فكرت فى أن أقدم بلاغاً ضد حُكامنا العرب، وأيقنت أن النائب العام المصرى لن يكون الجهة المنوطة لمثل هذا البلاغ، أما الله، فإنى أتضرع إليه كل يوم، وأعرف أنه سيحل الأمر إن آجلاً أم عاجلاً، لأنه مُنجدنا جميعاً من الهُراء، ولكنى وجدت نفسى مُجبراً، أن أبلغ أصحاب الشأن المباشر فيما حل بهم من مصائب، تعقد مؤتمراً سنويا فاشلا، يسمونه مجازاً بالقمم العربية وما هو إلا تعبير عن غُثاء السيل! فلقد صُدمت من قراءة حوار السيد محمود عباس (أبو مازن)، "الصريح" جداً وللغاية، مع رؤساء تحرير الصحف المصرية، كما جاء فى جريدة المصرى اليوم، لأنه إن صح، فإن المنتج النهائى للأغلبية المُغيبة من شعوبنا، تصبح أمراً طبيعياً، مسلم به، لا يستوجب علينا الشكوى منه!
وأنقل إليكم الجزء الذى استنفرنى بشدة من حوار السيد أبو مازن، حيث كان السؤال: "وهل يختلف موقف القادة العرب عن موقف جامعة الدول العربية؟" وإجابة أبو مازن: "الجامعة بها 23 دولة، وكل دولة لها رأيها، وفى القمة الأخيرة بـ "سرت" قالوا "نحارب"، وأحصوا دباباتهم فوجدوها أكثر مما بحوزة إسرائيل، وكذلك فعلوا بالطيارات، وقالوا لدينا 2000 طائرة وإسرائيل لديها 1500 فنستطيع أن نهزمها، من يقول ذلك نسى أن إسرائيل لديها 250 مصنع سلاح، فما هى الدولة العربية غير مصر، التى تستطيع إنتاج طلقة؟" سؤال: "وماذا قلت لهم؟" وإجابة أبو مازن: قلت لهم "إذا كنتم تريدون الحرب فأنا معكم"، ثم بعد ذلك قلت: "أنا وراؤكم" ثم قالوا: "لا نبغى نحارب مش قصدنا"!!!!
هذا ما نقله لنا السيد أبو مازن، عن حديث بين "زعماء" عرب، "المختلفين" وفقاً لبداية وصفه هو، فى القمة العربية الأخيرة! وبعيداً، عن ما ندركه، فى أن هناك ما يجوز قوله، وما لا يجوز قوله، فقد أدركت، أن هناك "فراغاً" ثقافيا لدى القادة العرب، فيما يتعلق ببعض الجمل التالية، المتعلقة، بحساب الحرب، بمعايير الكم، وليس الكيف، وبمعايير "السكرة" وليس "الفكرة" وبمعايير "النزوة" وليس "الاستراتيجية" طويلة المدى!! ثم إن هناك إشكالية أكبر، فى أن القادة العرب يرون إسرائيل، هى المعضلة الأكبر التى تواجههم اليوم، وليس "الجهل"، عدونا الأول، الذى "يُعشش" فى القلب من أمتنا! هل كانوا يتصورون حرباً ضد إسرائيل، بينما القوى الكُبرى، تجلس مُشاهدة؟؟!! هل كانوا يتصورون أن المواطنين فى الدول المختلفة، سيذهبون للحرب، محملين بإيمان "مزيف"، يُبث إليهم من شيوخ الفضائيات، المزيفين؟ أى إيمان هذا، الذى كانوا يتصورون، وهم يقررون أمراً بمثل هذه الأهمية، ثم يقولون فى النهاية، أنهم "ما كانوا ليقصدوا" هذا الحديث؟ إن مثل هذا الحديث، حتى لا يرقى لأحاديث القادة قبل هزيمة "يونيو" 1967، أى قبل 43 سنة!! إن هذا الحديث يشابه، من يقرر أن يقوم بلعب دور على جهاز "البلاى ستشيشن" الخاص به!!!
إنى مندهش، غاية الاندهاش، بينما من يتكلم عنه السيد أبو مازن، هم "زعماء" العرب، ولكن يزول هذا الاندهاش، عند رؤية حال دولهم، واستعباد مواطنيهم، وعدم قدرة ولو دولة واحدة، على الوصول إلى الحداثة، المحلية، المصنعة ذاتياً، بينما يريدون أن يحاربوا بأسلحة مُصنعة فى الغرب، المُدعم الأساس لإسرائيل!!!
فياللبلاهة والتخلف، الذى أصابهم، إن كانوا يفكرون بتلك السطحية! أعتقد أنهم لديهم أسلحة سرية، تشمل، مُسدسات مياه وسيوف ليزر، مستوردة من الصين، وأنهم يتصورون أن الحرب، ستحدث بفرسان، شاهرين سيوفهم، على جياد عربية، ومنطلقين نحو إسرائيل، بهتاف حماسى: الله أكبر، .. دون إيمان به، كما آمن الأولون، لأنهم اليوم، يأخذون بالشكل، دون المضمون!
إننى أرسل بلاغى بكل ما جاء فى كلامى هذا، إلى المواطنين العرب، الذين يعيشون فى كنف قادة، أشبه بما أنتجوا من عقول لشعوبهم! فلم نسمع بعد عن القضاء على الفقر والجهل والمرض، ولكن القادة "الأغرار" يريدون حرباً مع إسرائيل! لم نسمع بعد عن "تضامن" وليس "وحدة" العرب، على أساس "المصلحة"، ولكن فقط وفقاً لقواعد "العشم" الزائلة، وهم يريدون محاربة إسرائيل!!! لم نسمع بعد عن حرية التعبير والإبداع والمعتقد، الممنوحة لكل مواطن عربى، وهم يتخذون قرارات غاية فى القمع!
يجب أن نطالب القادة العرب، بأن يتعلموا كيف يتخذون قراراً سياسياً، وأن يتعلموا دروساً فى السياسة، ومتى ينطقون ومتى يصمتون، وما الذى يقولوه فى الإعلام، وما الذى يسكتون عنه، لأنهم كثيراً ما يقولون أشياءً، ما يجب عليهم أن يتفوهوا بها! يجب أن نطالبهم بأن يلتفتوا للمشاكل المهمة فى بلادهم، بدلاً من الغموض الذى يكتنفهم، حتى نعلم الأخبار عنهم، من صحف العالم وإعلامه، حيث تبرز كل أخبارهم، بينما هم يقولون لنا الفتات! يجب وأن نقول لهم، أن يتعاملوا معنا، نحن الشعوب، بشفافية، وأن يعملوا على بناء سلام "قوى" بدلاً من التفوه بما لا يقدرون عليه وهم متفرقون! يجب وأن نطالبهم بـ"التضامن" على أسس المصالح المشتركة، وبناء مواطن قادر على مجابهة التحديات العالمية، بدلاً من "قعدات" الحظ، التى يمارسونها فى "سقطاتهم" الفاشلة، بدلاً من وصفها بالقمم، لأنها ليست كذلك!
أفيقوا يا قادة الأمة، لأن العالم يضحك عليكم، ونحن نبكى من أفعالكم! أفيقوا من أجل هذا المواطن المسكين، الذى يعانى، فى كل ما يحياه فى يومه وليله، من جراء ما تفعلون، وفكروا فى البناء بدلاً من الهدم، لأننا لسنا قادرين على المزيد من الهزائم، التى لن يكون فيها من الأمل شىء، إلا فى كونها ستقتلعكم من أماكنكم، التى لا تستحقون!
*أستاذ علوم سياسية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة