ماذا قال محمد سلماوى عن جريمة اليونسكو.. الدور الأمريكى فى المؤامرة على المرشح المصرى . . وحقيقة الموقف الأوروبى

الأحد، 05 ديسمبر 2010 02:33 م
ماذا قال محمد سلماوى عن جريمة اليونسكو.. الدور الأمريكى فى المؤامرة على المرشح المصرى . . وحقيقة الموقف الأوروبى محمد سلماوى رئيس اتحاد الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت معركة اليونسكو التى خاضها وزير الثقافة فاروق حسنى، كاشفة لضلوع الولايات المتحدة وأطراف أوروبية فى مؤامرة لإسقاط المرشح المصرى، وهى المؤامرة التى رأى جميع المراقبين نتائجها لكنهم لم يعثروا على دليل ملموس على المؤامرة، وجاءت وثائق ويكيلكس لتقدم الدليل والتفاصيل على المؤامرة الأمريكية، التى يتناولها الكاتب الكبير محمد سلماوى فى مقال نشره فى ٢٧/ ٩/ ٢٠٠٩ بإحدى الصحف الخاصة، نعيد نشره هنا لأهمية المقال..

«الوعود لا ُتلزم إلا من يصدقها».. تلك المقولة الشهيرة للسياسى الفرنسى الراحل فرانسوا ميتران قفزت إلى ذهنى وأنا أتابع معركة المرشح المصرى فاروق حسنى داخل أروقة اليونسكو باحثاً عن إجابة على السؤال المحير: لماذا تخلت الدول الأوروبية عن المرشح المصرى الذى سبق أن أعلنت تحمسها له، وفضّلت فى النهاية الانسياق وراء المخطط الأمريكى الصهيونى للحيلولة دون وصول من يمثل الحضارة العربية الإسلامية إلى سدة المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة لأول مرة فى تاريخها؟

لقد كان موقف دول الشمال الأوروبى واضحاً منذ البداية، حيث لم تدّعِ أى منها أنها ستقف إلى جانب المرشح المصرى الآتى من الجنوب، فأعلنت كل من النرويج ولوكسمبورج مثلاً أنهما لن تصوتا إلا لمرشح أوروبى، كذلك كان موقف ألمانيا التى كان الجميع يعرف أن عقدة الذنب التى مازالت تسيّرها فى علاقاتها بإسرائيل ستجعلها تقف بوضوح ضد المرشح المصرى الذى ناصبته إسرائيل العداء بشكل سافر منذ بداية دخوله السباق، بل لقد ساهمت الصحف الألمانية بنشاط ملحوظ فى الحملة ضد وزير ثقافة مصر، مرددة ما ورد فى منشور أصدرته منظمة سيمون فيزنتال اليهودية من اتهامات ظالمة، شنت بها القوى اليهودية أعنف معركة شهدتها اليونسكو طوال تاريخها.

على أن موقف دول البحر الأبيض المتوسط كان مختلفاً، فقد كانت فرنسا على سبيل المثال من أوائل الدول فى العالم التى أبدت ترحيبها بالمرشح المصرى، وكان ذلك فى عهد الرئيس السابق جاك شيراك، كما اتخذت أسبانيا وإيطاليا موقفاً مماثلاً، أما اليونان فكانت الدولة التى لم يتطرق أى شك إلى موقفها الثابت طوال جولات الاقتراع الخمس التى شهدتها قاعة المجلس التنفيذى لليونسكو.

ولا شك أن هذا الموقف لدول الجنوب الأوروبى هو الذى حال دون حصول بنيتا فى فريرو فالدنى، النمساوية التى دخلت السباق فى اللحظة الأخيرة، على التأييد الأوروبى الذى كانت تتطلع إليه والذى تحقق فى النهاية، ولكن لمنافستها البلغارية إيرينا بوكوفا الفائزة بمنصب المدير العام.

ولقد استمر التأييد الفرنسى للمرشح المصرى فى عهد الرئيس الحالى نيكولا ساركوزى، وأثناء زيارته الأولى للقاهرة سمعته بنفسى وهو يقول فى نهاية حديث له مع فاروق حسنى حول اليونسكو: «سنفوز!»، معتبراً نفسه طرفاً فى المعركة، لكن الموقف الفرنسى بدا متراجعاً، فبعد أن كانت فرنسا لا تخفى تحمسها للمرشح المصرى اكتشفت بشكل مفاجئ، وبعد أن هاجت الدوائر اليهودية فى فرنسا ضد فاروق حسنى أنها دولة المقر، فأعلنت على لسان وزير خارجيتها برنار كوشنير أن ذلك يلزمها بأن تقف على الحياد فى المعركة ولا تعلن عن موقفها، مما حال دون دعوتها للمرشح المصرى لدى الدول القريبة منها.

ويبدو أن كوشنير الذى تربطه علاقات وثيقة بجماعات الضغط اليهودية فى فرنسا لم يراجع موقف بلاده فى الجولات السابقة لانتخابات اليونسكو، ولو فعل لاكتشف أن فرنسا على يد وزراء الخارجية الذين سبقوه كانت أيضاً دولة المقر، لكن ذلك كان يلزمها بأن يكون لها رأى يعمل حسابه فى اختيار كل مدير عام جاء إلى المنظمة منذ إنشائها قبل أكثر من ٦٠ عاماً.

إن أقل ما يقال عن الموقف الفرنسى كما تبدى خلال جولات التصويت الفعلية هو أنه كان «متميعاً»، وقد وصفته الصحافة الفرنسية نفسها بالغموض AMBIGUE، ورغم المحاولات المضنية التى بذلها السفير المصرى ناصر كامل، فقد ظل الانطباع السائد هو أن قصر الإليزيه الرئاسى له موقف، بينما لوزارة الخارجية موقف آخر، ولقد سمح هذا الموقف الفرنسى الملتبس لجماعات الضغط اليهودية بأن تتلاعب به كيفما شاءت، وكان الرأى العام السائد داخل أروقة اليونسكو هو أن فرنسا لا تؤيد المرشح المصرى بالقدر الكافى، لكنها لا تريد إعلان ذلك، حرصاً على استمرار تأييد مصر لمشروع الاتحاد من أجل المتوسط المرفوض من الرأى العام العربى.

لذلك فحين قدمت إحدى الدول فى الجولة الأولى للتصويت ورقتها بيضاء دون انتخاب كان رأى مندوبى الدول أنها ورقة فرنسا، وحين تراجع المرشح المصرى صوتين فى الجولة الأخيرة، قالت الصحافة الفرنسية فى اليوم التالى مباشرة، إنهما صوتا فرنسا وإيطاليا، وإن كانت إيطاليا قد نفت ذلك على لسان وزير خارجيتها، بينما صمت الوزير الفرنسى.

أقول هذا دون أن أجزم بموقف أى طرف من الأطراف الأوروبية التى وعدت بتأييدنا، فالتصويت فى النهاية سرى، لن يعلم حقيقته أحد، خاصة بعد أن تم حرق أوراق الاقتراع بعد انتهاء الجولة الانتخابية، لكنى أسرد فقط الوقائع كما حدثت أمام كل من تابع اجتماعات المجلس التنفيذى.

وإذا كان هذا هو موقف أوروبا شمالاً وجنوباً، فإن موقف اليابان كان معادياً هو الآخر، بالمخالفة للاتجاه العام داخل آسيا، ففى الوقت الذى أعلنت فيه معظم دول المجموعة الآسيوية تأييدها للمرشح المصرى، فإن اليابان كان لها منذ البداية موقف سلبى تجاه المرشح المصرى، وذلك لأكثر من سبب، ربما كان أهمها علاقات اليابان المعروفة بالولايات المتحدة، على أنه تكشّف بعد ذلك سبب شخصى يتعلق بالمدير العام كوتشيرو ماتسورا، فقد وزع العاملون فى اليونسكو منشوراً أثناء انعقاد المجلس التنفيذى بعدد التجاوزات المالية والإدارية فى عهد المدير العام اليابانى، والتى قد تفسر رغبته منذ البداية فى أن يتولى الإدارة من بعده أحد أعوانه المقربين وهو باربوزا البرازيلى الذى كان يؤيد ترشيحه بشدة، لولا أن البرازيل رفضت ذلك الترشيح، وظلت على التزامها بتأييد مصر فلم يترشح، لكن ذلك لم يحل دون عداء المدير العام اليابانى للترشيح المصرى، وهناك من الوقائع ما لا نريد أن نسرده الآن.

إذا كانت تلك هى القوى التى عملت ضد مصر داخل اليونسكو فقد دعمتها وعضضتها حملة إعلامية ضارية فى أجهزة الإعلام الغربية، خاصة الصحف الفرنسية التى كنا نكن لها احتراماً كبيرا، فحين تفتح جريدة كبرى مثل «لوموند» صفحاتها لحملة الأكاذيب التى شنتها الأقلام اليهودية فى بيان مغرض ضد المرشح المصرى، وحين يقوم ثلاثة من أكبر الأسماء الفرنسية بالرد عليها فى بيان مضاد، فترفض الجريدة نشره بحجة أنها مكتفية فى هذا الموضوع بالمقال الذى أعرب فيه فاروق حسنى عن أسفه لما تفوه به من تعبير لم يكن يقصد معناه الحرفى، ثم تعود بعد ذلك الجريدة فتفتح صفحاتها مرة أخرى وقبيل الجولة الأخيرة للتصويت لبيان ثان للأسماء اليهودية نفسها ضد المرشح المصرى، فتلك ليست من أخلاقيات الصحافة الجديرة بالاحترام.

ولقد حدث الشىء نفسه مع صحف أخرى مثل «ليبراسيون»، كما اختارت قنوات التليفزيون الفرنسية أن تشير دائماً إلى المرشح المصرى باعتباره المرشح «المختلف عليه»، ثم فى الجولات الأخيرة للتصويت صعدت قناة «فرانس ٢٤» هجوماً عليه، فوصفته فى نشراتها الإخبارية بالمرشح «المختلف عليه جداً» «!!»، ولست أعرف كيف يصبح أى إنسان مختلفاً عليه لمجرد أن بعض العناصر اليهودية تناصبه العداء، وكأن المرء يجب أن ترضى عنه جماعات الضغط الصهيونية حتى لا يكون مختلفاً عليه فى نظر الإعلام الفرنسى.

فقط جريدة «لوفيجارو» بادرت بمقابلة المرشح المصرى، وحاولت أن تتعرف على برنامجه، فجاءت تغطيتها موضوعية إلى حد كبير تبعث على التقدير والاحترام، أما بقية الصحف فقد رددت كالببغاء ما تقوله الدوائر اليهودية، فنسبت لفاروق حسنى ما هو غير مسئول عنه، فقالت مثلاً إنه مسئول عن تكميم الصحافة فى مصر «!!».

ولست أعرف ما علاقة وزير الثقافة بالصحافة، وبأنه يفرض رقابة على الكتب، بينما ألغيت هذه الرقابة فى مصر منذ أكثر من ثلاثين عاما، وقالت إن فى عهده أغلقت مجلة «إبداع»، بينما يعرف القاصى قبل الدانى أن فاروق حسنى لم يكن هو الذى أغلقها، بل هو الذى طعن فى الحكم الصادر بإغلاقها وحصل على حكم استئنافى بإعادة إصدارها أما أكثر ما أثار السخرية، فكان القول إن فى عهده جرت محاولة اغتيال أديب مصر الأكبر نجيب محفوظ والتى نجا منها بأعجوبة، ولست أعرف كيف فاتهم أن فى عهده أيضا جرت تفجيرات نيويورك فى سبتمبر ٢٠٠١؟!

وقد وصل غياب الأمانة الصحفية إلى حد أن العنوان الذى اختارت جريدة «لوموند» أن تنقل به للقارئ نتائج الانتخابات تبنت فيه بالكامل الموقف اليهودى، معتبرة أن مصر تلقت صفعة، حيث قالت: Egypte essui un revers

تلك كانت خريطة القوى التى واجهها المرشح المصرى سواء داخل اليونسكو أو فى أجهزة الإعلام، مما يوضح أن مصر كانت تعمل فى مواجهة حملة ضارية، ناصبها فيها العداء كل من الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا واليابان، وهى أكبر قوى دولية بالإضافة لإسرائيل وأذرعتها الأخطبوطية على الساحة السياسية بشكل عام وفى أجهزة الإعلام بشكل خاص، وإذا كان فاروق حسنى قد حصل، بالرغم من ذلك، على هذا العدد الهائل من الأصوات وعلى مدى خمس جولات من التصويت فى مواجهة هذه القوى فإن ذلك يحسب لمصر بلا أدنى شك وللتخطيط الجيد للحملة الانتخابية، وربما كانت أفضل شهادة فى ذلك هى ما جاء على لسان مرشحة بلغاريا الفائزة إيرينا بوكوفا التى صرحت عقب فوزها بأنها تكن للمرشح المصرى كل الاحترام والتقدير وأنها تعتبره صديقاً وتتطلع إلى التعاون معه، وهى ستحتاج بلا شك إلى هذا التعاون من مصر ومن سائر الدول التى صوتت لمصر، لأنها ستتسلم فى منتصف نوفمبر المقبل منظمة منقسمة على نفسها، ولابد أن تكون مهمتها الأولى هى رأب الصدع الذى خلفته عملية التسييس غير المسبوقة التى فرضتها القوى اليهودية على المنظمة، التى أنشئت من أجل نشر الثقافة والقيم الحضارية الكبرى بين شعوب العالم، متخطية جميع الخلافات السياسية والحواجز الأيديولوجية،
وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بالسعى لإعادة الحوار بين الشمال والجنوب والذى تحول فى معركة انتخاب المدير العام الأخيرة إلى مواجهة سافرة بعد أن حارب الشمال مرشح الجنوب، الذى جاء حاملا شعار المصالحة، لكن الشمال فضل النكوص إلى الموقف الصليبى القديم الرافض لكل ما هو عربى أو مسلم.

وربما كان أفضل ما اختتم به هذه المقالات ما افتتحت به جريدة «لوفيجارو» مقالها حول نتائج الانتخابات، حيث قالت بتاريخ الخميس ٢٤/٩/٢٠٠٩: «لقد وصف محمد سلماوى رئيس اتحاد الكتاب العرب ما حدث فى اليونسكو بأنه يمثل (فشلاً للغرب الذى أثبت أنه غير قادر على قبول الآخر العربى المسلم الذى رشحته غالبية دول الجنوب)».





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة