شريف حافظ

النقد للجميع

الجمعة، 29 أكتوبر 2010 06:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عملت فى أواسط التسعينيات من القرن الماضى فى إحدى منظمات حقوق الإنسان، القومية الطابع، وكنت مسئولاً عن مُتابعة ملفات حقوق الإنسان فى سوريا ولبنان والأردن والعراق والمناطق الفلسطينية وإسرائيل.

كانت الممارسات فيما يخص ملف حقوق الإنسان، تحت السلطة الفلسطينية وقتها، لا تسر. وكنت أكتب كل شىء بمنتهى الأمانة كما تنقله الصحف. فقال لى المسئول عن عملى، إننا لا يجب أن نكتب ما تقوم به السلطة حيال الفلسطينيين، حتى لا نساوى الفلسطينيين بالإسرائيليين فيما يتعلق بالممارسات القمعية ضد المواطنين الفلسطينيين. ولكنى اختلفت معه، لأننا، وفقاً لرؤيتى، يجب وأن نكتب الأحداث كما تحدث، وأن نوصل الحقيقة للمتلقى، لأن حقوق الإنسان لا تنفصم. كان هذا سبباً فى استقالتى وقتها وتركى عملى، لأن المسألة بالنسبة لى كانت تُشكل مبدأ قول الحقيقة ولا شىء سواها!.

ومنذ يونيو 2007، تحيا غزة فى ظل نفس القمع، وربما أشد منه، تحت قيادة حماس التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وعند الحديث عن ممارستها، نجد من يقول إننا يجب وأن نتناول الممارسات الإسرائيلية فقط، بل ويذهب البعض إلى التأكيد على تناول أعمال السلطة الفلسطينية فى الضفة فقط، دون ما تقوم به حماس. وهو منطق مُهترء، يقوم بالأساس على التفريق بين الجُناة وعدم مساواة المجنى عليهم فى الحقوق، وكأن تناول الانتهاكات، مقصود به هوى مُعين، وليس المقصود به، رفع الظُلم عن الفلسطينيين فى حد ذاتهم.

وفى هذا الزمن، وبينما ننتقد الإخوان المسلمين وفقاً لواقع فيها (لى عدد من المقالات خلال السنوات الخمس الماضية فى نقد الإخوان، وليس فقط الآن)، يرى البعض، أننا علينا نقد النظام فقط، وهو نفس الكيل بمكيالين، فعند تناولهم نتهم بأننا ننتمى إلى النظام، وكأننا حين نتناول الظلم الواقع على الفلسطينيين فى غزة نعمل لصالح إسرائيل، وحينما نتناول الظلم الواقع على الفلسطينيين فى الضفة، نعمل لصالح الفلسطينيين، وعندما نتناول الظلم الواقع على الفلسطينيين فى إسرائيل، نعمل لصالح العرب! إنما تلك التقسيمات، تقسيمات للإنسان الفلسطينى، لا تصب إلا فى الصالح الإسرائيلى، إن تناول الظلم فى أى مكان ومن قبل أى سلطة أو نظام، هو عمل لصالح الإنسانية لرفع الظلم عن الإنسان، أينما كان! ومنطق الكيل بمكيالين فى الحق، هو منطق مُناف للإنسانية والعدل والحق والحرية، أينما كانت، ووفقاً لكل دين وضد القيم الإنسانية السامية جمعاء.

الكثيرون من الكُتاب ينتقدون النظام، وليس هناك عيب فى نقد غيره فى المجتمع، لأن النظام ليس المُخطئ الوحيد فيما نحياه، والمجتمع متعدد الأطراف السياسية! وما مسألة رفض نقد غير النظام إلا نوع من إقواء لغيره، بينما نريد ميزانا من العدل! والعدل لا يتأتى بالنقد فى اتجاه واحد فقط! ولعل السنوات الخمس الماضية لتدل على تلك الحقيقة بجلاء، حيث يظهر بوضوح أن المعارضة بأكملها لم تُقدم، ولو برنامج واحد، بديلا، طارحة فيه سُبل الإصلاح الشامل لمصر، وجاء شخص واحد من الخارج مُقدماً طرحاً منقوصاً، لتعديل بعض مواد الدستور! أليس هذا غريباً، رغم أن تلك بديهية من بديهيات عمل المُعارضة، التى لم يكن مسئولاً عنها النظام فى تلك النقطة؟! فإن كانت تلك هى المعارضة، وهى التى لديها رغبة مشروعة فى الوصول إلى الحكم، وفقاً للتعريف الأساس للأحزاب، فأين البرنامج الذى على أساسه تريد تلك الأحزاب أن تتولى إدارة البلاد؟!.

لقد التحقت بحركة كفاية عام 2005 فوجدت أن المسألة برمتها ما هى إلا مجرد شتائم وسب ومعارضة وشكوى وقتها، وليس سياسة وطرح حلول، ولذا تركتها بعد شهور قليلة، لأنها لم تكن إلا كما أرادها النظام أن تكون، وأحزاب المعارضة نفس الشىء كحركة كفاية. أما جماعة الإخوان فهى شىء آخر، وكما أراد لها أُناس لا يهمهم بالأساس ما يقولون إنهم يمثلونه من دين، ليسيئوا له صباح مساء بشعار للأسف اقتبسوه من إعلانات مشروب "كوكاكولا"، حيث كان الإعلان قديماً يُشير إلى أن "كوكاكولا هى الحل"، فما كان منهم إلا أن قلدوا الإعلان، وكأن الإسلام إعلان "تجارى" لهم، والعياذ بالله، ولكن البعض يرى أننا علينا أن نصمت فيما يتعلق بهم، لأن هذا يضر بموقف المعارضة!.

ولكن لا يمكن السكوت اليوم على تلك المهزلة، لأننا فيما يتعلق بالإخوان نتكلم عن جماعة تريد بكل ما أوتيت تزوير وتزييف الدين، الذى ننتمى إليه، من خلال خلطه بشعارات إعلامية، مؤطرة إياه فى ذاتها، بينما الظاهر، أنها تقول إنه دين شامل! ولن نصمت على الإخوان وقول الحق فيهم، لأن الحزب الوطنى سيئ، لأن تلك كلمة حق يراد بها باطل، فعندما صمتنا قديماً على ممارسات السلطة الفلسطينية فى منتصف التسعينيات، ظهرت حماس تقوم بممارسات أفظع فى غزة، وإن صمتنا عن الإخوان، فإننا لقدر الله ربما نجدهم وقد أساءوا للإسلام أكثر مما يسئ إليه غيرهم! إن النقد يجب وأن يوجه للجميع، وليس فقط النظام، لأن المرجو أن يتغير الحال، فهل يتغير بما هو أسوأ منه، لأننا سكتنا عن سيئات من ليس فى السلطة؟.

•أستاذ علوم سياسية





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة