حصل كبير أساقفة جنوب أفريقيا السابق، دزموند مبيلو توتو، على جائزة نوبل للسلام سنة 1984، وجائزة ألبرت شفايتزر للعمل الإنسانى سنة 1986، وجائزة غاندى للسلام سنة 2005 وجائزة ميدالية الرئيس الأمريكى للحرية سنة 2009، بالإضافة إلى إدراجه كعضو شرفى فى الكثير من جمعيات ومنظمات العمل الخيرى الدولية. وبالتأكيد، لم يأت ذلك من فراغ، ولكن لأن هذا الرجل، أصبح رمزا للوقوف فى وجه الظلم والقهر، من أجل الحق والسلام والعدل. فلقد ساهم فى توحيد شعبه، وليس جزءًا منه فقط، ضد الاستبداد، من أجل الحرية، حيث كان من أوائل من وقف ضد نظام الأبرتايد فى بلاده، جنوب أفريقيا!
وحصلت الأم تريزا، الألبانية الأصل والهندية الجنسية، على جائزة نوبل للسلام عام 1979، نتيجة لجهودها الجبارة، فى مساعدة الفُقراء فى مدينة كلكوتا، الهندية، الفقيرة والملوثة للغاية فى ذاك الوقت. وكان عملها سبباً فى دخول الكثيرين إلى الدين المسيحى، نظراً لما رأوه من تسامحها وحبها للبسطاء. والدعوة إلى الدين، أياً كان، فى أساسها تتم بما يراه الناس من تسامح وسلام أصحابه، لا العكس!
وقد أصبح كل من دزموند توتو والأم تريزا، رموز عصر، كثُرت فيه الحروب والبغضاء بين الدول على مستوى العالم، ليكونا الأمل للسلام على هذه الكرة الأرضية، وليظهرا للناس كافةً، كيف تكون القيادة، وليس الانقياد!
وبغض النظر عن اختلافات الأديان، فإن الفرق واضح بين رجل الدين المُنقاد ورجل الدين القائد. الأول، يزيد من تغييب الناس واستعدائهم ضد من هم ينتمون إلى الأديان الأخرى ويُشعرهم بالخوف الدائم وأنه المنقذ، ويطمح فى القيادة بكل ما يملك، والثانى لا يطمح فى قيادة، وإنما فى عدل وحق وسلام وتعايش، يعمل لكى يتحققوا، فيُمنح تلك القيادة من الناس دون أن يطلبها!! فتوتو وتريزا، لم يطمحا فى الحصول على جوائز تقدير وإنما مُنحت لهم، نتيجة لجهودهم، التى لم يختلف عليها أحد، حتى أصبحوا "أيقونات" للإنسان حيثما كان!
إنهم رموز لحب الإنسان لأخيه الإنسان. وقد وقف الأسقف توتو إلى جانب المسلمين فى مسألة الرسوم الدنماركية المُسيئة، ويقف دوماً مع الجانب الفلسطينى فى القضية الفلسطينية، رغم بُعد الرجل الجغرافى عن المناطق ذات الأغلبية المسلمة والأراضى الفلسطينية! فلما؟ لأنه رجل حكيم، يريد التقارب بين البشر، ولا يريد الفُرقة، بينما هو بعيد جغرافياً عنا جميعاً، بل ولا ينتمى إلينا، إلا كونه إنسانا! نعم! إنه الإنسان بداخل هذا الرجل، الذى لا يتعرض لغيره من الطوائف المسيحية، وهو الإنجيلى، ولا للمسلمين ولا لغير كليهما!
إنه قائد بل زعيم ديني، بلا منازع!
كم أتمنى ليل نهار، أن نملك رجالاً، مثل هذا الرجل أو تلك المرأة، يفكرون قبل أن يتكلموا، سواءً كانوا مسلمين أو مسيحيين! كم أتمنى أن تصل أعمالهم لخارج مصر، وتجوب العالم، وأن يحصلوا على أكبر الجوائز للسلام وإحقاق العدل! كم أتمنى ألا يقولوا إن كلامهم أُخذ بعيداً عن السياق، وأن يكون لديهم شجاعة الاعتذار من أجل مصر! كم أتمنى لو أنهم لا يصمموا على كلام جارح قالوه! كم أتمنى لو أنهم يعملوا على إرجاع الإنسان إلى طمأنينة ذاته، وأن يقوموا بواجباتهم الأصلية! كم أتمنى ألا أكتب، ولا يحتاج أحد غيرى من الكُتاب المحترمين أن يكتب فى هذا الأمر مرة أخرى ونلتفت إلى ما هو أهم فى حياتنا اليومية، التى نتمنى وندعو الله أن تتغير بنا إلى الأفضل!
أتمنى أن يكون لدينا قادة فى كل مجال، وليس مُنقادين! فالقائد يصنع ثقافة ويجعل الناس يمضون خلفه، بينما المنقاد، يمضى وراء غرائز الناس! وأنا هنا لا أريد أن أنزلق فى هجوم على أحد ولكن أرجو أكابر رجال الدين، أن يزنوا كلامهم، لأننا لسنا فى وقت، يُمكن أن نراهن به على مستقبل بلادنا بخلق فتنة من العيار الثقيل. أنا متأكد أن الأمور سيتم الحفاظ عليها من الناحية الأمنية، ولكن، لماذا نزيد شحن القلوب بالكُره والحقد والبغضاء؟ هل هذا مُفيد لمصر فى تلك اللحظة؟
أرجوكم أن تستمعوا إلى صوت العقل، وتصونوا الأرواح، لأنكم بما تقولونه وتفعلونه، يمكنكم اليوم، المساهمة، مع آخرين، فى حل أزمات الفتن التى تصطبغ بصبغة الدين فى مصر! كونوا جزءا من مصر، وليس مُعادين لمصر والمصريين!
ومصر أولاً
* أستاذ علوم سياسية .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة