شريف حافظ

الوحدة الإقليمية بفكر مُغاير

الجمعة، 24 ديسمبر 2010 06:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يدرك أغلب من يتعاطى الشأن السياسى بعقلانية الوضع القائم، أن مسألة التوحد العربى، بناء على الشعارات الرنانة والهتافات الساخنة، سُرعان ما يصطدم بحقائق الاختلافات الثقافية العربية الشاسعة وتضارُب المصالح المُتفاقمة. وإن الكثير من القطاعات المهمة فى شعوب المنطقة لا يرون أنفسهم عرباً بالأساس، إما لتضارب فكرهم مع فكرة العروبة، كما طُرحت فى الماضى، حيث كان الفكر عاطفيا، فور الاستقلال، ولم تكُن المسائل السياسية والاقتصادية، بالتعقيد الحالى، المُعاش فى المنطقة، أو لأنهم بالفعل ليسو عرباً وإنما ينتمون إلى أعراق مختلفة تماماً، كما هو حال الأكراد والأمازيغ والقبائل الأفريقية فى بعض الدول التى تسود بها اللغة العربية. ولأن دول العالم تُسارع نحو التكتلات من زمن، لأن وقوف الدول وحيدة فى عالم اليوم لا يُحتمل، نظراً للتحديات السياسية والاقتصادية والثقافية المُتصاعدة، فإن على مصر أيضاً، ومن مُنطلق مُراجعات الماضى وأخطائه واتباع ما يُمكن رؤيته على أنه إنجاز فيه، أن تقود مُبادرة لإعادة الوحدة العربية، فى مؤتمر القمة العربية القادم فى شرم الشيخ، ولكن على أُسس جديدة، وفقاً للدروس من جراء التجارب المأساوية وما استجد من مصالح حيوية ومُعطيات جديدة.

إن فكرة تأسيس الدولة المدنية، بما يضُمه من قواعد عالمية، بالإضافة لظروف كل دولة، على حده، هو ما سيسود العالم فى الفترة القادمة، لأنه الحل للمشاكل المُتصاعدة فى أغلب دول العالم، وسيسرى هذا على المنطقة العربية برُمتها، وهو الأمر الذى يُمكن الاستفادة القُصوى منه فى إعادة صياغة التوحد العربى، على أسس تظهر فيها المصالح "المؤسسية"، أكثر من الشعارات التى سُرعان ما تسقط مع أول أزمة أو منعطف، فى العلاقات المُشتركة، بين دول المنطقة، كما رأينا وقرأنا على مدى السنوات، منذ إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945.

ومصر، هى الدولة الأقدر على المُبادرة فى هذا الشأن، بما لديها من إخلاص فى العمل العربى والسياسى الدولى، أكدت عليه أكثر من أى وقت مضى، وثائق "ويكيليكس"، المُسربة مؤخراً، إلا أن المُبادرة فى هذا المسار يجب وأن تضع المصالح "المُستقبلية" فى الاعتبار وما يُمكن أن تدره من منافع "فورية" على شعوب المنطقة، فلا يُمكن أن يُصبح حديث الماضى هو نبراس المُستقبل، بما أثبت من فشل تقسيم العرب إلى مُعسكرات، ما بين الرجعى والتقدمى، فى ظل ما نصبو إليه من دول مدنية، تعتمد أُسس واحدة فى التكوين، وإن اختلفت الثقافات المحلية.

وبالطبع، فإن هناك دولاً فى المنطقة تعمل بكد ضد المصلحة العربية فى مجموعها، مُتحالفة مع إيران على سبيل المثال، وهى الدول، التى نحت نفسها اختيارياً، عن العمل العربى المُشترك، رغم تهافتها على الشعارات والعبارات الرنانة ذات العلاقة الوثيقة بالعروبة، بينما تُعبر أفعالها عن العكس، هذا فى حين أن مصر مثلاً، وبينما قد عقدت معاهدة السلام مع إسرائيل، من أجل التنمية المنشودة، تعمل دوماً على التقريب بين الدول والفصائل العربية، من أجل "تضامن" عربى، على أقل تقدير، ولم تنس يوماً الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطينى، فى سبيل نيل حقوقه المشروعة، بدولة مستقلة، عاصمتها القدس.

ولذا، فإن الدعوة للتوحد العربى على أسس البناء الجديدة فى هذا العالم الشرس، الجديد أيضاً، يجب أن تنطلق من الفكر السائد اليوم، وليس الفكر الماضوى العتيق، الذى أثبت الفشل مراراً. فالدعوة إلى التوحد يجب أن تنطلق بإخلاص فعلى على الأرض، يعتمد أولاً الأساس الاقتصادى وما يُصاحبه من الأمور ذات الأبعاد المؤكدة على "القوة الناعمة"، وفى هذا الصدد، تكون الدعوة عامة لجميع الدول ولكن مبنية على المصالح المُشتركة أيضاً، فى مواجهة أعداء اليوم والغد، ومن هذا المنطلق أيضاً، وطالما لم تقتنع بعض الدول بما يستلزم من تحقيق المصلحة العامة والأساسية للجميع، يُمكن تأجيل ضمها إلى هذا التجمع، حتى تصل إلى اتفاق الحد الأدنى فيما يتعلق بمواجهة أعداء هذا الكيان، هذا لا ينفى بأى حال من الأحوال، الاعتراف بالمصالح الأُحادية لكل دولة على حدة، ولكن بحيث لا تصطدم مع المشروع العربى للوحدة المُستجدة!!

ولأن هذا التجمع يهدف إلى تحقيق المصلحة الجماعية، فإنه يجب وأن يشمل ضم أطراف غير عربية إليه، مثل الجنوب السودانى، إذا ما تقرر انفصاله عن الشمال السودانى فى الاستفتاء التاريخى يوم 9 يناير 2011. إن هذا التجمع أيضاً يجب وأن يُقر بحقوق الأقليات العرقية فى المنطقة بالمساواة مع الجميع على أساس قاعدة المواطنة فى الدولة الواحدة ومن ثم كل مواطنى الكيان العربى العام، ولا يتطرق إلى الشئون الدينية، إلا فى إطار منح الجميع الحق فى حرية العقيدة، فى إطار ذاك الاتحاد المُزمع. ويجب وأن يكون للجميع الحرية فى التعبير عن آرائهم، بحرية تامة، وإن كان بالنقض لكل ما يتم الاتفاق عليه، لأن الرأى المُغاير، يفيد، أكثر من الرأى الواحد!! إن هذا الاتحاد يجب أن يسوده القانون فى شتى الدول محل التوحد، وتحت ظل القوانين الضامة لجميع الدول أيضاً، حتى يسير التوحد على أسس ومعايير مُشابهة.

كما يُمكن لهذا التجمع ضم دول تجمعها مصالح حيوية مع الدول العربية، مثل تركيا، ذات التأثير العالى فى المنطقة، بحيث تزداد قوة التأثير الجغرافى والحضارى والاقتصادى، ويُصبح هذا التجمع ذا تواصل "سلمى" ولكن ذا نفوذ على القارات الأُخرى، ويُصبح للعرب صوت مسموع وقوة لفرض حلول لمشاكلهم على الأرض مُستقبلاً.

وبالتأكيد، فإن العمل على إنجاز كهذا يجب أن يُرسى "المؤسسية" فى تعامله، وليس اتباع رؤى الأفراد أو قياداتهم للعمل الوحدوى الليبرالى. إن العلم والتعليم من أجل غد أفضل لشتى شعوب المنطقة يجب أن يسود، حتى يتمكن تجمع كهذا أن ينهض بقوة، ويصنع مشروعا نهضويا حقيقيا يمكنه أن يُنافس فى عالم أكثر خطورة ويحوى مزيدا من التحديات للدول التى تسودها اللغة العربية. إنه لمن دواعى الأسف، ألا نمضى فى إطار تكتل فى المنطقة، بينما كل دولة فيه تواجه أخطارا مُشتركة على حدة، وفى النهاية فإن الخطر واحد، لكل تلك الدول!

إن تمكين الإنسان فى كل تلك الدول، أياً كان جنسه أو دينه أو عرقه، لمن الأهمية بمكان فى محو آثار الماضى فى المنطقة، من أجل انطلاقة قوية للمستقبل، تُمكن الدول فى المنطقة، كتكتل يُحسب له ألف حساب، أن يُحقق أغلب ما لم يستطع تحقيقه، منذ استقلال دوله. إن مثل هذا المشروع لن يستلزم لتدشينه الكثير من الدراسات، كما قد يبدو، لأن هناك محاولات ودراسات عربية كثيرة قد استنفذت البحث فى التوحد من نواح غير تلك السياسية، إلا أن تطوير الكيان هو ما سيستغرق الوقت الطويل، إلا إذا عملت وحدة بحثية متطورة بالاتصال مع صانعى القرار من أجل تطوير هذا الكيان سريعاً. وبالطبع، فإن تدشين هذا الكيان، يستلزم السمو فوق الصغائر والخلافات الأبدية، من أجل مصالح مواطنى كل الدول فى المنطقة! إننا على مشارف تغييرات كبيرة فى المنطقة خلال العام القادم، أقلها على الإطلاق هو الانتخابات الرئاسية المصرية، ولذا يجب أن نكون مُستعدين برؤية عربية موحدة، من أجل الولايات المتحدة العربية الليبرالية!!

• أستاذ علوم سياسية
• صابر








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة