قال محمد مرسى، المتحدث الرسمى باسم جماعة الإخوان المسلمين، المسئول عن ملف الانتخابات بالجماعة: "إن الإخوان لا يرفضون شعار (المسيحية أو اليهودية هى الحل)"، هذا كان جزءا من خبر نُشر أعلى الصفحة 3 فى جريدة "المصرى اليوم" ليوم السبت الموافق 30 أكتوبر الماضى! وبنظرة سريعة على ما قيل، فإن جماعة الإخوان المسلمين تمنح الإسرائيليين الحق التام فى تهويد الدولة فى إسرائيل، وتهويد القدس، بمنتهى الحرية، وكأن الأمر حق ممنوح من مالكى الماء الطهور: الإخوان المسلمين!! إنها لسقطة، من العيار الثقيل، وهى مرفوضة ليس فقط فى مصر، ولكن فى أى مكان يدافع عن الحق والحرية ورفض القمع والاحتلال، واستغلال الدين لعكس ما خُلق له!!
كون ذهنهم تفتق عن شعارهم من إعلانات "كوكاكولا هى الحل" فى أواسط الثمانينات، ليتلاعبوا سياسياً بالدين، يُمكن أن يجعل أى إنسان يتنبأ، بكيفية تطويرهم لاستخدام الشعار الذى يبذلون مجهوداً مُضنياً للدفاع عنه بشتى الحيل! وها هم يعتدون على الفلسطينيين بشكل مُباشر، فيما يتعلق بكيانهم وقضية تحررهم، ويقولون، إن الحق مكفول لإسرائيل، لاعتماد "اليهودية هى الحل" (فيهود مصر لا يتجاوز عددهم اليوم الـ 50 شخصاً، ولا يُعقل أن يخرجوا بشعارات سياسية فيها، إلا لاستهداف المواطن الإسرائيلى، وبالتالى فما قاله مرسى، هدية الجماعة للكيان الصهيونى)! لم أكن لأتصور فى أكبر كوابيسى أن ينتهكوا حقوق البشر بتلك الألاعيب التى تحول الدين الذى يستغلونه، إلى أضحوكة، يتناولها العالم ويُشير إلينا بقلب الحقائق هكذا وبشكل يثير الغثيان، كونهم للأسف مصريين!
وبينما يمكن قول الكثير فى النظام القائم اليوم فى مصر، فإنه يقف صلب ضد تهويد الدولة فى إسرائيل، لأنه يدرك تماماً، أنها خطوة لطرد فلسطينى 1948، منها، وتقديم خدمة "خسيسة" لإسرائيل!! إلا أن الإخوان لم يُضرهم هذا فى ظل تفاوضهم السرى مع الأمريكان، من أجل الوثوب على السلطة، ومن أجل منح هؤلاء الأمريكان صورة "تنويرية" تعبر عنهم (رغم أنها تثبت ظلاميتهم الطاغية)!! لقد ضلوا طريقهم فيما لا يفقهون! وإن تفاوضهم المستمر مع الإدارة الأمريكية، يعرف عنه كل المختصين فى شأنهم، من حاملى رايات الحرية والعدل والرغبة فى ريادة مصر، من التنويريين الحقيقيين، وهى شعارات يرفعها الإخوان اليوم، قائلين إنها تمثل هذا الشعار، الذى اعترفوا هم قبل غيرهم، كما هو مبين أعلاه، بأنه مثل ذاك القائل، بأن "اليهودية هى الحل"!
والمصيبة الأكبر على الصعيد الداخلى أنه وبينما تحارب الأغلبية، ظاهرة الفتنة الطائفية، يقول الإخوان بأن للمسيحيين الحق أن يرفعوا هم أيضاً شعار "المسيحية هى الحل"، وكأنهم يحاربون هؤلاء المسيحيين فى الظلام ثم يمنحونهم فى العلن الشعار الذى سيستكملون محاربتهم به، لأنهم يحملونه!! إنها الخديعة المكيافيلية التى لا ترضى بشىء إلا الصعود إلى أعلى من خلال الدمار للجميع، متسلقة عليهم، لتقف فوق الخراب فى النهاية، منتشية بكرسى الحكم على الأشلاء، دون اهتمام بالدين أو بسلامة العباد!!
وبالتالى فإنهم وفى إطار تبرير "التفافى" لصحة شعارهم، منحوا إسرائيل ما تصبوا إليه ومنحوا مصر الفوضى، وكأنهم يكشفون المزيد مما يريدون بالفعل. فهم يمنحون إسرائيل القوة ومصر الضعف، لأنهم لا يستطيعون العمل إلا من خلال الضعف المصرى، حيث يشعر البعض، بالخوف مما يظنون أنه ناتج عن الرسميين (فى تلك الحال)، بينما هو فى الحقيقة ناتج عن خفافيش الظلام، أو الإخوان الذين لا يستطيعون العمل السياسى، إلا من خلال التخريب المُتعمد، بدعاوى هم أنفسهم لا يفهمونها. ولو أنهم أرادوا أن يقولوا خيراً، لقالوا بإيمانهم بحق الجميع فى الحياة بحرية بعيداً عن الاحتلال والقمع والقهر وسرقة أراضى الغير، وينادون بحق، بالحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، وليس بيهودية الدولة، وتزكية نعرات الفتنة الطائفية، بإرساء معادلة غير متزنة مؤداها، شعارهم مقابل شعار مسيحى من صنع أحلامهم لقلب الوطن إلى كابوس من المواجهات الطائفية الدامية!
وتسقط كل تبريراتهم القانونية لشعارهم، فى سلة المُهملات، مع إظهارهم عبر الدكتور محمد مرسى، متحدثهم الرسمى، هدفهم الحقيقى من وراء شعارهم، فى إضعاف مصر وتقوية إسرائيل، ليصبح هذا المبرر الذى من خلاله يربحون الأصوات، ولا هم لهم فى تلك الحال، بدين ولا عقيدة، ولكن شعارهم يصبح ترجمة عملية لمكيافيلية "الغاية تبرر الوسيلة"، لينتقل الشعار من مجرد إعلان الكوكاكولا، إلى إعلان منح الشرعية لإسرائيل، حتى تصبح الحاجة إليهم فى "فضح" إسرائيل التى تتشدق بالهوية القومية والدينية، من أجل القمع والاعتداء على الحقوق، بينما هم فى الأصل من يعاونها، ويعتدى على الإنسانية وقيمها، بهذا الشعار، ليصبح أى توضيح وشرح لشعارهم، عبر برنامجهم الانتخابى، مختلفاً كلياً، عما يخفون!
إن من يريد أن يلخص الدين فى جملة واحدة، يصعب عليه هذا، لأن الدين أشمل من شعار. والمُصطلحات المتواجدة فى الدين، تتطور ولا تظل ثابتة. فحرية الاختيار والعدل والمساواة، لا تقف عند شعار ثابت، ولكنها مع الزمن تطورت لتشمل أشياء وأشياء فى ظل قيمنا الجميلة. أما ثبوتهم عند نقاط تريد بنا مجتمعاً قبليا صحراويا أصفر، يبعد بنا عن سماحة الدين ورحمته وينابيعه الفضفاضة ومروجه الخضراء، إلى قساوة البداوة فى رياح الخماسين العتية، فى ظل شعار يفسرونه بطرق مختلفة تماماً عن بعضها البعض، فى وقت واحد، وكأنهم ثعالب اليوم فى السياسة والدين معاً، وهو الأمر الذى لا يستقيم فى وصف الدين، فإنه لتحايل، لا يريد وجه الله، ولكن وجه البيت الأبيض والكنيست الإسرائيلى، من أجل تزيين أعمالهم لمن يريد لمصر وجهة الفوضى، ولا يريد الحق والعدل للبشرية دائماً!
إن هذا الإيضاح، من قبل الدكتور محمد مرسى، إنما هو دليل على تطبيع غير مباشر مع إسرائيل، فى خدمة مباشرة لأهدافها، وإضراراً عميقاً بالقيم الدينية الإسلامية وبالوحدة الوطنية، ويدل على أنهم يغازلون القوى الكُبرى فى العالم والمنطقة، بغير قيمها، مما يبرز تداخل واضح لفهم الإخوان، الكثير من القيم الإنسانية والدينية فى عالم اليوم! فليتقوا الله إن أرادوا تمثيل الدين وليتقوا الحق فى تناولهم القيم الإنسانية!
ملاحظة أخيرة: طالما أن النظام سمح للإخوان بالترشح فى الانتخابات البرلمانية، رغم أن النظام ذاته من يقول "بحظر" الجماعة، فإن عرقلة الدعاية "غير الدينية" للجماعة وملاحقة أفرادها واقتحام منازلهم ، لا يتماشى مع منحهم شرعية التمثيل!! كما أن على النظام احترام تعهداته الضمنية، وإيضاح موقفه بجلاء، فيما إذا كانت الجماعة محظورة أم قانونية!! "سياسة عدم الوضوح"، لا تخدم الدولة المدنية، بل وتتعارض معها، مؤججة للفوضى!!
• أستاذ علوم سياسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة