شريف حافظ

الإسكندرية: مدينة التعايش المصرى 2011

الجمعة، 07 يناير 2011 07:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما نحياه، لابد أنه أيقظنا، لأن نفهم، أن مطالب الأقباط إنما هى مطالب كل المصريين!! إن الإرهاب استهدف الجميع، فى حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية! إنه استهدف كل المصريين، بل واستهدف أيضاً الإنسانية، بما تحويه من تعددية، ولا يُمكن تبرير ما حدث، إلا فى حالة رغبتنا تبرير ما تقوم به الحرب "المزعومة" على الإرهاب، بينما تستهدف الآمنين الأبرياء، فى كثير من الأحيان!

إن الإسكندرية، هى عاصمة "التعايش" فى مصر، حيث كان يحيا فيها طوائف متعددة، دينية أو عرقية، فكان يحيا فيها المسلم والمسيحى، إلى جانب اليهودى، وكان هناك المصرى إلى جانب اليونانى والإيطالى والأرمنى!! كانت الإسكندرية، هى حاضنة كل الثقافات، ولذا دوماً نشعر بتلك المزية حين نحل عليها، حيث الانفتاح الثقافى، ما يُميزها!!

فالإسكندرية، كانت دوماً التمثيل الأفضل لمصر على مداها الجغرافى، بما تشمله من تعددية ثقافية وحضارية، أرساه تاريخها الطويل منذ العهود الفرعونية، وعهود البطالمة والإغريق والرومان والأقباط والمسلمين العرب والعثمانيين والمماليك وغيرهم، فجمعت فى طياتها، كل تلك الهويات، مُمتزجة فى قلبها، خالطة بينها، لتُصدر لنا مواطنًا مصرياً مُتسامحًا، لديه وعى بالآخر وبثقافته، وقُدرة على التواصل، منحها له البحر، الذى يأتى له كل يوم بالجديد!

فميناء الإسكندرية، يدخله يومياً الكثير من السُفن، الآتية على سطحها بأُناس كثيرين، مُحملين بأفكار كثيرة، مُغايرة لفكر المصريين، فإذا بتلك الأفكار يقذفها البحر إلى الشاطئ، فتمتزج بأفكارنا، نأخذ منها ما يُمكن أن يتعايش مع فكرنا، ونرفض الغث منه، ونُعيد إلقائه فى البحر مرة أُُخرى، ليذهب إلى مرفأ آخر، حيث أدرك المصرى، ما يقبله وما لا يقبله، فى حس حضارى، تُدركه حواسه الاستشعارية، دون وعى كامل منه لأن تلك طبيعته التى تحيا معه، لأن حضارة الأجداد، أياً كانت هويتهم، قد أثرت فى فكره، وكذلك أثر فيه الاختلاط بكل من يحل على الإسكندرية، وعرف كيف يختار ما يُفيد جمال مدينته من قيمة، وكيف يرفض ما يضرها!
لم تعرف الإسكندرية الرفض المطلق، لمجرد الرفض، ولم تتأثر لمجرد التأثر، ولكنها تأثرت بوعى منها، وعبر اختيار فاهم لطبيعة ما تتكون منه، وما إن حلت عليها الثقافة الوافدة، التى ترفض التعددية فيها، إلا ووجدناها وحيدة، منبوذة فى جنبات المدينة، على عكس غيرها من المدن المصرية، لأن الأصل فى الإسكندرية، ومنذ آلاف السنين، كان دوماً التعددية!! فلقد كانت عروس البحر المتوسط، شاهدة على بزوغ العلم، وحين حل عليها الغُزاة، أياً كانت هوياتهم (حيث لا أعنى هوية بعينها، لأن مصر تم غزوها على مدى تاريخها)، كانوا ينهلون من علمها، وشهد على ذلك كُتب التاريخ، وكيف أنهم استفادوا، ضمن أشياء كثيرة أُخرى، من مُهندسيها فى بناء مبان لا يزال التاريخ يشهد على شموخها فى كل البر المصرى بل والعالم كله!

وبالنسبة للقطر المصرى كله، فإنه ومنذ القدم، يجمع شعبًا منسجمًا، لا تُفرقه حتى الديانة، لأنها من أصل واحد، تُثريها ثقافة الوادى بالسلام والفكر والنمو، وطيبة الشعب المصرى، الودود لزائريه، وهو الأمر الذى يتحاكى به العالم حتى اليوم، ولذا، فإنه حينما جدت علينا، ثقافة أُخرى "دخيلة"، فى ظل مشاكلنا الاقتصادية المتنامية وكتابة مشوهة أُُحادية للتاريخ وتعليم غير مطور، على إثر حروب ثم فساد فى ظل عملية التنمية، حدث تخبط فى الثقافة المصرية، فتاهت عن الخط الطبيعى لها، مما أهل مناخاً لتنامى التطرف فى المجتمع!

إننا يجب أن نستعيد التعايش السكندرى سريعاً، ليس فقط عبر الكلمات المُنمقة، ولكن عبر مبادرة "عملية" لتطبيق هذا التعايش على الأرض، عبر مشروع مُتكامل له، يُمكن أن تتبناه "مكتبة الإسكندرية" كمنارة للعلم فى العالم أجمع، وليس فقط فى مصر.. يجب أن نُقيم المهرجانات الدولية، للسلام والفولكلور العالمى فى تلك البُقعة الغالية، من الحضارة الإنسانية والدولية، وليس فقط المصرية، لجعل الإسكندرية، مدينة التعايش العالمى للعام 2011، وأن نُدرج هذا المشروع، ضمن مشاريع اليونيسكو، لنربط ثقافتنا بالعالم، محترمين فى إطار هذا كله، القيم والمعايير الدينية والإنسانية التى تضمنا جميعاً!!

إن من يظن، أن من استُهدف فى مطلع العام 2011، هو الأقباط فقط، إنما هو واهم، لا يُدرك أن الجزء، يؤثر على الكل، فى مُعادلة الإنسانية، وهو ما يُحرك البشر فى كل مكان، للوقوف إلى جانبنا، فى تلك المأساة! وإن من يعتقد أن مطالب الأقباط بالعيش الآمن فى مصر، هى مطالب خاصة بهم فقط، إنما هو مشوش، لا يُدرك أن طمأنينة الأجزاء، كُلُ على حدة، يُشكل طمأنينة الجميع ومن ثم الأمة المصرية بأكملها، ومن ثم خلق بلاد مُكونة "لرُمانة الميزان"، فى منطقة بأكملها! إننا جميعاً استهدفنا فى كنيسة القديسين، وقد كان الغرض، أن يقول الناس على مستوى العالم، إن الإسلام دين إرهاب، وهو برىء من هذا الفعل، براءة الذئب من دم ابن يعقوب!

فلنجعل مشروعاً للتعايش فى الإسكندرية فى عامنا هذا، يرد على تلك الأكاذيب، ولنبنى تمثالاً للذكرى، بأسماء شُهدائنا فى تلك الموقعة التى لم تُعبر إلا عن ثقافة "وافدة" غبية، لا تستطيع أن تحيا إلا على الدم والأشلاء، ولنُعلى ثقافتنا نحن، القائمة على التعايش والمحبة وإزكاء القيمة والعلم والعطاء، فى عاصمة تعايشنا على مدى التاريخ، وحتى لا ننسى أبداً أننا مُستهدفون وأن توحدنا هو ما يجعل الحاقدين يتوقفون عن مُجابهتنا!
ومصر دائماً وأبداً، أولاً.
• أستاذ علوم سياسية.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة