نشرت اليوم السابع، فى عددها الماضى، ملفاً أعده الأستاذ وائل السمرى، حمل عنواناً مدهشاً: "رد الاعتبار للشهيد سيد قطب". وإن كانت قضية محاولة اغتيال الرئيس عبدالناصر فى 1954، والتى اعتقل على خلفيتها سيد قطب ضمن آخرين، يختلف على حقيقتها البعض، ما بين منكر لها ومعتبرا أنها تمثيلية للإيقاع بالإخوان، ومؤكد لها من بين الإخوان أنفسهم، إلا أنه لا أحد بما فى ذلك أنصار «قطب» أنفسهم يعتقدون أن ما حدث فى 1965، من سعى بعض كوادر الإخوان للقيام بعمليات انتقامية ضد رموز النظام استباقا لما اعتقدوا أنها اعتقالات يخطط لها النظام، اتهامات من قبيل الاتهامات التى دأب النظام فى بعض مراحله على إلصاقها بمعارضيه..
بل إن أصلب المدافعين عن سيد قطب لم يستطيعوا إنكار أنه أسس نظرياً لما حاول أن يقدم عليه عمليا فى عام 1965، عبر كتابيه الشهيرين (فى ظلال القرآن فى طبعته الثانية) و(معالم فى الطريق). ولكن هؤلاء المدافعين من جوقة المرشد الجديد الدكتور محمد بديع ونائبه السيد محمود عزت، طلعوا علينا بمصطلح جديد، فى محاولة لتجميل صورة الرجل وإعادة بعث أفكاره من جديد أطلقوا عليه «اللغة المجازية لسيد قطب»، تلك التى أربكت قارئيه وأصابتهم بهذا الخلط.
فها هو المرشد العام الجديد لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، التلميذ النجيب لسيد قطب، يؤكد فى حواره لبرنامج العاشرة مساء فى فضائية دريم، يوم الأربعاء الماضى، على أن سيد قطب قد فهم خطأ من قبل البعض، (يتصادف أن البعض الذى يذكره بديع يمثل كافة الحركات الإسلامية المتشددة بدءاً بمجموعة القضية العسكرية بقيادة صالح سرية وانتهاء بالقاعدة بقيادة أسامة بن لادن مروراً بتنظيمات الجماعات الإسلامية والجهاد، وعدد لا بأس به من تنظيمات العنف المنتشرة فى العالم، إضافة لعلماء أفذاذ على رأسهم الدكتور يوسف القرضاوى).
ويشدد بديع على أن قطب ليس مسئولا عن فهم هؤلاء، مؤكدا أن الوزر (الذنب) فى هذه الحالة لا يقع على عاتق "قطب"، لأنه لم يقم بتكفير أحد ولكنه استخدم "لغة مجازية" أوصلت معانى خاطئة لمن قرأوا أفكاره، وهذه اللغة جاءت نتيجة تأثر "قطب" بدراسته وعمله كناقد أدبى. وعلى ذات المنهج، يمضى نائبه ورفيق زنزانته السيد محمود عزت فى الحوار الذى أجرته معه جريدة "المصرى اليوم"، وتصادف أن ينشر فى اليوم التالى لإذاعة حوار المرشد العام بفضائية دريم (الخميس الماضى)، حيث أكد عزت أن الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – قد أجمع العلماء بناء على كتبه التى قرأوها أنه لا يحمل إلا أفكارا سليمة بعيدة عن العنف الذى ذكره بعض المخطئين، وعندما بادره محرر الجريدة بسؤال حول السبب وراء اتهام سيد قطب بالتشدد والعنف، رد عزت بالنص قائلاً: "عن طريق نفر قليل يهدفون إلى تشويه صورة الإخوان". حملة محمومة، إذن، تهدف إلى تنظيف سمعة الرجل، مقصود بها تلاميذه بالأساس، وهو ما دفعنا لكتابة هذه السطور عملا بالحديث الشريف "الساكت عن الحق شيطان أخرس".
ثمانى ملاحظات:
قسم الأستاذ "وائل السمرى" الملف إلى عدة أقسام، حوى كل قسم منها أفكاراً رئيسية نحصرها جميعا فى الآتى:
الأولى: تتحدث عن دماثة خلق سيد قطب وعلو همته، وهو ما لا يختلف عليه أحد، لكنه فى ذات الوقت لا يمنع إطلاقاً من تبنى الذين يتمتعون بهذه الصفات لأفكار، وارتكابهم لأعمال تصب جميعها فى خانة العنف والإرهاب وإقصاء الآخر بالقوة، وهو ما سنتحدث عنه تفصيلاً فيما بعد.
الثانية: الحديث عن المرحلة الفكرية الأولى لسيد قطب، كونه أديباً وناقداً لا يشق له غبار.
الثالثة: فكرة قبول ودعوة قطب للدولة المدنية تأسيسا على مقولته المشهورة، إن ما فعلوه كان رد فعل على تعسف النظام وعدم استخدامه القانون فى مواجهتهم، حتى وإن كان هذا القانون وضعيا.
الرابعة: ما جاء على لسان الدكتور طاهر مكى من حديث يقطر عذوبة عن سيد قطب، الذى لم يره سوى مرتين فى حياته.
الخامسة: دفاع الأستاذ محمد قطب عن شقيقه، باعتباره لم يقصد كل ما فهم من أفكاره وأنه لم يقم بتكفير أحد.
السادسة: شهادة المرشد العام الثالث للجماعة الأستاذ عمر التلمسانى عن سيد قطب.
السابعة: الاستشهاد بتكفير السلفيين لقطب من خلال رؤيتهم لما قدمه قطب حول ما
سمى "بالفتنة الكبرى" بين علىّ بن أبى طالب ومعاوية ابن أبى سفيان، والتى انتهت بمقتل علىّ. والمقارنة بينه وبين محمد عبده.
الثامنة: وأختم بملاحظة أخيرة حول مدى تأثر تيار السلفية الجهادية بأفكار سيد قطب.
ولنبدأ بالأولى:
وليسمح لى القارئ أن أحكى له تجربة شخصية، حتى لا نوغل فى الأحاديث النظرية. ربما ما زال البعض منكم يتذكر أعمال العنف التى قامت بها "الجماعة الإسلامية المصرية"، وجناحها العسكرى، فى تسعينات القرن الماضى، والتى بدأت باغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب فى عام 1992، وانتهت بحادث الدير البحرى، الذى أعلنت الجماعة – قبله بقليل- وقف العنف فى يوليو1997.
وبين التاريخين سقط على أرض مصر مئات الأنفس البريئة من مواطنين مسلمين وأقباط وسياح أجانب ورجال شرطة وجنود بسطاء، وكان يقف على رأس الجناح العسكرى للجماعة طوال تلك الفترة، صديق طفولتى وصباى وزميل دراستى، حتى انتهاء المرحلة الثانوية، الدكتور صفوت أحمد عبدالغنى. هذا الشاب الوديع الخجول، شديد الأدب، ذو الابتسامة الساحرة الأخاذة. زاملته اثنى عشر عاماً من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية، كنت أشد منه قسوة فى التعامل مع زملائى، وأصلب منه عودا فى مواجهة ألاعيب الصبية – خاصة ما يتعلق بمشاجرات المراهقين – وكان رقيقا حنوناً، لا يعرف العنف طريقا إلى تصرفاته، حتى انضم إلى الجماعة الإسلامية فكان المتهم الثانى فى قضية أحداث أسيوط فى عام 1981، والتى راح ضحيتها 180 جنديا وضابطا ومواطنا قتلوا على الهوية تحت دعوى الاستيلاء على مديرية أمن أسيوط والزحف المقدس من هناك للاستيلاء على كل المدن التى تقع فى أيديهم، وصولاً إلى القاهرة، وهى الفكرة الساذجة -التى أجهضتها أجهزة الأمن فى منبعها -التى كان مجلس شورى الجماعة قد وضعها للاستيلاء على الحكم فى مصر عقب قيامهم باغتيال الرئيس السادات. بعدها قام صفوت أحمد عبدالغنى – بنفسه- بتنفيذ عملية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب.
لم أصدق وقتها ما تناقلته الصحف، وظللت – ردحا من الزمن – أردد أن صفوت لا يستطيع القيام بتلك الأفعال، وأنها – لا بد – إحدى تلفيقات أجهزة الأمن المشهورة، حتى قرأت له شخصياً قصته مع رئاسة الجناح العسكرى للجماعة الإسلامية، وكيف أشرف على تنفيذ حادث اغتيال الدكتور. رفعت المحجوب – وكان المقصود وقتها وزير الداخلية اللواء عبدالحليم موسى – وعندما قابلته –قبل عامين- عندما دعانى لحضور مناقشته رسالته للدكتوراه – رأيت الفتى وقد تغير كثيراً ولكن لم تزل الابتسامة تعلو وجهه الطفولى برغم اللحية الطويلة الصفراء. وليعذرنى القارئ للإطالة فى هذا الموضوع – الذى قد يغضب صديقا قديما – ولكنى أردت أن أقول من خلاله إن الأخلاق ودماستها، والبراءة ودلالتها لا تمنع الإنسان – عندما يؤمن بفكرة ما – أن ينفذها بكل ما أوتى من قوة، وهو فى هذه الحالة، شخصاً آخر غير الذى عرفناه فى حياتنا العادية، وهكذا كان سيد قطب عندما خط أفكاره وسعى إلى تنفيذها.
ثانياً: الحديث عن المرحلة الأولى من حياة سيد قطب، مرحلة النقد الأدبى، ومحاولة إقناع القارئ بأن هذا هو الرجل، دون أى رتوش، لا تنطلى على أى دارس لعلم الاجتماع، خاصة وأن ما يميز الإنسان عن الحيوان، هو القدرة على التغير؛ عبر اكتساب تجارب مختلفة والتواجد فى بيئات مغايرة؛ وأنا هنا لا أناوش أحد عبر مبادئ علم الاجتماع، ولكننى سأذكركم بما قاله الدكتور يوسف القرضاوى فى مذكراته – التى نشرها موقع إسلام أون لاين قبل ثمانى سنوات- نقلاً عن الدكتور محمد المهدى البدرى، حيث قال: "حدثنى الأخ الدكتور محمد المهدى البدرى أن أحد الأخوة المقربين من سيد قطب – كان معتقلا معه فى محنة 1965 – أخبره أن الأستاذ سيد قطب، عليه رحمة الله، قال له: إن الذى يمثل فكرى هو كتبى الأخيرة، خاصة المعالم والأجزاء الأخيرة من الظلال، والطبعة الثانية من الأجزاء الأولى، وخصائص التصور الإسلامى ومقوماته، والإسلام ومشكلات الحضارة، ونحوها مما صدر له وهو فى السجن، أما كتبه القديمة فهو لا يتبناها، فهى تمثل تاريخا لا أكثر، فقال له هذا الأخ من تلاميذه: إذن أنت كالشافعى لك مذهبان: قديم وجديد، والذى تتمسك به هو الجديد لا القديم من مذهبك. قال سيد رحمه الله: نعم، غيرت كما غير الشافعى رضى الله عنه، ولكن الشافعى غير فى الفروع وأنا غيرت فى الأصول". ويعلق القرضاوى قائلاً: "الرجل يعرف مدى التغيير الذى حدث فى فكره – فهو تغيير أصولى أو استراتيجى، كما يقولون اليوم".
وقريب من هذا الكلام قاله القيادى الإخوانى وعضو مكتب الإرشاد السابق الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح رداً على سؤال للروائى جمال الغيطانى أثناء قيام أبوالفتوح بزيارته الشهيرة فى مايو 2006 للأديب العالمى نجيب محفوظ. كان السؤال حول رؤية سيد قطب للأدب والفن فى كتابه معالم فى الطريق، وجاء رد أبوالفتوح حاسماً: "هناك اثنان سيد قطب الأول قبل (1954) والثانى بعد (1954).. الأول لا يختلف أحد عليه وعلى تقديره، فما كتبه فى الظلال قبل 54 مختلف عما كتبه فى الظلال بعد 54.. فعندما دخل السجن وتعرض للتعذيب استكمل الكتاب وأعاد كتابة الـ(14) جزءاً مرة أخرى ولكن فى ظل حالة خصومة مع الدنيا كلها، وأنا كطبيب لا يمكن أن أؤاخذ إنساناً فى حالة مرضية على تصرفاته"، وأنهى أبوالفتوح حديثه بالقول إن ما كتبه سيد قطب فى المعالم والظلال يختلف عما كتبه قبل عام 1954، كما يختلف عما كتبه الأستاذ البنا، ويتحمله سيد قطب وحده ولا علاقة له بالجماعة.
ثالثاً ورابعاً وخامساً وسادساً:
وليسمح لى القارئ الكريم أن أضم "دفاع" أو قل "شهادة" الأستاذ وائل السمرى، إلى شهادات كل من الدكتور طاهر مكى، والأستاذ محمد قطب، والأستاذ عمر التلمسانى (رحمه الله) فى قسم واحد اعتبره القسم الأهم من هذا المقال، واسمحوا لى أن أنقل هنا عن أجيال ثلاثة، جميعهم ارتبطوا بجماعة الإخوان المسلمين، بشكل أو بآخر.
الأول، رجل لا يختلف على علمه اثنان، هو الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوى، والثانى باحث إسلامى مجتهد هو الأستاذ معتز الخطيب معد برنامج الشريعة والحياة بفضائية الجزيرة، والثالث حفيد المرشدين الثانى والسادس المستشار حسن الهضيبى، والمستشار المأمون الهضيبى، الأستاذ إبراهيم الهضيبى.
وأبدأ بما خطه الأستاذ الدكتور/ يوسف القرضاوى. ففى دراسة مهمة نشرت له على شبكة إسلام أون لاين، فى مايو عام 2004، حملت عنوان "هل يكفر سيد قطب مسلمى اليوم"، قسم القرضاوى أفكار سيد قطب إلى ثلاثة أجزاء، الأول حمل عنوان "تمييز المؤمنين من المجرمين أولى المهام"، والثانى "المجتمع الجاهلى ومنهج قطب فى مواجهته"، والثالث "ليس هناك مجتمع إسلامى ذو كيان قائم".
أولا: تمييز المؤمنين من المجرمين أولى المهام:
يقول الدكتور القرضاوى: "من قرأ ظلال القرآن لسيد قطب فى طبعته الأولى لم يجد فيه شيئاً يدل على هذه الفكرة.. فكرة تكفير المسلمين الذين يعيشون فى العالم الإسلامى اليوم. ولكن من قرأ الأجزاء الأخيرة منه، التى كتبها وهو فى السجن بعد تغير اتجاهه الفكرى، وكذلك الأجزاء الأولى التى عدلها، وظهر ذلك فى طبعته الثانية، وما بعدها يجد هذه الفكرة المحورية تسرى فى الكتاب، فى عشرات المواضع بل فى مئاتها".
كلام واضح لعالم لا يشكك أحد أنه فى صف الإخوان فكرا، وفى صف الفكر الإسلامى قولاً وعملاً، بل يعتبره البعض فى صف المجاهدين فى كل أنحاء العالم، عالم مارس تفسير القرآن ودرس الفقه وأفتى المسلمين، قرأ قطب عشرات المرات وسجل شهادته للتاريخ، واحتمل فى سبيل ذلك، الكثير من الأذى ممن يعتبرون المساس بسيد قطب أو أفكاره، هو مساس بجماعة الإخوان المسلمين فكراً وحركة.
ويقدم الدكتور القرضاوى دليله على ما سبق أن قرره بالقول: "وحسبنا هذا النص الصريح المعبر عن فكر الشهيد -رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين). قال رحمه الله: إن سفور الكفر والشر والإجرام ضرورى لوضوح الإيمان والخير والصلاح، واستبانة سبيل المجرمين هدف من أهداف التفصيل الربانى للآيات، ذلك أن أى غبش أو شبهة فى موقف المجرمين وفى سبيلهم ترتد غبشاً وشبهة فى موقف المؤمنين وفى سبيلهم، فهما صفحتان متقابلتان، وطريقان مفترقان، ولابد من وضوح الألوان والخطوط".
ويضيف القرضاوى نقلاً عن قطب أن "المشقة الكبرى التى تواجهه حركات الإسلام الحقيقية اليوم تتمثل فى وجود أقوام من الناس من إسلاف المسلمين فى أوطان كانت فى يوم من الأيام داراً للإسلام يسيطر عليها دين الله وتحكم بشريعته.. ثم إذا هذه الأرض، وإذا هذه الأقوام تهجر الإسلام حقيقة وتعلنه اسما".
"وإذا هى تتنكر لمقومات الإسلام اعتقاداً وواقعاً. وإن ظنت أنها تدين بالإسلام اعتقاداً فالإسلام شهادة أن لا إله إلا الله.. وشهادة أن لا إله إلا الله تتمثل فى الاعتقاد بأن الله – وحده – هو الذى يتقدم إليه العباد بالشعائر التعبدية ونشاط الحياة كلها".
ويضيف قطب "وأيما فرد لم يشهد أن لا إله إلا الله – بهذا المدلول – فإنه لم يشهد ولم يدخل الإسلام بعد كائناً ما كان اسمه ولقبه ونسبه. وأيما أرض لم تتحقق فيها شهادة أن لا إله إلا الله – بهذا المدلول – فهى أرض لم تدن بدين الله ولم تدخل فى الإسلام بعد".
هل يوجد وضوح مثل وضوح هذه العبارات، وضوح يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن سيد قطب الذى يقول عنه أخوه محمد قطب إنه لم يكفر أحداً، أنه قام بتكفير كل المسلمين الذين يعيشون فى بلدان لا تحكم بالشريعة الإسلامية، وفق مفهوم سيد قطب. وإمعاناً فى وضوح الرؤية يؤكد قطب على الحركات الإسلامية، التى أخذت منه - وتربت على أفكاره بعد رحيله – على ضرورة أن تبدأ الدعوة إلى الله باستبانة سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين (باعتبارها العقبة الأولى التى لابد أن يجتازها أصحاب الدعوة إلى الله فى كل جيل).. يجب ألا تأخذ أصحاب الدعوة إلى الله فى كلمة الحق والفصل هوادة ولا مجاملة، وألا تأخذهم فيها خشية ولا خوف، وألا تقعدهم عنها لومة لائم، ولا صيحة صائح، "انظروا أنهم يكفرون المسلمين"!.
ويختم القرضاوى نقله عن قطب بقول قطب: "الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، بذلك المدلول، فمن لم يشهدها على هذا النحو، ومن لم يقمها فى الحياة على هذا النحو، فحكم الله ورسوله فيه، أنه من الكافرين الظالمين الفاسقين المجرمين".
ويعلق القرضاوى قائلا: "هذا هو الرجل يصرح -بل يصرخ- بما لا يدع مجالا للشك والاحتمال: أن الأوطان التى كانت تعتبر فى يوم من الأيام دارا للإسلام، وأن هؤلاء الأقوام (من سلالات المسلمين) الذين كان أجدادهم مسلمين فى يوم من الأيام.. لم يعودوا مسلمين، وإن ظنوا أنهم يدينون بالإسلام اعتقادا، فى حين أنهم ليسوا مسلمين لا عملا ولا اعتقادا؛ لأنهم لم يشهدوا أن لا إله إلا الله بمدلولها الحقيقى كما حدده هو، وأشق ما تعانيه الحركات الإسلامية أنها لم يتضح لها هذا المفهوم الجديد.. أن الذين يظنون أنفسهم مسلمين اليوم هم كفار فى الحقيقة، وهو يريد من هذه الحركات ودعاتها أن يجهروا بكلمة الفصل ولا يبالوا بتهمة تكفير المسلمين. فالحقيقة أنهم ليسوا مسلمين"!!.
العصبة المسلمة:
وفى موضع آخر ينقل القرضاوى عن سيد قطب تفسيره لقوله تعالى: {أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} قال رحمه الله: "وهذا يقودنا إلى موقف العصبة المسلمة فى الأرض. وضرورة مسارعتها بالتميز عن الجاهلية المحيطة بها -والجاهلية كل وضع وكل حكم وكل مجتمع لا تحكمه شريعة الله وحدها، ولا يفرد الله سبحانه بالألوهية والحاكمية- وضرورة مفاصلتها للجاهلية من حولها؛ باعتبار نفسها أمة متميزة من قومها الذين يؤثرون البقاء فى الجاهلية، والتقيد بأوضاعها وشرائعها وأحكامها وموازينها وقيمها".
ثانياً: المجتمع الجاهلى ومنهج قطب فى مواجهته:
يؤكد الدكتور القرضاوى فى هذا الجزء المهم من دراسته الشيقة لأفكار سيد قطب، على مفهوم قطب لجاهلية المجتمعات الموجودة الآن فى العالم كافة، وينقل عن الفصل الأخير من كتابه العدالة الاجتماعية فى الإسلام، والذى أضافه للكتاب أثناء فترة السجن، تحت عنوان "حاضر الإسلام ومستقبله" قوله: "وحين نستعرض وجه الأرض كله اليوم -على ضوء هذا التقرير الإلهى لمفهوم الدين والإسلام- لا نرى لهذا الدين وجودا.. إن هذا الوجود قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله سبحانه بالحاكمية فى حياة البشر، وذلك يوم أن تخلت عن الحكم بشريعته وحدها فى كل شئون الحياة".
أفبعد هذا الكلام الواضح وضوح الشمس، نجد من يحدثنا عن سوء فهم البعض لأفكار سيد قطب.. لنتابع..
ثالثاً: ليس هناك مجتمع إسلامى ذو كيان قائم:
ويمضى القرضاوى فى النقل عن قطب وهذه المرة من "الظلال"، حيث يقول قطب – بوضوح شديد – "لقد عاد هذا الدين أدراجه ليدعو الناس من جديد إلى الدخول فيه.. إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. إلى إفراد الله سبحانه بالألوهية والحاكمية والسلطان. والتلقى فى هذا الشأن عن رسول الله وحده! وإلى التجمع تحت قيادة مسلمة تعمل لإعادة إنشاء هذا الدين فى حياة البشر، والتوجه بالولاء كله لهذا التجمع ولقيادته المسلمة، ونزع هذا الولاء من المجتمعات الجاهلية وقيادتها جميعا".
والسؤال: إذا كان هذا الكلام لا يعبر عن دعوة صريحة للثورة على أنظمة الحكم فى العالم أجمع، وليس فى مصر وحدها، بما فى ذلك الأنظمة الديمقراطية، ذات الحكومات المنتخبة، فكيف تكون الدعوة إذن لخلع أنظمة الحكم؟!.
هذا السؤال يحتاج إجابة، واضحة وصريحة، من المرشد العام الجديد للإخوان المسلمين السيد محمد بديع، الذى يحلو له أن يتحدث عن لغة سيد قطب المجازية، وظلم من قرأوه له.
كما نرجو منه أيضا، أن يفسر لنا مفهوم سيد قطب لهذا النص الذى نقله الدكتور يوسف القرضاوى، حرفيا من "الظلال" حيث يقول قطب: "إن الشرك بالله يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير الله من عباده؛ ولو لم يصحبه شرك فى الاعتقاد بألوهيته؛ ولا تقديم الشعائر التعبدية له".
سيد قطب والتكفير:
ونترك جيل الدكتور يوسف القرضاوى وننتقل إلى جيل آخر، ففى دراسة مهمة للباحث الإسلامى النابه الأستاذ معتز الخطيب، نشرت على شبكة إسلام أون لاين، فى يوليو من عام 2004، يقول الخطيب: كان سيد قطب مسكونًا بالمفاصلة الحدية مع جاهلية المجتمع، وبهاجس أن الصراع مع العالم بأسره ومع الأنظمة هو عقدى، وأن نقطة البدء فى إقامة المجتمع الإسلامى هى تعبيد الناس -بحق- لله وفق مدلول الحاكمية عنده والتى هى من العقيدة (كلمة لا إله إلا الله)، ومن هنا كانت المفاهيم المركزية التى ميزت فكره هى: الجاهلية، والحاكمية، ومن باب هاتين الفكرتين (العقديّتين) دخلت إلى الفكر السياسى الإسلامى والعمل الحركى جميع أفكار المقاطعة والتكفير والاستحلال واستباحة الدماء والأموال، وعدد من النتوءات التى نُسبت إلى الإسلام"!.
وأكد الباحث فى ختام دراسته على ضرورة مراجعة أفكار سيد قطب التى نشأت فى ظروف بعينها، وكانت سبباً رئيسياً وراء نحوها نحو التشدد والمفاصلة، هذا عوضا عن التصدى للدفاع عنها مستخدمين منطق ومفهوم "اللغة المجازية"، إذ لا يجوز تبرير فهم مئات الآلاف من الشباب الذين أسسوا لما سمى "بالصحوة الإسلامية" فى بداية السبعينات بمفهوم "اللغة المجازية"، خاصة أن بعض ممن فهموا قطب، بذات الكيفية، أساطين فى اللغة والبلاغة.
البنا وقطب.. سلم وحرب:
فى مقاله الرائع الذى نشرته جريدة "الشروق" فى عددها الصادر فى التاسع من يناير عام 2010، والذى خطه حفيد المرشدين الثانى والسادس، رداً على مقال نشره الدكتور محمد عبدالرحمن عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان، على موقع إخوان أون لاين، تحت عنوان "ليس دفاعاً عن الشهيد سيد قطب".
يقول إبراهيم الهضيبى، فى معرض مقارنته بين مشروعى الأستاذين حسن البنا وسيد قطب، والذى يحلو للمرشد العام الجديد للجماعة الدكتور محمد بديع ونائبه السيد محمود عزت اعتبارهما مشروعاً واحداً يكمل الثانى الأول، "إن الاختلاف الرئيسى بين المشروعين يتمركز حول نقاط محددة، أولها الموقف من المجتمع، فالأول (البنا) صاحب مشروع اندماجى، والثانى (قطب) صاحب مشروع انفصال شعورى لا يشعر بالانتماء للمجتمع، وغاية البقاء الجسدى فيه هى استقطاب أفراده للتنظيم، ويظهر عدم الانتماء للمجتمع، عند قطب، فى الرفض الكامل لمفاهيم القومية والوطنية واعتبارها من مظاهر الشرك الخفية (الشرك بالأرض والشرك بالجنس والشرك بالقوم) لأنه – وفق قطب – لا جنسية للمسلم إلا عقيدته.
وينقل الهضيبى الحفيد، عن الكاتب الإسلامى الأستاذ فهمى هويدى قوله فى تفسير (مقولة سيد قطب) فى مقدمة أحد كتبه "إلى الفتية الذين أراهم فى خيالى قادمين"، بأن الإخوان أساءوا فهم مقصد قطب وأن الرجل لم يكن يقصدهم وكان يقصد فتية غيرهم. إلى هذا الحد وصلت المفاصلة عند سيد قطب إلى حد جماعة الإخوان أنفسهم، وكما ينقل الحفيد عن الجد المستشار مأمون الهضيبى المرشد العام السادس للجماعة "إن كتاب المعالم لسيد قطب وأفكاره إجمالا لا تمثل الإخوان".
ويمضى الهضيبى الحفيد، لينقل من "الظلال" الجزء الثانى ص 888، قول قطب: "إن المسألة مسألة إيمان أو كفر أو إسلام أو جاهلية"، ويفسر الهضيبى الحفيد قول سيد قطب السابق على أنه جعل الجاهلية مرادفة للكفر كما جعل الإيمان مرادفا للإسلام، وأضاف أن هذه الجملة ترد أكثر من خمس مرات فى صفحتين متتاليتين من "الظلال"، وعشرات المرات بعبارات مشابهة فى الكتاب بمجلداته الخمسة، ويشير الهضيبى الحفيد إلى أن أحد المشكلات المنهجية (وهى واحدة من المشكلات التى وقع فيها كاتب الملف) استناد الكاتب (فى إشارة إلى الدكتور محمد عبدالرحمن) إلى كتاب سيد قطب (لماذا أعدمونى؟) والذى يحتوى على نصوص محاضر التحقيقات مع الأستاذ قطب، والمشكل أنه مصدر غير معتمد إخوانياً، فما يقرأه الإخوان من أفكار الأستاذ قطب ليس هذا النص وإنما المعالم والظلال أساساً، ثم إن الكثير من تلاميذه يشككون فى مصداقية النص، إذ إن اعتماد تحقيقات النيابة معناه القبول بصحة ما جاء فيها من اعترافات بأعمال عنف".
ويشدد الهضيبى الحفيد فى صلب مقاله على حقيقة مهمة نقلها عن المستشار طارق البشرى تقول نصا "أن فكر البنا يزرع أرضاً وينثر حباً ويسقى شجراً وينتشر مع الشمس والهواء، وفكر قطب يحفر خندقاً ويبنى قلاعاً ممتنعة الأسوار والفرق بينهما كالفرق بين السلم والحرب".
كلام واضح لا يحتاج إلى تحليل، وكان من الأمانة العلمية حينما نعيد الاعتبار للرجل، أن نذكر ما له وما عليه، ونترك للقارئ حرية الاختيار.
سابعا: المقارنة بين قطب ومحمد عبده:
إن المقارنة الظالمة التى قام بها الأستاذ وائل السمرى بين الإمام الجليل الشيخ محمد عبده، رائد التنوير فى العصر الحديث، وبين سيد قطب هى مقاربة من وجهة نظر فاسدة بكل المقاييس، وهى أشد ظلما من إقران مفهوم الدولة المدنية بأفكار سيد قطب.
ولكى نوضح أكثر، سوف نستعرض مفهوم مصطلح "المدنية" عند الإمام محمد عبده، مستعينين بما خطه فى كتابه الرائع (الإسلام بين العلم والمدنية) لنضع بين يدى القارئ مقولات الإمام الجليل ليقارنها بما سبق أن أوردناه من نصوص لسيد قطب، ليتعرف بنفسه على الفرق، ويدرك بمفرده مدى الظلم الفادح الذى لحق بالإمام جراء تلك المقارنة.
فبينما يقرر قطب أنه لا اجتهاد مع النص، وإن النص حاكم على الجميع، ينتمى محمد عبده إلى تلك الطائفة من الأئمة الذين يؤمنون بأن النظر العقلى هو الأصل فى الإسلام، والعقل عنده مقدم على ظاهر الشرع عند التعارض، يقول الإمام: "إذا تعارض العقل مع النقل أخذ بما دل عليه العقل، وبقى فى النقل طريقان، طريق التسليم بصحة المنقول مع الاعتراف بالعجز عن فهمه، وتفويض الأمر إلى الله فى علمه، وطريق تأويل النقل مع المحافظة على قوانين اللغة حتى يتفق معناه مع ما أثبته العقل".
إن التصالح مع العقل إذن هو أصل من أصول المنهج الاسلامى، الذى يدعو إلى استخدامه الإمام فى الدعوة والحياة، وكل تعارض معه يصبح بمثابة العقبة التى ينبغى العمل على إزالتها. (وهذا هو مفهوم المدنية عند الإمام أى إعلاء قيمة العقل واحترام خياراته).
ويضيف الإمام أصلا آخر من أصول المنهج الإسلامى للمفكرين التنويرين وهو – البعد عن التكفير ، فإذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مئة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر. ويؤكد الإمام أن الاختلاف بين البشر هو القاعدة السائدة والغالبة وليس لأحد من المختلفين فى الرأى أو الرؤية أن يدعى احتكار اليقين أو امتلاك الحقيقة المطلقة.
والسؤال: أين هذا الذى عرضناه من أقوال الإمام، من رؤية سيد قطب لمفهوم التكفير الذى يسحبه ليس فقط على كل مسلمى اليوم ولكن على كل المجتمعات الإنسانية كافة فيما عدا (عصبته المؤمنة) المتمثلة فى جماعة الإخوان المسلمين بالطبع.
ثامناً: قطب والجهاديون:
فى نهاية هذا المقال كان لا بد - لكى يعرف القارئ مدى ما تسببته أفكار سيد قطب، من دمار فى عالمنا المعاصر- أن نتعرف فى عجالة على تأثيرات سيد قطب، على أجيال عديدة منذ بدء ما سمى "بالصحوة الإسلامية" فى سبعينيات القرن الماضى، حتى يومنا هذا لكى نعرف الرجل، قيمة ومكانة، ونضعه فى الموضع الذى يستحقه من الفكر الإسلامى، فقد أثر الرجل على عقول الملايين من الشباب الذين تداولوا أقوال جيلا بعد جيل بدءاً من مجموعة الفنية العسكرية (التى حاولت الاستيلاء على السلطة بالقوة عام 1974 عن طريق الاستيلاء على أسلحة كلية الفنية العسكرية واستخدامها فى مهاجمة مقر الاتحاد الاشتراكى الذى كان يجتمع فيه الرئيس الراحل أنور السادات مع قادة نظامه)، وانتهاء بالجيل الثانى لتنظيم القاعدة، مرورا بأفكار الجماعة الإسلامية والجهاد.
كان على رأس مجموعة الفنية العسكرية الإخوانى العراقى (ذو الأصل الفلسطينى) صالح سرية، صاحب الكتاب الشهير (رسالة الإيمان) الذى أصبح فيما بعد عمدة لمن جاءوا بعده ممن أطلق عليهم مصطلح "الجهاديون".
يقول سرية فى رسالة الإيمان التى كتبها عام 1973:"إن كل الأنظمة وكذلك كل البلاد الإسلامية التى اتخذت لها مناهج ونظما وتشريعات غير الكتاب والسنة، قد كفرت بالله واتخذت من نفسها آله وأربابا. فكل من أطاعها مقتنعا بها فهو كافر".
وأحال صالح سرية الشباب الذين يقرأون رسالته، إلى سيد قطب باعتباره مصدر هذه الفكرة، بل إنه اعتبر فى مقدمة رسالته، تلك، أن من خير التفاسير لمعرفة التفسير الحق للقرآن هو فى ظلال القرآن للشهيد سيد قطب فى طبعاته الأخيرة".
الجهاد ونسخ اللاحق للسابق:
لم تخرج الجماعة الإسلامية المصرية عن هذا النسق أيضاً ففى كتاب "العمدة" الذى خطه فقيههم عبدالآخر حماد والمعنون "مراحل الجهاد نسخ اللاحق للسابق"، وفى الفصل السادس ينقل حماد عن سيد قطب قوله: "إن تلك الأحكام المرحلية (أحكام الجهاد) ليست منسوخة بحيث لا يجوز العمل بها فى أى ظرف من ظروف الأمة المسلمة، بعد نزول الأحكام الأخيرة فى سورة التوبة، ذلك أن الحركة والواقع الذى تواجهه فى شتى الظروف والأمكنة والأزمنة هى التى تحدد عن طريق الاجتهاد المطلق، أى الأحكام هو أنسب للأخذ به فى ظرف من الظروف، فى زمان من الأزمنة، فى مكان من الأمكنة، مع عدم نسيان المرحلة الأخيرة التى يجب أن يسار إليها (قتال غير المسلمين كافة) متى أصبحت الأمة الإسلامية فى الحال التى تمكنها من تنفيذ هذه الأحكام كما عند نزول سورة التوبة".
ويعلق فقيه الجماعة الإسلامية على قول قطب قائلاً:"فنحن نلاحظ أن كل ما يقصده سيد قطب من قوله بعدم النسخ (أى حلول حكم محل آخر بشكل نهائى) أنه لا يصح أن نلزم المستضعفين بما نلزم به الأقوياء القادرين، وأن للمستضعفين مندوحة فى العمل بآيات الكف (عن الجهاد)، أو الاكتفاء بجهاد الدفع فقط، بحسب حاله وقدرته، ولكنه (قطب) يعتبر ذلك أمرا مؤقتا يجب السعى الحثيث فى تغييره، بغيه الدخول إلى القوة التى يمكن معها تنفيذ المرحلة النهائية من مراحل الجهاد (قتال غير المسلمين كافة حتى يسلموا).
الظواهرى وسيد قطب:
يقول الظواهرى فى كتابه (فرسان تحت راية النبى):
"إن كلمات سيد قطب الأخيرة وهو يرفض أن يتقدم بطلب عفو من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مشدداً على (أن أصبع السبابة التى تشهد لله بالتوحيد فى كل صلاة تأبى أن تكتب استرحاما)، باتت دستوراً ومنهجاً يدرسه الأصوليون (فى جميع أنحاء المعمورة)، فى الثبات على المبدأ. ويشدد الظواهرى على أن قطب هو أول من أكد "على مدى أهمية قضية التوحيد فى الإسلام، وأن المعركة بين الإسلام وأعدائه هى فى الأصل معركة عقائدية حول قضية التوحيد، أو حول لمن يكون الحكم والسلطان: لمنهج الله أو لشرعه، أم للمناهج الأرضية والمبادئ المادية، أم لمدعى الوساطة بين الخالق وخلقه.
ويؤكد الظواهرى "كان لفكر قطب أثره الواضح فى معرفة الحركة الإسلامية مع أعدائها وتحديدها لهم وإدراكها أن العدو الداخلى لا يقل خطورة عن العدو الخارجى، بل إنه الأداة التى يستخدمها العدو الخارجى والستار الذى يحتمى وراءه فى شن حربه على الإسلام".
ويضيف الظواهرى فى معرض حديثه عن خطة قطب ورفاقه فى مواجهة نظام عبدالناصر " كان المعنى فى هذا التخطيط أكبر من قوته المادية، فقد كان يعنى بوضوح أن الحركة الإسلامية قد بدأت خوض حربها ضد النظام (نظام عبدالناصر) باعتباره عدوا للإسلام، بعد أن كانت أدبياتها ومبادئها من قبل تؤكد على أن عدو الإسلام هو العدو الخارجى فقط". ويشدد الظواهرى على أنه "بالرغم من أن مجموعة سيد قطب تم البطش بها والتنكيل بأفرادها على أيدى الحكم الناصرى، إلا أن ذلك كان أعجز من أن يحد من تأثيرها المتعاظم فى أوساط الشباب المسلم، فقد كانت ومازالت دعوة سيد قطب إلى إخلاص التوحيد لله والتسليم الكامل لحاكمية الله ولسيادة المنهج الربانى شرارة البدء فى إشعال الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام فى الداخل والخارج، والتى مازالت فصولها الدامية تتجدد يوما بعد يوم".
سيد قطب والجيل الثانى لتنظيم القاعدة:
لن نبالغ إذا قلنا أن تأثير سيد قطب قد بلغ مدى لم يبلغه مفكر إسلامى من قبل، خاصة فى أجيال السلفية الجهادية، هذا ما تنطق به مئات من الوثائق التى تزخر بها مكتبتى، والتى خطها العشرات من مفكرى هذا التيار ومن حركييهم، وبخاصة المنتمين إلى أجيال "القاعدة" المختلفة، ونظراً لأن المجال لا يتسع، فسوف نورد بعضا من تأثير سيد قطب على واحد من أشرس أبناء هذا الجيل، وهو أبومصعب الزرقاوى (الملقب بالذباح) الزعيم السابق لتنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين (العراق)، والذى قتلته القوات الأمريكية فى يونيو عام 2006..
يقول الزرقاوى فى كتابه "وصايا المجاهدين": "ما أجمل ما قاله سيد قطب رحمه الله تعليقا على قوله تعالى (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) فهذه هى القاعدة فى حس الذين يقولون إنهم ملاقوا الله، فالقاعدة أن تكون الفئة المؤمنة قليلة لأنها هى التى ترقى الدرج الشاق حتى تنتهى إلى حزب الاصطفاء والاختيار ولكنها تكون الغالبة لأنها تتصل بمصدر القوة ولأنها تمثل القوة الغالبة، قوة الله الغالب على أمره، القاهر فوق عباده، محطم الجبارين، ومخزى الظالمين، وقاهر المتكبرين" انتهى!!.
وبعد...
فقد عرضنا لرؤية ثلاثة أجيال من الباحثين الإسلاميين، لأفكار سيد قطب، اتفقوا خلالها جميعهم، على أن أفكار الرجل تحض على تكفير المسلمين كافة، وتصف مجتمعاتهم الحالية، بل كافة المجتمعات فى العالم أجمع بالجاهلية، وتطالب باستبدال الولاء للعصبة المؤمنة (الإخوان المسلمين)، بالولاء لأنظمة الحكم فى العالم كله (بما فيها المنتخبة ديمقراطيا فى أوروبا وأمريكا)، وعرضنا لرؤية أجيال من تيار السلفية الجهادية لأفكار سيد قطب، وتبين لنا كيف كانت هذه الأفكار هى الشرارة الأولى التى أشعلت الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام – وفق ما يعتقدون- فى الداخل والخارج، والتى ما زالت فصولها الدامية تجدد يوما بعد يوم.
أما الحديث عن سوء فهم "للغة مجازية" كتب بها سيد قطب أفكاره، فلا يعدو أن يكون لغوا فارغا، لا يصمد – عندنا – لأى تحليل علمى أو منهجى سليم، يقيم أفكار الرجل، التى كانت سببا رئيسيا فى وصم الإسلام بالإرهاب طوال العقدين الأخيرين، دون غرض.
اللهم بلغت اللهم فاشهد!!..
عبد الرحيم على يكتب ..اللغة المجازية والكود السرى فى ملف إعادة الاعتبار لسيد قطب..هذه أفكار قطب:اعتبر مسلمى اليوم كفاراً وطالب بخلع عباءة الولاء لحكام البلدان الإسلامية
الأربعاء، 21 أبريل 2010 05:35 م
جدل متواصل حول أفكار سيد قطب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة