شريف حافظ

الليبرالية المصرية

الإثنين، 30 مايو 2011 06:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أتصور أن مهاجمى "الليبرالية المصرية" يتعمدون تشويهها، بينما يدركون أنها مختلفة كلياً عما يقولون به، خاصةًً أن تلك الليبرالية، وفى مراحلها الأولى، هى التى سمحت بخروج الجماعات الدينية، وعلى رأسها، جماعة الإخوان المسلمين، فى كنفها عام 1928، فى ظل مرحلة ما بين عامى 1923 و1952، إلا أننى أدركت مع الوقت، أنهم لم يدرسوا التاريخ جيداً ولم يقرأوا عن التجربة المصرية، وفضلوا دوناً عن ذلك سماع ما يُلقى إليهم من معلومات مُنتقاة، حول الليبرالية الغربية، ليبثوا فى أذهانهم وتفكير غيرهم، أن ما يدعو إليه ليبراليو مصر، إنما هو تطبيق لتجارب مستوردة وغريبة كُلياً، عن البيئة المصرية!!

أدركت تماماً، أنهم يتصورون أن الليبرالية تطبق بشكل واحد فى كل مكان، بينما أدركوا أن التجربة الإسلامية، مختلفة من مكان لآخر، حيث يتكلمون عن التجربة التركية والتجربة الإيرانية، وفى النهاية يتصورون فى إطار خيال ليس بعلمى، أن ليبرالية فرنسا على سبيل المثال، ممكنة التطبيق فى مصر!! هذا أمر مستحيل، علماً، ولا يمكن لعاقل أن يتمناه، لأن تجارب الآخرين لا تطبق فى تربة غير قادرة على إنماء الزرع الغريب عنها.

لقد اتضح لى، أنهم لم يطلعوا على الكتب المختلفة، المُعرفة "لليبرالية" فى كل دولة على حدة، حيث تُعرف الليبرالية فى كل دولة بشكل مُرادف لتجربتها، فليبرالية البرازيل مختلفة عن ليبرالية فرنسا، وكلا التجربتين مختلفتان عن ليبرالية كندا، وهكذا فيما بين كل دول العالم، لأن لكل دولة تجربتها القيمية والتاريخية والثقافية، المختلفة عن الأخرى! ولا يمكن أن تترادف الليبرالية ما بين دولة وأخرى، وفقا لقيمها الأصيلة، غير المستوردة، من الشرق أو الغرب!!

وفى إطار الفهم الاجتماعى الطبيعى لليبرالية المصرية من قلب مصر، كنت أندهش أشد الاندهاش، عندما كان يسألنى البعض ممن كان يقرأ عن الليبرالية فى مواقع دينية ناقلة عن الغرب، أو من مواقع غربية، بعيدة كل البعد عن ثقافتنا، عن موقف الليبرالية من "الشذوذ الجنسى" على سبيل المثال؟ كنت أندهش لأن تلك الآفة، ليست محل نقاش، من منطلق منظومة القيم المصرية، وكنت أندهش، لأن السؤال يدل على كم التسطيح الأعمى، الذى وصل به طارح السؤال، حيث أصبح جُل اهتمامه وقضيته التى تشغل تفكيره، هى موقف الليبرالية من الشذوذ الجنسى، بينما مصر تعانى من آفات كُثر فى مجالات متعددة، سواء فى التعليم أو الاقتصاد أو السياسة أو الثقافة أو غيرها من الأمور ذات الأهمية الأعلى. كما أننى وكليبرالى، لم يسبق لى، التفكير فى مسألة الشذوذ الجنسى فى مصر، لأن المنظومة القيمية الطبيعية للشعب المصرى هى الحاكمة فى هذا الأمر، وليست الليبرالية هى المتحكمة فيه!! وأعتقد اعتقاداً راسخاً بأن منظومة القيم المصرية، سترفض مثل هذا السلوك كلياً!!

إن الليبرالية المصرية، وفى إطار التجربة السابقة ما بين 1923 و1952 (مع الاعتراف بأن آخر مراحلها، وتحديداً أكثر، منذ العام 1948، شهدت ترديا لأسباب خارجة عن أصول الليبرالية)، شهدت تعايشاً غير "ملحوق"، بين شتى المواطنين والفئات والطوائف فى المجتمع، على اختلافاتها. والحديث عن أن الليبرالية طُبقت فى عصور الحكم ما بين ثورة 1952 و11 يناير 2011، ما هو إلا نوع من الهُراء، غير المقبول، لأن التاريخ لم يقل بهذا أو يشهد به يوماً، إلا فى مدد ضئيلة للغاية، من عمر تلك الفترة الطويلة!!

إن الليبرالية، لا تنادى بانحراف أخلاقى أو بحرية غير مسئولة، أو بأن تكون الدولة لا دينية أو بالتعدى على الفقراء، وما هذا الحديث إلا من خيالات من يُعادون حقوق الشعوب فى حكم أنفسهم بأنفسهم، بل إننى أزيد بأن الليبرالية لا تقبل تشويه الأديان أو التعدى على المؤمنين من أى دين أو على دور عبادتهم، بل تطالب بحمايتهم حماية لا تقبل الشك، ولا تقبل بأى حال من الأحوال الخلط ما بين الأشياء غير المتوافقة، مثلما تقول بعدم الخلط ما بين الدين والسياسة.

ولقد أظهرت الساحة السياسية المصرية فى الفترة الأخيرة، صدق الليبرالية فى هذا الأمر وتوافقها، مع الرؤية الإنسانية الطبيعية من قلب التجربة المصرية خلال الأشهر الأخيرة منذ اندلاع الثورة، حيث ظهر أن المتلاعبين بالدين، والذين يقولون بـ"السمو الأخلاقى" فى ممارستهم السياسية، إنما هم أكثر الناس كذباً، يحلفون بالله كذباً على الهواء مباشرةً أمام الناس، ويطلقون ألفاظا خادشةً، لم يسبق لفاسد فى الماضى إطلاقها، ويحرفون الكلم عن مواضعه، كذلك الرجل الذى تجرأ على الله عز وجل وقال بأن "الإخوانى لا يتزوج إلا إخوانية"، وهو بذلك صاغ نصاً جديداً خارج نص القرآن فيما يتعلق بزواج المسلم!! إنى لأتصور أنه لو أن "مكيافيلى" مخترع نظرية "السياسة القذرة" لا يزال حياً، لخرج لهم قائلاً: عيب!

إن أغلب المصريين ليبراليون بما يشكلون من اعتدالهم وعبادتهم لله دون تطرف وحبهم للحياة دون اعتداء على أحد، إن المصرى الذى يرفض التعدى على مؤمنين من دين آخر إنما هو ليبرالى، إن المصرى الذى يقول بسيادة القانون إنما يؤكد على الليبرالية، إن المصرى الذى يُعلم أولاده وبناته، ويطمح لهم دوماً فى تعليم عالمى المستوى وتنافسى محترم، إنما هو ليبرالى. إن المصريين حينما يحلمون بالديمقراطية، إنما يعبرون عن الليبرالية، إن المصرى الذى يرتضى بحق غيره فى التعبير عن رأيه، ويعبر عن رأيه هو فى سلام، إنما يعبر عن الفكر الليبرالى الحر.. إن الحرية فى الليبرالية المصرية لا تعنى أبداً انحرافات أخلاقية أو خروجاً عن قيم الوطن الأصلية، وما القائلون بذلك إلا مزيفون للواقع ولاعبون بالكلمات وخالقون لنظريات من وحى خيالهم المريض، لأننا لو فكرنا لبرهة ضئيلة، سنعرف أن هذا غير قابل للتطبيق فى مصر مهما حدث!

إن الليبرالية المصرية هى تجربة نابعة عن طبيعة المجتمع المصرى الإنسانى الأصيل، وليست مستوردة، كما يُشاع عن جُهلاء لم يقرأوا، ولكنهم نقلوا من مصادر ليست بالأولية، ولذلك ليس بمستغرب أن يشوهوا فكر الإنسان.. إن الليبرالية فى أساسها إنما تنادى بالتعليم ورفع وعى الجميع، من أجل وطن قوى، يتماشى مع الواقع، ولا يستقى من الخيال ولا يعتدى على الأديان.

ومصر أولاً..








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

اسامة الابشيهي

استاذا اسماعيل حجازي ( قطعت قول كل علماني )

عدد الردود 0

بواسطة:

Guest

دور على معنلها الاصلى

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد

ان غدا لناظره قريب

عدد الردود 0

بواسطة:

الدريني

ما وجه تقصير الإسلام

عدد الردود 0

بواسطة:

ابو محمد المصرى

ام العروسة

عدد الردود 0

بواسطة:

عبد الرحمن فهمى

ما الجديد

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد

التاريخ الذى تتحدث عنه

عدد الردود 0

بواسطة:

ابو سما

شريف حاااااااااااااااافظ

عدد الردود 0

بواسطة:

أبو أفنان

لابد من مواجهة

عدد الردود 0

بواسطة:

حسام

الهجوم بدون فهم المقصود

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة