◄◄ المحكمة ألزمت الداخلية بدفع 25 مليون جنيه تعويضات لمعتقلين منذ عامين.. ومعتقل واحد حصل على 300 ألف جنيه
ما فعلته الدولة وهى تمرر قانون الطوارئ هذه المرة أمر يستحق أن نتوقف أمامه، ربما لأن الدولة حاولت فى هذه المرة، وعلى عكس كل مرات التمديد السابقة، أن تلون وجهها بقليل من حمرة الخجل من خلال تعديل صورى على القانون الذى يقف عثرة فى طريق الإصلاح، وربما لأن الدولة بدأت أخيرا تضع فى حساباتها أن الشارع غضبان، وأن تمرير الطوارئ بالعافية ودون مراعاة لمشاعر الناس- كما كان يحدث فى كل مرة- ليس فى صالحها تماما، لهذا حاولت أن تمسك «العصاية من النص»، ولم تجد أجمل من الطريقة القديمة لفعل ذلك، فسارعت على الفور بتلبيس البوصة لكى تصبح عروسة، حتى لو اقتصرت رؤية هذه العروسة على بعض من هؤلاء الذين لا يتمتعون بحسن الرؤية..
الأهم أن تجد الدولة ما تبرر به تمديد القانون، حتى لو لم يكن منطقيا، والأهم من هذا وذاك هو أن الدولة حاولت أن تمنح وسائل إعلامها ومثقفيها ومنظريها أداة جديدة يمررون من خلالها عملية تمديد القانون إلى عقول الناس، وطبعا ليس هناك ما هو أجمل من فكرة أن القانون الذى تم تمريره هذا العام ليس هو قانون الطوارئ الذى يكمم الأفواه والحريات، بل هو قانون جديد لايراقب الرسائل البريدية، ولا يتنصت على الهواتف وسيتم تطبيقه على الجماعة الوحشين بتوع الإرهاب والمخدرات.
هكذا تم التعديل وعلى هذا الأساس تم التمديد، وهكذا دافعوا عنه فى صحف الحكومة وتليفزيونها، غافلين عن أن كل ماقيل عن هذا التعديل من تبرير وتفسير هو إدانة واضحة من الدولة لقانون الطوارئ، والتى كانت تحاول إقناعنا طوال السنوات الماضية بأنه درع الحماية التى تحمى الوطن من الشرور دون أن يؤثر على حقوق الإنسان فى التعبير والحريات عموماً.. باختصار حاولت الدولة أن تكحل قانون الطوارئ لتمديده فاعترفت دون أن تدرى أنه كان أسوأ القوانين الأرضية على وجه الإطلاق..
وكان واضحاً من تصريحات كبار المسؤولين أن هناك رغبة فى إثبات أن التعديل الذى طرأ على القانون هو بحق ثورة وخطوة أصيلة على طريق الإصلاح السياسى الذى وعد الرئيس بالمضى قدما فيه، لدرجة أن حماس رجل محنك وخبير مثل الدكتور فتحى سرور قاده لأن يطلق تصريحا هو الأخطر منذ سنوات والأكثر خطورة فى مسألة تمديد قانون الطورائ.. حيث قال رئيس مجلس الشعب إن التعديلات التى أجريت على قانون الطوارئ ستكفل خروج المعتقلين من السجون قريباً.. التصريح نشرته الجمهورية «مانشيت» بالأحمر وكررته الأهرام فى صفحاتها واحتفل به المقربون من السلطة وكأنه إنجاز للدولة رغم أنه يحمل إدانة واضحة وتأكيدا أوضح لكل اتهامات المعارضة خلال السنوات الماضية بخصوص الدولة البوليسية وبخصوص السجون التى تمتلئ بالآلاف الذين تم اعتقالهم إدارياً تحت مظلة قانون الطوارئ دون ذنب ودون سند قانونى..
هكذا ببساطة اعترف الدكتور فتحى سرور، وهكذا ببساطة أكد كل التقارير الحقوقية سواء تلك الصادرة عن منظمات أجنبية أو مصرية التى كانت تتحدث عن الأعداد المهولة والمظلومة للمعتقلين داخل السجون المصرية بسبب قانون الطوارئ.
قال الدكتور سرور تصريحه فى محاولة للمشاركة فى عملية تجميل القانون لكى يمر تمديده دون مشاكل، فسقط فى فخ إدانة الدولة وربما تكلفة خزانتها ملايين الجنيهات.. وفيما يخص الإدانة التى حملها تصريح الدكتور سرور فقد تحدثنا عنه، أما فيما يخص ما قد يكلفه هذا التصريح لخزانة الدولة فهو مايمكن أن نتابعه معا فى السطور القادمة.. قانونياً وحقوقياً من حق أى معتقل سياسى أو غيره صدر بشأنه قرار اعتقال إدارى أن يحصل على تعويض عن فترة اعتقاله، وذلك للأضرار المادية والأدبية التى تحدث له خلال فترة الاعتقال، وهناك طرق قانونية يحصل من خلالها على التعويض عن طريق إقامة الدعاوى القضائية أمام مجلس الدولة ضد وزير الداخلية ويتم الحكم فيها بالتعويض للمعتقل على حجم الأضرار التى تعرض لها خلال الفترة الزمنية التى قضاها فى المعتقل.
بناء على ما سبق، يصبح من حق كل معتقل تحدث عنه الدكتور سرور أو تم اعتقاله بناء على قرار إدارى تحت مظلة الإجراءات التعسفية لقانون الطوارئ أن يرفع قضية تعويض على وزارة الداخلية أو الدولة، بمعنى أصح، ليطالب بتعويضه عن السنوات التى قضاها خلف القضبان بغير ذنب، هذا بخلاف أن من تعرض منهم للتعذيب يمكنه أيضاً أن يتقدم بدعوى تعويض عما تعرض له، ويمكن للأهل أيضاً أن يتقدموا بتعويض خاص بهم، كما يمكن للمعتقل أن يتقدم بطلب تعويض مدنى، ويمكنك ببساطة أن تقول إن أغلب قضايا التعويض هذه ستكون مضمونة لأن معظم الذين تم اعتقالهم تحت مظلة قانون الطوارئ صدر لهم أكثر من قرار إخلاء سبيل ولم يتم تنفيذه.. نحن إذن أمام قضايا كسبانة بلغة المحامين، بل قضايا لها نماذج سابقة استطاع المعتقلون خلالها أن يحصلوا على حقهم من وزارة الداخلية على هيئة تعويضات بآلاف الجنيهات لكل فرد، وفى عام 2008 نموذج واضح لما يمكن أن تتكبده الدولة من خسائر بسبب التعويضات، ففى أغسطس من هذا العام وافقت وزارة الداخلية على صرف تعويضات لحوالى 1000 معتقل من الجماعات الإسلامية، كانوا قد حصلوا على أحكام قضائية بالتعويض عن فترات الاعتقال.
وكان إجمالى المبالغ التى وافقت إدارة الشؤون القانونية بوزارة الداخلية على صرفها للمعتقلين حوالى 25 مليون جنيه، وكان من بين هذه القضايا نموذج لمعتقل يدعى أبوزيد عطية السيد، من محافظة المنوفية، حكمت له المحكمة بتعويض قدره 300 ألف جنيه بسبب طول فترة اعتقاله وبسبب ماتعرض له من تعذيب.
هذه القضايا رفعها أصحابها من المعتقلين وأهاليهم ويوجد المئات غيرها فى المحاكم تنتظر القول الفصل، والآلاف غيرها تنتظر موافقة وزارة الداخلية على صرف شيكات التعويض، ولاحظ معى أن هذه القضية التى حكمت المحكمة لأصحابها بالتعويضات التى تعدت الآلاف رفعها أصحابها وتم الحكم فيها فى ظل تطبيق قانون الطوارئ بشكله القديم وقبل أن يعترف الدكتور فتحى سرور بأن المعتقلين الموجودين فى السجون يستحقون الإفراج الفورى طبقا للتعديل الجديد، وبالتالى فإن تصريح الدكتور سرور يعنى أن المعتقلين الواجب الإفراج عنهم طبقا للتعديلات الجديدة من حقهم رفع قضايا تعويض، ومن حقهم استخدام تصريح الدكتور سرور لدعم دعواهم، وبحسبة بسيطة لأعداد المعتقلين فى السجون المصرية وفقا لإجراءات قانون الطوارئ وتحديدا المادة 3 يمكننا أن نصل للتكلفة الإجمالية بشكل تقريبى.
التقرير الثانى للمجلس القومى لحقوق الإنسان الذى اعترف بأن عدد المعتقلين بدون اتهام أو محاكمة يقدر بالآلاف، واستشهد هذا التقرير الذى تعرض لانتقادات حكومية وقتها بتقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر فى العام نفسه عن وضع حقوق الإنسان فى مصر، والذى قال إن عدد المعتقلين فى مصر يصل إلى نحو عشرة آلاف معتقل، ومنذ عامين قالت منظمة العفو الدولية فى تقريرها السنوى الذى صدر تحت عنوان (60 عاماً من الإخفاق على صعيد حقوق الإنسان) إن عدد المعتقلين إدارياً فى مصر وصل إلى 18 ألف شخص أغلبهم حاصل على أحكام فورية بالإفراج، هذا بخلاف آلاف من المعتقلين الذين تصدر جماعة الإخوان المسلمين بشأنهم إحصائيات دورية.
ولكن بما أن الحكومة المصرية لن تعترف بوجود 18 ألف معتقل فى سجونها، ولأن فكرة الإفراج عن هذا العدد المهول ستظل حلما بعيدا، فيمكنك أن تبنى حساباتك على متوسط هذه الأرقام، أى على 10 آلاف معتقل إدارى من حق كل واحد منهم ومن حق أهاليهم أن يقوموا برفع دعوى تعويض عن سنوات السجن والتعذيب، وإذا رجعنا إلى نموذج معتقل الجماعات الإسلامية الذى حكمت له المحكمة بتعويض 300 ألف جنيه تعويضا عن سنوات السجن والتعذيب، فسوف تجد الدولة نفسها أمام أحكام قضائية واجبة التنفيذ تطالبها بدفع أكثر من 3 مليارات جنيه كتعويضات لمن أخذهم قانون الطوارئ فى رجليه تحت مظلة الحجة المطاطة والجاهزة المسماة بحماية الأمن العام، فهل ستسمح الدولة بذلك؟ هل ستعترف بحقوق هؤلاء الغلابة الذى يقبع أغلبهم خلف القضبان منذ التسعينيات؟ هل ستعترف بحقوق الآباء والأمهات والأبناء الذين حرمهم الطوارئ من أحبائهم؟ وهل كان الدكتور سرور يعنى ما يقول فعلا حينما تحدث عن الإفراج عن المعتقلين أم أنه كان يبحث عن أى ماشطة ليجمل بها الوجه العكر لقانون الطوارئ؟
لمعلوماتك...
◄15 مايو 1980 رفعت حالة الطوارئ فى عهد السادات
◄6 أكتوبر 1981 عادت حالة الطوارئ مرة أخرى بعد اغتياله