كأس العالم.. هذه الاحتفالية العالمية التى يعشقها العالم أجمع، وتتبارى الدول ويتنافس اللاعبون لينالوا شرف الحضور فيها والاستمتاع فى تجمع العالم من شرقه لغربه، أما نحن العرب فما زلنا نتجرع المرارة تلو الأخرى، كون موقع لاعبينا على شبه الدوام مقاعد الجمهور أو البديل والملحق ...أما المواطن العربى فيكتفى باختيار منتخب عالمى يهديه مشاعره ساعيا لخلق كيمياء من التفاعل والتلون بعلم هذا المنتخب أو ذاك، ويفتعل سجال وحماس للمنتخب الأجنبى مع زملائه وأصحابه الذين يماثلونه أو يخالفونه...ويصر كأس العالم أن يذيقنا نحن العرب كأس مرارة الغياب عن احتفالاته أو اقتصار استقباله لنا فى المقاعد الخلفية والأدوار الأولى.فهل أصبح هذا الكأس عدوا لنا أم أنه ما زال يترفع أن يقترب منه أو يشرب نخوته عربى..
بامتياز يؤكد هذا المهرجان العالمى أنه منتج غربى، خرج من رحم حضارة تحكم العالم، فترفها ولهوها فيه طبيعى من بعد ما اجتهدت وبنت وتفوقت ومن ثم سيطرت واستعمرت، وما كرة القدم إلا أنظومة وفعالية فى سياق أنظمة وفلسفة العالم الرأسمالى، حيث تصبغه كاملا بماديتها وتبدع يوما بعد آخر فى جنى عوائده.
فهل التفوق الرياضى حقا يمثل انعكاسا للتقدم الحضارى، وهل كرة القدم تعد نموذجا للرقى والتطور والعالمية، هل حقا الرياضة ومن خلفها الكرة ميزان الذهب للأمم، وإن كان ذاك فأين نحن العرب من السوق وما تصنيفنا على سلم الكرة، وهل ينقصنا الرجال أو المال، على العكس تماما فلأجل الكرة خذ ما تشاء وأنفق ما تشاء ولو مات الملايين من شعبك جوعا ومرضا فهم راضون إن أسعدتهم بهدف أو فوز، أو لربما تنقصنا الخبرات والكفاءات وما أكثرها من الغرب كفاءات فى دولنا واتحاداتنا وفرقنا، قد يكون ما ينقصنا شيئا ليس مما ذكرناه وقد يأتينا به من لم يولد بعد.
كم هو مؤلم هو غياب العرب عن منافسات كأس العالم، ناهيك عن وجع عدم التأهل له، لكن المؤلم أكثر غياب العرب عن ركب الحضارة، وتسليمهم كاس الهداية والإمامة والقيادة إلى أهل الغرب الذى لوّثوا الكأس وصبوا فيه نبيذا احمرا بطعم الدم، وملئوه مادية مجردة من كل عدل واستقامة، ومؤلم أكثر أننا لا نشعر أن غيابنا كأمة عربية إسلامية تحمل الرسالة للعالم قد أصبحنا أثرا بعد عين، وكرة فى أقدام سائر الدول، نتوجّع لعدم التأهل لكأس العالم ونبكى لخسارتنا مباراة وما يوجعنا وما يبكينا حالنا الذى وصلنا إليه، والأشدّ مصيبة وألما أن نغرق فى أحلام الكأس ومرارة غيابنا عنه ونتجاهل وننسى أحوالنا المقيتة ونحيا اللامبالاة تجاه أوضاع امتنا المأساوية ناهيك عن غيابنا عن قيادة العالم بل ركبه حتى.
ومع كل الآلام ومرارة الآمال ففى كأس العالم أيضا الكثير من العزاء لنا، لسنا وحدنا من يغيب عن هذه الاحتفالية العالمية، ولسنا وحدنا فى ذيل طابور كرة القدم، الكثير الكثير من عظام الدول وكبار الأمم مثلنا أو أقل شأنا، ولنا فى الصين وماليزيا والهند وباكستان وروسيا وغيرهم الكثير الكثير، لنا فيهم عزاء وفى حالهم الكروى ما يخفف مصابنا، لكن هل لنا من اعتبار فى حال هذه الدول بعيدا عن كرة القدم، هل لنا اعتبار فيما وصلوا إليه من تقدم وتطور تكنولوجى واقتصادى وسياسى وعسكرى وثقافى واجتماعى وما وما وما .. .ومع ذلك هناك أيضا الكثير من الدول المتأهلة ليس حالها بأحسن من حالنا، فليست هى إذن نهاية الآمال.
جميل الاستمتاع بالكرة ومتابعتها والإثارة التى تصنعها، وجميل أكثر أن نتعلم ما وراء الكرة، وألا نكتفى بمقاعد الجمهور وأن يكون دورنا فقط( نظّارة).ففى صناعة كأس العالم الكثير الكثير أيضا لنتعلمه من حسن التخطيط والتنظيم والدعاية والتسويق والسياسة والاقتصاد وغيره.إن المتفكر فى أحوال كأس العالم، وفيمن حضره من الدول وفيمن غاب عنه يبصر الكثير من العبر والاعتبار ويرى أيضا الكثير من العزاء، لكن هل من معتبر وهل من منتبه.
طارق الجعبرى يكتب: كأس العالم.. الكثير من العزاء والقليل من الاعتبار
الإثنين، 28 يونيو 2010 06:54 م