شريف حافظ

المُضطهدون فى الأرض

الجمعة، 19 نوفمبر 2010 01:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما وقعت أحداث نجع حمادى المؤسفة فى يناير الماضى شعرت بكم فظيع من الغضب كمواطن مصرى، وأملى على ضميرى، القراءة فى الشأن المسيحى فى بلادنا، لكى أستزيد من فهمى له. ولا أدعى أنى فهمته بالكامل، لأنه يمتد بتاريخه إلى فترات بعيدة ويحوى كمًا من الأحداث والمُلابسات المُعقدة، ولكنى ومن خلال قرائتى للكثير مما يُعانيه المسيحيون فى مصر، استكشفت "محنة" الإنسان فى مصر، وأعنى هنا كل المصريين دون تمييز، وليس فقط الإنسان المسيحى المصرى.

فلقد اطلعت فى خلال تلك الرحلة من الاطلاع على الشأن القبطى، على أوضاع المصريين فى الصعيد وقُراه الفقيرة المُغيبة عن التنمية واهتمام المسئولين. وانتبهت لأوضاع المهمشين فى مناطق كثيرة على أرض مصر. ولم أقف عند هذا الحد، ولكنى دلفت إلى الشأن القانونى المصرى، وما يستتبعه من بعض الأمور، غير المُبررة، فيما يتعلق "بتنفيذ الأحكام" على سبيل المثال، لا الحصر. فوجدت مثلاً، من يمتلك قطعة أرض استولى البعض عليها منه بما يُعرف "بوضع اليد"، ويُمكنُه القضاء من استعادتها، فلا يستطيع، رغم تأييده بقوة من الشُرطة، لأن من وضع يده عليها، يملك "جيوش" من البلطجية!!

وجدت مناطق مُسيطرا عليها من قبل بعض الفئات، سواء كانوا من المتشددين أو البلطجية، وما يستتبعه ذلك من سيطرة أمنية (غير رسمية)، حيث الاستغلال والفساد والفقر، لأنه لا يُمكن لفئة ما فى مصر، مهما علا شأنها أو قل، أن تُسيطر على منطقة، إلا بعلم الأمن.

واطلعت على مناهج تعليم تُكرس الاضطهاد وتنفخ فى قواه، سواء كان باستغلال للأديان (وليس لدينٍ واحد) أو بنفخٍ فى نير العنصرية المُبغضة. ورأيت أقليات تُهضم حقوقها من أكثريات، ليس فقط من معتنقى دين واحد، ولكن من الجميع، وليس فقط فى إطار رؤية الاختلافات الدينية، ولكن فى إطار رؤى الاختلافات الطبقية والفئوية. بل إننى رأيت من ينظر باستعلاء للآخر، نتيجة لعلم تمتع به، على غيره، وهو الأمر الذى لا يمت لتواضع العلماء ومن يعمل بالعلم، بصلة تُذكر.

سمعت تعبيرات غريبة فى الشارع المصرى، مثل: "أنت ما تعرفش أنا مين؟"، أو "ما تعرفش أنا ابن مين؟"، بالإضافة إلى أن بلادنا "بلاد عنصرية"، يُعبر عن ذلك بقول البعض بأنها لم تُخلق إلا للمسلمين وهو الأمر الذى يقولوه الكثيرون بمنتهى البعد عن الدين، وعلى الناحية الأخرى، من يقول بمسألة كون المسلمين فى مصر ضيوف، (التى لم تكن بزلة لسان، حيث يقولها الكثيرون، فى السر لا فى العلن، وحتى الآن)!! رأيت بلطجة من البعض ضد البعض الآخر، تُرد فيما بعد لتُصبح بلطجة على الجميع، ومن الكثيرين. رأيت من يتكلم عن الحرام والحلال، ويُعامل كل أنثى يسيطر عليها فى البيت أو العمل بشدة، ثم يفعل ما يحلو له، ولو تحرش بمن لا يعرف من الإناث!! رأيت طفلاً يضرب قطة بحجر، بينما يضربه من هو أكبر منه بقسوة! ورأيت شتائم فى شارعنا المصرى، وألفاظاً دارجة بين الجميع، كان الكثيرون يتأففون من نُطقها فى الماضى!

رأيت موظفين يعانون سوء الرواتب، وعدم القدرة على إكمال الشهر بمصاريفه، سواء كان للمأكل أو السكن ولوازمه والبيت والعيال وغيره وغيره!! رأيت من يعانون فى العمل وسوء أحواله، ثم يذهبون إلى بيوتهم، يخرجون عناء اليوم فى الاعتداء على من فى هذا البيت، وفى كثير من الأحيان لا يهتمون بما يحدث فيه، إلا من حيث الشكل، لا المضمون! رأيت الكثير والكثير، ويمكن أن تُصبح هذه الكلمات أكثر بكثير مما كتبت هنا، ولكننى متأكد أن من يقرأ أعلم منى بما أريد كتابته، ولكلٍ منا مُعاناته (لأن ما فيش حد خالى)!!

إلا أن الفُقراء والمُشردين وأطفال الشوارع و"مجانين الحكومة"، أو من أطلق عليهم هذا اللفظ فى الشارع ويبدو عليهم الاتساخ الكامل وكأن أجسامهم لم ترى الماء يوماً، ومن يبحثون عن الطعام فى القمامة، هم أشد الناس مُعاناة، ويُمكن لهم أن يُقتلوا دون أن يسأل عن جُثتهم أحد، ولا يُحقق فى مقتلهم أحد، وكأنهم بلا ثمن، أو هكذا هو الأمر بالفعل!!! ورأيت من يشترون العظم من محال الجزارة أو من يقبلون على شراء "رجول" الفراخ، لكى يأكلونها!!

رأيت الكثير، من خلال بحثى فى مسألة واحدة فقط، وقد بدأت بينما كنت أظن، أن مسيحيى مصر هم المضطهدون فقط، لأجد أن اضطهادهم ما هو إلا جزء من اضطهاد للجميع!! إن اضطهادهم، إنما هو عارض ضمن العوارض التى تمثل أزماتنا كلها!! لقد أدركت فى النهاية، أن جزءا من الحل فيما يتعلق بمشكلة اضطهاد المسيحيين فى مصر، تكمن فى حل مشكلة الاضطهاد حيال الجميع!!

لقد أدركت أننا كلنا مضطهدون، وليس فقط فئة أو طائفة أو جنسًا أو أشخاصاً وفقاً لأعمارهم أو لون بشرتهم أو اتجاهاتهم السياسية أو طبقتهم الاجتماعية أو درجة وعيهم!!

ولكى نقضى على الاضطهاد علينا فى مصر، علينا بمحاربة الفساد والإفساد، وأن نعود إلى ثقافة الاعتدال والابتعاد عن "تمثيليات" التشدد، المزيف، من أجل نيل أثمان قليلة وليس لوجه الله، وليس لمصلحة أحد، غير المنافع الشخصية.

علينا أن نعود إلى أنفسنا وإلى إحياء ضمائرنا وإلى الإخلاص فى أعمالنا وإلى مصر!! وعلينا أن نعيد مصر إلينا وأن نشعر ببعضنا وبالآخر البعيد عنا، حتى نزيل كل صور الاضطهاد عنا!! علينا أن نضع الإنسان فوق كل شىء وأى شىء، لأن تكريم الإنسان هو الحل!!

• أستاذ علوم سياسية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة