شريف حافظ

مصر شجرة قلوبنا

الخميس، 22 يوليو 2010 07:27 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أسمع داليدا رحمها الله، وهى تغنى بكلمات المبدع صلاح جاهين "سالمة يا سلامة"، فاذا بى ألتفت إلى المقطع الذى تقول فيه: "فيه شجرة جوه جنينة عليها علامة، أنا ياما كنت بفكر فيها وبسأل ياما: يا ترى موجودة وقلبى محفوظ فيها؟" لم أكن لأشك أن تلك الشجرة، هى مصر، بشكل من الأشكال التى توجد فى حديقة العالم ككل، ولقد عاد الكثير من المواطنين إليها، رغم أنهم كانوا دوماً يحيون فيها.

إلا أن ما كان يسيطر على الجميع، كان الزيف والنفاق، ولا يزال الكثير منا بعيدين عن تلك الشجرة، نقاوم الوصول إليها. مازلنا نقول إننا نحب مصر، فقط عندما نلعب الكرة، وتوجد بيننا وحدة، فقط عند إفطارات الوحدة الوطنية فى رمضان، ونهتم بالسياسة فقط عند إجراء الانتخابات السياسية، ونحب العِلم فقط وقت الامتحانات، ونعشق النظام، فقط وقت اصطفاف الصفوف للصلاة، ونقف فى محاريب الدين، فقط عند ذكر النصوص دون الأعمال، بينما هذا كله، يجب وأن يكون كلا متكاملا، يكون شخصيتنا دوماً، فلا ندافع فقط عن الفضيلة فى مواقيت محددة، بينما الأوقات الأخرى لا تظهر منا الأفعال التى من شأنها أن تُعلى من قيمة بلادنا. ليس حب الوطن والعمل على صلاح مواطنيه ومواطناته، عملاً وقتياً، محدداً بحيز معين، ولكنه عمل دائم، تخلقه حاجة دائمة من أجل التقدم والنمو للأجيال الحالية والقادمة.

إن كان هناك من يرون أن الحروب فقط هى التى تُحرر الإنسان من قيوده، فإنهم مُخطئون، لأن هناك معارك حامية الوطيس أكثر من ميادين الحروب، وتلك هى معارك التنمية، فما فعله المواطنون حيال مقتل خالد سعيد، إنما هو عودة للوطن! وما يفعلونه حيال الحديث عن أجورهم وحقوقهم والمناداة بالعدل فى الدولة، إنما هو أيضاً عودة إلى الوطن! وما يفعلونه حيال المؤسسات الدينية التى تريد "استعمار" قلوبهم، إنما يُشكل حنيناً إلى الماضى الذى كان فيه الدين للجميع وليس فقط لمن يخطف الدين ويقول بكونه الوحيد الذى له حق تفسير النصوص، فى إطار رؤية ضيقة لا تخدم إلا مصالحه ومصالح ثُلة قليلة من المنتفعين! وتلك معارك طويلة، لن تنتهى فى وقت قليل، ولكن ربما ستأخذ سنوات طوالاً، وكنت أطلع منذ عدة أيام على مجهودات دول أوروبا والولايات المتحدة فى إرساء الديمقراطية والحقوق المدنية، فوجدت أن حقوق السود، قد تم المناداة بها قبل أن يحصلوا على تلك الحقوق بعقود، واليوم لديهم رئيس أسود على عرش الولايات المتحدة الأمريكية!!

ويوماً بعد يوم، ومع الممارسة ومع الدخول فى معترك الاهتمام بالوطن، ندرك معاً أهمية قضايا بعينها، سواء كان يتم تناولها بشكل عقيم أو كان لا يتم تناولها على الإطلاق، ورأيناها بينما نحن فى طريقنا إلى تنمية هذا الوطن. وتلك الأشياء التى كنا ننظر إليها على أنها بعيدة المنال، وخاصة فقط بدول بعيدة، نجد اليوم أننا نستحقها وأننا لسنا أقل من أى من تلك الدول وتلك الشعوب البعيدة.

ونجد أننا جميعاً فى مركبٍ واحد، وأن الحروب التى يختلقها بعض المواطنين ضد البعض الآخر، على خلفيات الحصانة أو الأديان على سبيل المثال لا الحصر، إنما هى حروب جوفاء، لأن الأديان لله وفى قلوب العباد التى لا يسيطر عليها إلا الله ولا يتحكم فى شخص من تلك الزاوية إلا ضميره، بينما الحصانة، يُفترض أن تكون لجميع المواطنين، وليكن العدل، هو حصانة الجميع. فمن يطلب حصانة لكى يكون "فوق" الناس، لا يجب منحه أية حصانة، وأنا فى ذلك أرفض الحصانة، حتى للقُضاة والمحامين والصحفيين وأعضاء مجلس الشعب والشورى! فلما هذا الإصرار على الحصانة والخلاف حولها، إلا إذا كان وراءها ما لا يمنح الناس الحقوق، ولا يؤدى الواجبات نحوهم؟

إن إخلاصنا فى العمل من أجل مصر، وليس لعيون غيرها، وخوض المعركة من أجل شعبها بهذا الإخلاص، بعيداً عن النفاق والزيف، هو الحصانة الأصيلة للدولة والجميع بها، وهى الضامن للنمو والتقدم والبعد عن الغلو فى أى شىء، فى إطار أخوتنا جميعاً لنسمع الإجابة التى أجاب بها الرائع صلاح جاهين على لسان داليدا (مع التعديل الذى يضم الكل): أيوه موجودة وقلوبنا محفوظة فيها!

*أستاذ علوم سياسية









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة