شريف حافظ

الشفافية وإلا احترق الوطن

الخميس، 29 يوليو 2010 06:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كتم العالمون بأبعاد حوادث الفتنة فى مصر، أنفاسهم منذ يوم الأحد الموافق 18 يوليو الماضى وحتى يوم الجمعة الموافق 23 من نفس الشهر، على خلفية اختفاء السيدة كاميليا شحاتة زاخر، زوجة كاهن دير مواس، تداوس سمعان رزق، الذى لا يعلم أحد كيف تم تعيينه فى سنه الشاب فى تلك المنطقة الحساسة من الوطن. وبينما كان الناس تحتفى فى حالة من الفرح، لأن من اتضحت أن كاميليا اختفت لديها، ما هى إلا ابنة خالتها بالقاهرة، السيدة لورا وصفى يوسف، على خلفية خلافها الزوجى مع زوجها الكاهن، إذ بكثير من الأقباط يتهامسون، بما فى ذلك كُهان بصعيد مصر، بأن القصة ليست مثلما ظهر بالإعلام، وأن السيدة كاميليا إنما اختطفت بالفعل، فى إشارة واضحة لاتهام كلٍ من أجهزة الدولة والكنيسة، بالكذب الواضح، وأن من أعادها، هو مسئول أمنى كبير للغاية!! بل إننى أصابنى الذهول من كم التخبط الذى يحياه هؤلاء، عندما قال لى أحد الأقباط صبيحة يوم الأربعاء 28 يوليو، بأن كاميليا لم تعد بعد من حال إختفائها!!!

إن ما حدث، بالإضافة إلى تهامس "الكثير" من الأقباط، يطرح الكثير من الأسئلة حول هذا الحادث، للقضاء على "الظاهرة" الأكبر، التى يقول بها الأقباط والتى أكدها الصحفى إبراهيم عيسى مؤخراً، فى مقاله "لن تكون الأخيرة"، والممثلة فى خطف إناث المسيحيين فى صعيد مصر، على يد جماعات إسلامية سلفية، والظاهرة الأكبر منها، التى نسميها مجازاً بالفتنة الطائفية! فلقد وافانى بعض الأصدقاء من الأقباط بأنه فى اليوم نفسه الذى اختفت فيه كاميليا، اختفت أيضاً بنتان مسيحيتان قاصرتان أخريان، من الصعيد، وهنا يُطرح السؤال، لو صح هذا الكلام، حول دور الكنيسة أو إعلام الدولة فى تناول اختفاء الفتيات، وإن كانت الكنيسة والدولة، تهتمان "فقط"، باختفاء الإناث، الذين يمتون للكنيسة بصلة، وإن كانت المسألة بها "خيار وفقوس" فيما يتعلق بأمن المواطن المسيحى فى مصر، أم أن هذا المواطن يُشعر بحال من الشيزوفرنيا الفائقة!

إن ما حدث، واعتراف الكاهن، أن الأمر لا يعدو أن يكون غضب الزوجة وترك البيت، إنما يطرح أيضاً، مسألة الطلاق والزواج الثانى، فى المجتمع المسيحى المصرى، بقوة أكبر بكثير، كون تلك الغاضبة التى تركت البيت، زوجة كاهن، ذا صفات دينية لا متناهية فى الكنيسة المصرية، مما يجعل الأمر أشد وطأة وتأثيراً، بل وتكذيباً لكل ما يُقال من داخل المعقل الكنسى، حول حرمانية الطلاق والزواج الثانى!! فتلك التى اختفت يوم الأحد 18 يوليو لمدة 5 أيام دون أن تنبس بكلمة، رغم معرفتها بالأزمة التى خلفتها، مما يُفترض تعريضها للمُسائلة القانونية، كون اختفائها كاد يُشعل حرائق طائفية بالوطن، وحيث لا يعلم مكانها الآن إلا الله والكنيسة التى أخفتها، كما أخفت وفاء قنسطنطين من قبلها - يجب أن تأتى لتتكلم على الملأ، حول مشاكلها الزوجية! كما يجب أن يتكلم زوجها، وهو أحد شخوص الكنيسة، الذى تسبب فى إشعال نار الفتنة فى مصر، مع سبق الإصرار والترصد، مما يستوجب عقابه عقاباً دينياً هو الشلح ومدنياً هو المحاكمة، وإلا أحاطت المزيد من علامات الاستفهام، حول دور مسئولى الكنيسة فى تأجيج الفتن فى مصر! يجب أن تتكلم زوجة الكاهن والكاهن فى برامج "توك شو" يشاهدها من يريد من المصريين، بحرية كاملة، وأن تحيا الزوجة بعد معاقبتها على تعمد إشعال الفتنة، بحرية كاملة، وليس فى دير، كما يراد لها، لأنها مواطنة مصرية حرة لا يسيطر عليها أحد غير قانون الدولة، وليس غيره، ولأننا كمواطنين، لا يمكن أن نحيا فى المنطقة المعلوماتية "الهُلامية" إلى الأبد، ويجب أن نعرف كل شىء عن هذا الحادث وأى حادث قادم من هذا النوع!

من الواضح للغاية، أن من يُمنح دوراً سياسياً، أكثر من حقه الطبيعى، وزيادة على دوره الدينى التقليدى، تصبح "عينه" دائما على من قدم له دوراً إضافياً، لا يجب أن يتم منحه إياه، وبالتالى، فإن الكنيسة المرقسية القبطية، إنما تعمل فقط على حماية مصالحها، دون حماية مجمل مصالح الأقباط فى مصر، وإلا كانت ظاهرة خطف الإناث تلك، قد توقفت منذ زمن، لو أن هناك مصداقية، من قبل الكنيسة، التى استطاعت بالضغط، إرجاع وفاء قنسطنطين يوماً ما!! فلا يمكن تصور أن تكون قضية خطف الإناث المسيحيات فى صعيد مصر "ظاهرة" والكنيسة المرقسية ممثلة فى البابا، لم تتقدم ولو مرة واحدة ببلاغ للنائب العام حول تلك الظاهرة، وإلا أصبح هناك اتهام بالتواطؤ من قبلها!! ولا يمكن تقبل أية مبررات فى تلك الحالة!!

كما أن دور الأمن فى الحادث الأخير، لهو دور غريب، حيث لم تطالعنا أى بيانات رسمية حول أمر كاميليا، وظهر دور الأمن وكأنه شىء فرعي، وتحرك الأقباط المتظاهرون سواء فى ديرمواس أو إلى الكتدرائية المرقسية بالعباسية بعشرة أوتوبيسات حيث تظاهروا، وكأنه لا وجود لهذا الأمن. فهل تمت خصخصة الأمن لصالح النظام فقط، بحيث لا يظهر إلا لتأمين المسئولين دون البلاد والشعب المصرى، ككل؟ هل الأمن مأمور بترك الأمور تجرى بعشوائية، فى صالح الدولة المدنية؟ ولكن هذا لا يقيم دولة مدنية وإنما دولة فوضوية!!

ما هى قصة خطف الجماعات الإسلامية للإناث من مسيحيات فى الصعيد؟ وكيف يكون لتلك الجماعات هذا الكم من الحرية فى الصعيد؟ أين الأمن هنا؟ وكيف انتشرت ظاهرة كتلك؟ كيف تطور الأمر لهذا الحال؟ لماذا لا توجد شفافية كافية فى هذا الأمر؟ لماذا يُترك الأمر للشائعات، لتنتشر كالنار فى الهشيم؟ ما هى رؤية الدولة وأمنها، لهذا الأمر؟ وكيف ترى الكنيسة تلك القضية؟ ما هذا الغموض الذى يلفنا حول مواطنين مصريين فى الوطن؟ لما تُترك كل تلك السطوة لبعض الجماعات الشاردة؟ هل تلك صفقة حكومية أو كنسية ما، لزيادة قوة أى منهما، والظهور بدور البطلولة فى النهاية؟ أعتقد أننا نحتاج إلى أمن ونظام أكثر فى مصر فيما يخص تأمين المواطن وليس الأمن ضده، بحيث لا تنزلق الأمور فى لحظة "غير محسوبة" إلى ما لا يُحمد عُقباه، فيخرج كل شىء عن السيطرة المزعومة، لتحدث "لبننة" للبلاد!!

إننا فى حاجة إلى قانون "إتاحة معلومات" فى مصر، فى الأمور التى تنتشر فيها الإشاعات، وتصبح الإشاعة أقوى من كل ما حولها من أمور، تتعرض مصداقيتها إلى التشويه، فى ظل انعدام واضح للثقة بين الدولة والمواطن. لقد ظهرت فى الكثير من الدول، قوانين "إتاحة المعلومات" بشكل أدى إلى الكثير من الشفافية، بحيث أصبحت الحقائق ظاهرة للعيان، مما قلل ذاك الشك المتبادل وأقام قاعدة قوية من الأمن والاستقرار فى البلاد المختلفة، فلما لم يظهر مثل هذا القانون فى مصر حتى الآن رغم ظهوره فى الكثير من دول العالم، بما فى ذلك فى دول متخلفة منذ أمد؟ إنه يقلل من الفساد والشك فى الأنظمة السياسية ويصبح كاشفاً للدولة، ويمنع الفوضى ويؤسس للاستقرار! فهل الدولة لا تريد هذا حتى يستمر الحال الغامض الفوضوى، الذى نحياه؟

إن قضية اختفاء زوجة الكاهن الماضية تلك، وما صاحبها من إشاعات وأحداث مؤسفة، أظهرت وبشدة، حاجتنا الماسة إلى الشفافية ما بين النظام والشعب، وهو الأمر، الذى إن لم يحدث قريباً، بإمكانه أن يحرق الوطن، وبالذات فى الشأن الطائفي، الذى تنعدم فيه الثقة أكثر من أى شىء آخر!!
*أستاذ علوم سياسية






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة