائى ، جعلته عرضة لانتقادات كثيرة ، ففى الغالب تصاحب كلمات الأغانى آلة وحيدة هى الجيتار، ويتم تصويرها بطريقة غير احترافية، ويعلل النحاس افتقار كثير من الأغانى الإنسانية التى ظهرت مؤخرًا لـ"الكواليتى المطلوب" قائلاً: "حتى الآن لا يوجد ممول يدعم هذا اللون، وأغلب أعماله تتم بالمجهود الذاتى لأصحابها، كما أن بعض الأغانى التى نقوم بإنتاجها تكون ردة فعل لحدث معين ويجب أن ننتهى منها بسرعة كبيرة".

ويراهن النحاس على "زيادة انتشار هذا اللون الغنائى فى الفترة المقبلة، لأنه يعبر عن الناس ويلتحم بتفاصيل حياتهم اليومية".

"هذا اللون نجح فى تحقيق معادلة صعبة، هى تحقيق انتشار واسع بأقل إمكانيات مادية متاحة" بُعد جديد رصدته هاجر السيد، مدير شركة بيونكرى للتسويق والإنتاج الفنى، والمتخصصة فى تسويق "الغناء الهادف"، على حد قول مؤسستها.

أضافت السيد: "بعض الأعمال الشابة تفتقر مقومات فنية مهمة، لكنها رغم ذلك تنجح فى الوصول إلى قطاع عريض من الجماهير، وتكون بالغة التأثير فيهم، لأنها تحوى مضمونًا قيّما".

وتابعت: "الإقبال على هذا اللون الغنائى بدأ قبل الثورة بعام أو
عامين، ثم ازداد بعد الثورة لأن المناخ أصبح أكثر تحررًا".

ويشير المطرب مصطفى محمود أحد رواد اللونين الإنسانى والإسلامى فى الغناء؛ إلى سبب واضح فى عدم انتشار أغانى بعض المطربين الشباب فى الفترة الماضية، هو عدم اهتمامهم بتسويق ما يقدمونه أو الوصول إلى شريحة كبيرة من الجماهير، قانعين بنسبة ضئيلة من الشباب المثقف والمتدين.

الإشادة السابقة بهذا اللون من رواده، قابلها هجوم عنيف وانتقاد لاذع من المؤرخ عاصم الدسوقى الذى وصف ما تشهده الساحة الفنية حاليًا بالفوضى.

قال الدسوقى: "بديهى أن الفن بمختلف أشكاله يعبر عقب الثورات عمّا أنجزه الشعب خلال الثورة، وعمّا يأمله فى المرحلة المقبلة، لكنّ ما حدث بعد 25 يناير فى الفن عمومًا، وفى الغناء خصوصًا، لا علاقة له بالثورة من قريب أو من بعيد".

وأضاف: "بالمقارنة بثورتى 1919 و1952 فما يحدث الآن هو فوضى فنية، تعكس تردٍ كبير وواضح فى مستوى هذا الشباب الذى يحاول جزء منه القفز على الأحداث والتواجد فى صدارة المشهد".

وتابع: "بعد ثورة 1919 وجدنا بيرم التونسى وسيد درويش وغيرهما من رموز الفن، يعبرون عن واقع الشعب وأزماته بطريقة راقية متحضرة وكذلك بعد ثورة يوليو".

ويختلف معه الدكتور عماد عبد اللطيف أستاذ البلاغة بكلية آداب جامعة القاهرة، الذى يؤكد أن موجة "الغناء الإنسانى" تساهم بصورة كبيرة فى التعبير الجاد والفعلى عن حياة المواطنين، مشيدًا ببساطة الكلمات التى يقدمها هذا اللون وتأثيرها البالغ فى الجماهير.

ويسترسل عبد اللطيف قائلاً: "كلما كانت كلمات الأغانى بسيطة كلما زاد تأثيرها فى المستمعين، وكلما ترددت على الألسنة فترة أطول، ولهذا نجد أن ذاكرة المصريين تحتفظ دائمًا بالأغانى ذات الكلمات السهلة".

ويشير أستاذ البلاغة إلى أن "الطفرة" التى يشهدها الغناء الإنسانى حاليًا ستساهم بصورة كبيرة فى تحسين سمعة "الأغانى الشعبية"، التى كان يُنظر إليها كثيرًا نظرة احتقار.

"ما يشهده الوسط الفنى حاليًا فساد غنائى شبيه بالفساد السياسى الذى عانينا منه فى العصور السابقة".. كلمات قليلة العدد، قوية الدلالة للموسيقار حلمى بكر، الذى تعجب من انتشار "هذا اللون" و"هذه الأشكال" بعد الثورة.

وأضاف بكر: "الأصوات الموجودة أغلبها لا يصلح للغناء، والكلمات ركيكة للغاية، والألحان ضعيفة، ولا يُعقل أن يكون غناءً بهذه المواصفات هو التعبير الصادق عن الثورة المصرية".

واستطرد بكر فى حديثه عن الطريقة التى تقدم بها هذه الأغانى قائلاً: "الشباب يقدمون أغانيهم بطريقة "أمريكان ستايل"، وهذا لا يعبر عن الثورة ولا عن الفن المصرى بأى شكل من الأشكال"، متابعًا: "هل نفهم من ذلك أن أمريكا هى التى قامت بالثورة؟.. بالطبع لا، لكن الشباب لم ينجحوا حتى الآن فى اختيار الطريق السليم للتعبير عن ثورتهم".

بين الإشادة ومحاولات البحث عن الانتشار وبين الانتقادات الحادة ومحاولات التقزيم.. يبرز سؤال رئيسى حول إمكانية استمرار التفوق النسبى لهذه الموجة الغنائية فترات طويلة؟ هل تظل أقدام رواد "الغناء الإنسانى" ثابتة على الأرض، أمام ضعف الإمكانيات وغزوات الرافضين؟ أم تنتهى تلك الموجة وتختفى آثارها كما اختفت سابقات لها من قبل؟.

أنصار هذا اللون يؤكدون أن "المستقبل لهم" والرافضون يتوقعون "الاندثار إذا ما لم يُجوّدوا أداءهم"، وبين الطرفين يقف المستمع حكمًا عليهما.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

عمرو على

المستقبل للفن الهادف

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة