شريف حافظ

نحن نملك ثورة الكوسة

الخميس، 20 يناير 2011 09:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما يحدث فى تونس انتفاضة شعبية ضد فساد شخص وعائلته، وهناك بعض الغضب ضد بعض رجالات النظام، ولكن الجيش استعاد السيطرة على الشارع.

إن التضحية ببن على، ليست تضحية بالنظام، والغضب التونسى موجه "للشخص" بالأساس. التنازل عن النظام بأكمله صعب أن يحدث بتلك السُرعة، نظراً إلى أن تونس ليست دولة مؤسسية بالمعنى المفهوم. ومن الواضح أن ما سيحدث فيها هو نوع مماثل لما حدث فى رومانيا 1989، حيث سيتولى الحكم فيها رجل من داخل النظام، مثل إيون إليسكو الذى كان أحد رجالات نظام الديكتاتور تشاوشيسكو "المغضوب عليهم"، ولكنه بالرغم من ذلك كان من داخل النظام!!

وسيتغير الوضع كثيراً فى تونس، إلى المزيد من الانفتاح الديمقراطى "غير المبالغ فيه"، وسيتم علاج الفساد الذى خلفه بن على، إلا أنه من الصعب وجود "عصا موسى" التى ستحل كل المُشكلات سريعاً، وإلا كان بن على، حافظ على كُرسيه بالحلول السريعة!! ولكن من الصعب أن يعتلى الحكم رجل "بعيد" كل البعد عن منظومة الحكم فى البلاد، وإلا دخلت البلاد المزيد من الأزمات، ولنا فى موريتانيا خير مثال!

وبالنظر إلى من يُقارن الوضع التونسى بما يحدث فى مصر، فإننى أجد أن هذا التحليل، إنما يلتبسه الكثير من الحماس والمبالغات، فما حدث فى تونس، لم نر فيه "زُعماء أو قادة" شعبيين بالمعنى المفهوم. إن المعارضة المُتحدثة هناك، غير تلك "المؤدلجة" التى نمتلكها فى مصر. فلم يُحرك التونسيين أيديولوجية، ولكن حركهم الفساد والجوع!!

وفى مصر، يصعُب حدوث أمر مماثل، لأن الناس لا يحكمهم "نفس" القمع بغض النظر عن القمع المتواجد بالفعل!!

لا يوجد لدينا من سينطلق بثورة شعبية، لأن تلك الثورة لا تكون منظمة، إنما تنطلق بشرارة غير محسوبة تُطلق ألسنتها على الجميع!! وفى هذا المضمار، فإن المسئولين عن المعارضة فى مصر، لا يمكنهم حتى القيام بثورة فى مناطق تواجدهم، حيث لا يؤمن بهم غير عدد محدود للغاية من الناس، فغير أن النظام تمكن من هؤلاء، فإن الناس كفُرت بهم، وقد ظهر ذلك جلياً خلال السنوات القليلة الماضية!!

إن المعارضين البارزين لدينا، لا يؤمنون حتى بقواعد انطلاقاتهم "الأيديولوجية"، حيث يُمكن أن تجد السلفيين فى حزب ليبرالى، وهو أمر حقيقى فى أحد تلك الأحزاب، لديه سلفيون فى إدارة مكتبه بمحافظة الإسكندرية، حيث يؤمن بنظرية "العدد فى اللمون" وليس بالليبرالية الحقة!! ويمكن أن تجد كل التيارات فى حزب واحد، فلا تعرف ما هو "نوع" الحل الذى يطرحه هذا الحزب، سوى "السمك لبن تمر هندى"، طالما أن هناك سلطة ممنوحة لبعض النافذين!! والنظام نفسه لديه تلك الفوضى، والمسألة فاقت كل الحدود، وأصبحنا نحيا من الناحية السياسية فى جمهورية الفوضى، وأصبحت المصداقية الوحيدة، هى تلك التى يتمتع بها المواطن البسيط فى الشارع، الذى لا يهمه سوى قوت يومه، وأولاده، ودون ذلك لا يهتم!!

إن الناس لا تعرف ما يجرى على المستوى السياسى فى مصر!! القلة الضئيلة هى من يُدرك ما يحدث فى مصر سياسياً، ولو أن بعض "المجانين"، قاموا بحركة ثورية فى البلاد، فسينظر إليهم الناس البُسطاء فى الشارع، بنظرة "شفقة" ويمضون إلى حال سبيلهم!! فالمواطن المصرى "الذكى"، يُدرك تماماً، أن هؤلاء، ليسو مخلصين، وإنما يبحثون عن شئ آخر!! وإن بحثوا عن ثورة، فستُعبر عن ثقافة مجتمع، وثقافتنا اليوم، جميعاً هى "الكوسة"!!

إننا جميعاً عنصريون طائفيون، تحكمنا جينات التطرف، ضد كل ما هو ضعيف، وليس فقط على مستوى الحاكم والمحكوم!! القوى ضد الضعيف، على أى مستوى: سواء غنى ضد فقير، أو صاحب سلطة ضد منعدم سلطة، أو رجل ضد امرأة، أو كبير ضد صغير، أو معارض قوى ضد معارض ضعيف، أو تيارات ضد بعضها البعض، أو مسلم ضد مسيحي، أو مسيحى أرثوذوكسى ضد مسيحى إنجيلى، أو إنسان ضد حيوان وما إلى ذلك من تضادات!! إننا نحيا فى ظل أمراض نفسية دفينة، تتملكها مشاعر كُره وبغض ضد بعضنا البعض، ولا نملك التوحد اللازم للقيام بثورة، فالكل يكره الكل، فى الأغلب الأعم!! نحن جميعاً مشوهون!!
إننى فرح بالتأكيد على "هبة" الشعب التونسى، وأتمنى له كل الخير، وأن ينصره الله على قدر صفاء نيته!! إلا أن ما يحدث فى تونس فى الغالب، هو الهروب من "مخالب" النظام إلى "أحضان" النظام هناك!! وسيتعلم النظام الدرس ويُعيد إنتاج نفسه والقوى الدولية غير بعيدة عن كل ما يحدث هناك!!

إلا إننا لا نحيا فى زمن الثورات، ويجب أن نتذكر من دروس التاريخ، أن الثورة الفرنسية شابها الكثير من الدماء، واستمرت حوالى 10 سنوات، ثم قام لها "مُلحق" تمثل فى ثورة 1848، واستمر الإصلاح، عبر قرن من الزمان، لتصل فرنسا إلى ما هى عليه الآن!! إن أغلب ثورات المنطقة أيضاً، لم تنتج يوماً شيئا ذى معنى. وأما الثورات فى أوروبا الشرقية، فلولا مُساعدة الغرب لها، لما أضحت الدول التى هناك لها حيثية، رُغم أنها لا تزال تُكافح لكى تكون!!

والغريب، وبينما لم تقم "الهبة" التونسية، بأيادى دينية، أن نسمع أصوات الإخوان وهم يهددون النظام فى مصر، بينما يشيرون إلى تونس!! إن الاستغراب هنا نابع من أنهم نسوا أو تناسوا، إنهم مسئولون عما حدث للسودان!! لقد حكمت القوى الدينية السودان وهى مسئولة إلى أبعد الحدود، على ما حل به، ولا يُمكننا أن ننسى مدى تأييدهم لقوانين الشريعة التى سُنت هناك، ضد رغبات الجنوبيين، غير عابئين إلا بأجنداتهم، التى يريدون بها تقسيم كل ما حولهم، كما قسموا الفلسطينيين!!

يُمكن أن أكتب ما يُلاقى الترحيب الشعبى بالطبع، وهو ما لا أحبه، لأننا يجب وأن نُعبر عن الواقع فى نهاية الأمر!! والواقع فى مصر، أنه لو قامت ثورة، فانها ستقوم فقط لمصلحة البعض ضد البعض الآخر، لنجد المزيد من الظُلم فى النهاية!! إننا فى حاجة إلى إصلاح النظام القائم وإصحاح الأمن والعدل والتعليم فيه!! إننا فى حاجة إلى أن نرى النور بعيداً عن منظومات المصالح الشخصية لفئة أو طائفة دون أُخرى!! إننا فى حاجة إلى أن نرى للنظام رؤية واضحة، حيث إن رؤيته يغشاها الظلام بوضوح!! إننا غير مطمئنين لحال مصر، ولحال النظام ونريد أن نطمئن!! إننا فى حالة خوف مُستمر من النظام على النظام، لأن هناك إشارات غامضة آتية من أعلى النظام ومنظومته الأمنية!! إننا نريد الاستقرار والعدل والعلم فى مصر، من أجل غد أفضل، بعيد عن الفساد والمركزية!! إننا نريد العدل بعيداً عن هذا الكم من "الكوسة" المُحيطة بنا، ولدى الأغلبية القصوى!!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة