شريف حافظ

البحث عن "يلتسن"

الجمعة، 03 ديسمبر 2010 08:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يمكن أن نُفسر ما حل فى ما يُسمى "بانتخابات مجلس الشعب "، والتى لم تكن حقيقةً انتخابات، بأنه "ترتيب البيت من الداخل"، لتأهيل المجلس لتنفيذ "كل" خطة النظام، فى سبيل "تغييرات" العام القادم.

فالتغييرات المُزعم القيام بها، ووفقاً لنقاشات الأعوام الخمس الماضية، هى تغييرات شاسعة وعميقة بالفعل. وستُمثل "مُنعطفا حادا" فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية والتشريعية والثقافية، المصرية، والتى لم يحدُث مثيلاً لها منذ يوليو 1952. أى أنها ستُمثل "ثورة" على أغلب ما نحياه. إن ما سيحدث سيُمثل "تصميما" سياسيا جديدا لمصر، يضعها على الطريق للدولة المدنية، وفقاً لرؤية أُحادية، هى رؤية الحزب الوطنى فقط!!

ولكن هل تصنع الرؤية "الأُحادية" ديمقراطية ودولة مدنية؟ لا أعتقد بذلك، وإلا كانت سياسة المنابر للسادات، فى 1976، قد صنعت ديمقراطية! لقد كانت خطوة "مُجتزأة"، نحو الديمقراطية، ولكنها لم تكتمل، لأنها صُنعت من السلطة فقط، دون إشراك لقوى المُعارضة والشعب. ولذا، ومع نهاية الجولة الأولى، من انتخابات مجلس الشعب فى 28 نوفمبر الماضى، شعُرت أننا لا نزال، محلك سر! فإحداث ثورة التغيير، من "فصيل واحد" فى الأمة المصرية، لا يتم الإجماع على بعض ما يجيىء به من تغييرات، من قبل الكثيرين على شتى المستويات، لن يُشكل إلا تغييراً على الورق، ويُمكن أن يتم تعديله مع أى هزة عنيفة، تتعرض لها البلاد، وهو أمر غير مُستبعد، مع ما يفوح على مستوى العالم، من روائح، تُنذر بتغييرات فى حجم ما حدث على مستوى المنطقة ما بين 1990 وحتى اليوم، وخاصةً ما بعد حادث 11 سبتمبر 2001!!

إن السياسة التى تدوم قراراتها، رغم انتقاد البعض، هى تلك التى يتم التوافق عليها، من قبل أغلب القوى الوطنية المدنية. إن تصور "الواحد"، ورغم تعمق التفكير والفحص والمحص، ربما يكون رائعا، ولكن رؤيته تكون منقوصة!! فالرؤية الشاملة لأى أمة، تشمل آراء الجميع، وليس فقط رؤية جانب من الجوانب فى المعادلة. إن رؤية جورباتشوف، ورُغم أنها حملت تغييراً طاغياً فى الاتحاد السوفيتى، لم "تُزل" الجانب الشيوعى فى البلاد، وهو الأمر الذى أفرز بوريس يلتسن، ليقيم الدولة الفيدرالية فى روسيا، ويمحو الشيوعية تماماً!!

لقد كانت تغييرات جورباتشوف ناقصة، وحينما انتفض الحرس القُدامى ضده ووضعوه تحت حراستهم، ليعيدوا الفكر القديم كما كان، وقف الشعب إلى جانب من ناصرهم ضد هؤلاء الحرس القُدامى، وتمثل فى يلتسن، ويومها، وجد الشعب السوفيتى، من يمثله، ولم يكن جورباتشوف الذى بدأ التغيير الشامل من الأصل. لقد احترموا تغييرات جورباتشوف، ولكنهم رأوا أنه افتقد لشجاعة، إكمال التغيير إلى نهايته! فكان بزوغ يلتسن الشُجاع الذى وقف على دبابات الجيش فى أغسطس 1991، رافضاً الثورة المُضادة، من أجل مستقبل مدنى لروسيا، واختفى جورباتشوف فى غياهب التاريخ، رغم الاعتراف له، ببدء التغيير، دون إكماله إلى مُبتغاه!!

وهنا لا يمكن أن تفوتنا مُلاحظة، أن الرجلين، كانا أعضاء فى الحزب الشيوعى، حيث تمسك أحدهما بالفكر القديم، وأراد إصلاحه فقط، بينما رأى الآخر، أن التاريخ، يستلزم صفحة جديدة تماماً وناصعة البياض لروسيا متغيرة فى عصر جديد!!

قد يقول قائل، إن يلتسن أيضاً فرد!! ولكن ما فعله، يلتسن، كان الاكتمال الطبيعى، لما بدأه جورباتشوف، وانتظره الشعب الروسى. إلا أن جورباتشوف، كان ولاءه قوياً وثابتاً للشيوعية، ولكن يلتسن كان ولاءه لأحلام الناس فى روسيا، فى دولة مدنية، رآها الناس من مُجمل النقاشات الإعلامية بعد تغييرات جورباتشوف التى غيرت "خارطة عقول" الناس، فى دولة الدب الروسى.

ربما يرى النظام فى مصر، أنه يمسك بزمام الأمور، وأنه قادر على كل شىء، ولكن ما يقوله التاريخ والتغيرات الحادثة فى الشارع، ربما يكون عكس ما يراه الحزب الوطنى. لقد حدثت الكثير من المتغيرات، فى عقول المصريين، من بعد بدء الحراك السياسى فى مصر، لقد حلت على الناس أحلام جديدة، وربما مُتجددة، فى عصر جديد، لقد بدأ الشباب وفى إطار اطلاعهم على تجارب العالم الديمقراطية مع تطور وسائل الاتصال الحديثة، وإيمانهم بأن مصر تستحق ما هو أكثر - أن يحلموا بمصر مختلفة، يسود فيها القانون والحقوق والواجبات بحق. إنهم يحلمون بتوافر الفرص للجميع، دون تمييز. يحلمون بمواطنة للكل ودولة مدنية للجميع وحرية تطلق إبداعاتهم، ومعارضة حقة، تتشارك فى صُنع القرار المصرى السيادى المستقل عن تدخلات الخارج، من أجل صناعة وطن حقيقى، لا يشعرون فيه بالغربة!

إننا فى حاجة إلى "يلتسن مصرى" شُجاع، من داخل حزب الوطنى متغير بحق (حيث إن خارجه ضعيف ويجب أن يتغير هو الآخر للأفضل)، يُمكنه أن يُدشن التغيير الحقيقى، لصالح المواطن المصرى (دون أدنى تمييز) ويُشعره، أنه شارك فى صناعته، وأنه لمصلحته. وأن نُجهز من الآن، للانتخابات البرلمانية التى ستعقُب انتخابات الرئاسة لسنة 2011. إننا فى حاجة إلى مصر، كنا ولا نزال نحلُم بها. ولتكن نظرتنا إلى شمس المستقبل، التى يُمكنها أن تُضىء طريقنا نحو الدولة المدنية القادمة التى يُمكن أن نصنعها جميعاً، لو أن يلتسن الخاص بنا ظهر قريباً، واعياً، لما يُمكنه أن يعتمد عليه، فى حُكم تلك البلاد على طريق القوة الحقيقية، فى شتى المجالات!! ومصر أولاً.

أستاذ علوم سياسية.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة