كدنا أن نصدق أن النبل والفضيلة والأخلاق والعادات الحميدة ستكون الصفات الحقيقية للعبة شعبية مؤثرة مثل كرة القدم، وكدنا نصدق أن سيناريو اللقاء الذى كانت بداياته قبل اللقاء حميمية ستنطبق فى أرض ملعب رادس بتونس، حين يلاقى الأهلى فريق الترجى فى مباراة الإياب فى الدور قبل النهائى للأندية الأبطال.. ولكن يبدو أن سيناريو الاستقبال بالورود والغداء والعشاء وخطاب المشاعر الفياضة كان خادعا، لأن ما شاهدناه فى أرض الملعب لا ينطبق على لعبة كرة القدم.. شاهدنا حالات كر وفر، ولكن للأسف لم نشاهد مباراة كنا ننتظرها بين فارس أفريقيا ومصر صاحب القلعة الحمراء، وبين فريق واعد يبشر بمستقبل كروى أفريقى كبير، ولكن كان للفريقين رأى آخر وسلوك مختلف، فمع بداية اللقاء ظهرت روائح التواطؤ تطل من صافرة حكم اللقاء الغانى لامبتى، ولم تمر دقيقة واحدة حتى أحرز إينرامو مهاجم الترجى هدفا بذراعه كاملة، أزعم أن الجماهير كلها شاهدته إلا الحكم ومساعده اللذان أصابهما العمى المؤقت، ولذا لم يشاهدا ذراع أو يد الشيطان إينرامو الذى لم يستحِ وجرى ليهلل ويفرح ويطنطط سعيدا بأنه لص.. سارق.. أحرز هدفا يمنح فريقه بطاقة التأهل للنهائى الأفريقى دون حقوق كاملة، وظننت -وإن كان بعض الظن إثما- أن حكم المباراة سوف يصحح خطيئته الكبرى ويدافع عن اسمه ويثبت أن الذين شككوا فيه قبل المباراة كانوا مخطئين أساءوا به كل الظن، وأنه ليس متواطئا ولا ضعيفا ولا مهتزا، ولكن جاءت المبارة لتؤكد شكوك الجميع، وتؤكد شرعية التواطؤ فى هذه المباراة، وتؤكد حقا أنها أيضا مباراة اسما فقط ولا تخضع لكرة القدم فى أى شىء.. فالمباراة كلها كرات طولية واشتباكات وضرب وركل بالأقدام ومحاولات استفزاز للاعبى الأهلى بكل الألوان.. وساهمت الأمطار الغزيرة فى سوء الأداء أيضا.. وكانت هناك خارج الملعب فواصل مسيئة لهذه اللعبة الشعبية، وحالة تشعرك بالغيظ والقىء وانفلات الأعصاب والأخلاق فى ملعب رادس وفريقه الترجى، فمتى نسعى لنفوز فوزا مستحقا.. ومتى لا نعيش على الخداع؟ فهل معقول أن الكرة تترك أرض الملعب، إما لضربة ركنية أو رمية تماس لا نجدها.. ويقف أبوتريكة يبحث عنها ويشير بيده إلى الحكم بأنه لا يجد الكرة.. وبالطبع الحكم يبدى تعجبه أيضا ولا يتحرك.. فكيف تكون هذه مباراة وكيف نسميها مباراة فى الدور قبل النهائى وإلى متى سنعتمد على نعمة النسيان، وبمجرد أن تنتهى المباراة كأن شيئا لم يكن ونجرى مهرولين ونختبئ تحت عباءة السياسة والسياسيين، ونطنطن ونتكلم عن العلاقات الأخوية بين الشعبين على المستوى الرسمى وغير الرسمى، ولا أعلم لماذا نزج دوما فى علاقة الشعبين بمباراة قدّم فيها مسؤولو الترجى كل فواصل التدليس، وقدّم أيضا لاعبوه كل أشكال تضييع الوقت.. إما بادعاء الإصابة أو بإخفاء كرة اللعب.. ولا أصدق أن مباراة فى دنيا كرة القدم يمكن أن تسير على وتيرة واحدة طوال 90 دقيقة كاملة.. فريق يدافع، واللاعبون لا يتحركون من منتصف الملعب، وحالة زحام غير طبيعية بلا جدوى أو تأثير أو تسديدات على مرمى سواء شريف أكرامى أو وسيم نوارة حارس الترجى.. نعم هذه المباراة المملة خذلتنا لأنها لا تخضع لأى أشكال كرة القدم سواء فى النبل أو الأخلاق أو الروح الرياضية.
وإذا كان الحكم الغانى لامبتى هو البطل الأسوأ لهذا اللقاء، فهناك عجائب كثيرة لا تقل فى سوءها عن هذا الحكم الباطل، أغربها حالة التردى التى أصابت لاعبى الأهلى جميعا، وحالة «الصربعة» والتسرع والانفلات الأعصابى التى طالت بركات وتم طرده بلا مبررات منطقية فى الدقيقة 28 فى الشوط الأول، وأيضا ضاعت تأثيرات الأهلى فى الأجناب نظرا لسوء مستوى سيد معوض الذى لم يقدم شيئا طوال مشاركته حتى تم استبداله لشعوره طوال المباراة بالخوف من الإصابة وعودتها، وكان عالة على الفريق، ولا ندرى لماذا أشركه البدرى أصلا، ونفس الأزمة واجهت أداء أبوتريكة طوال مشاركته أيضا، وباختصار سقطت أقنعة أهل الخبرة تماما فى هذه المباراة، وأكدت للمدير الفنى أنها كذبة واهية، وباتت الخلطة السحرية بين الكبار والشباب هى الحل، وبات لزاما أن يبدأ المباريات القادمة أحمد شكرى وشهاب الدين وعفروتو وأيمن أشرف ليذوب هؤلاء الشباب فى نسيج الفريق لأنهم باختصار هم مستقبل الأهلى القادم.. وأظهرت أيضا هذه المباراة حالة الجهل الكروى الكبير الذى يجب أن نراجع فيه شريف عبدالفضيل وأحمد فتحى وأحمد السيد الذين يتفننون فى إضاعة الكرات بلعب الكرات الطولية وعدم تسليم الكرة للاعبى وسط الملعب.. «وياريت كل واحد يلعب على قده».. ومن كثرة هذه الكرات الطائشة أشفقت على جدو الذى بذل مجهودا خرافيا، ولو كان هناك حكم حقيقى لاحتسب له ضربة جزاء صحيحة.. عموما انتهت المباراة وضاعت أحلام الفرحة الحقيقية والانتظار الوهمى وسقط الأهلى والترجى فى أداء عقيم، ونجحت يد الشيطان النيجيرى إينرامو التى أحرزت هدفا بطعم التشكيلات العصابية التى تستبيح كل شىء.. إن كان حلالا أو حراما.. صحيحا أو خاطئا.
> أكثر من صديق عزيز عاتبنى متسائلاً.. لماذا تنتقد حسن شحاتة المدير الفنى للمنتخب الوطنى بكل هذه الحدة.. لماذا كل هذه القسوة.. رغم أنك كنت أكثر المدافعين عنه منذ توليه المسؤولية 2005.. وهل الهزيمة من النيجر تستحق كل هذا اللوم والعتاب والانتقاد.. ثم قال صديق أثق كثيرًا فى رؤيته، وأعرف مدى إخلاصه للمدير الفنى، لا أنكر أن صدمتى كانت عنيفة بعدما سمعت حوارك فى إذاعة الشباب والرياضة مع النجم الكبير طاهر أبوزيد، حول هذه المباراة الغامضة أمام النيجر.. وكنت لا أتوقع منك أن يكون انتقادك لاذعا بهذه الدرجة، وكنت أتمنى أن تأخذ بيد حسن شحاتة وتسانده وتخفف آلامه وأوجاعه بعد الهزيمة، ولكنك أشعلت النيران، وزودت الجراح، وأرى أن المعلم شحاتة لا يستحق كل هذا اللوم عقب هزيمة مباراة.. فقلت لهذا الصديق المحب الذى أعرف أنه يعشق شحاتة ظالمًا أو مظلومًا.. يحبه كمشجع زملكاوى أولاً وصديق عمر له ثانيًا.. لا أنكر أننى كنت من أشد المدافعين عن المدير الفنى وهناك تفاصيل كثيرة لا يعرفها المدير الفنى حتى الآن، من محاولات البعض التخلص منه فى بدايات عهده بالمنتخب وهؤلاء البعض كانوا غير مقتنعين تمامًا بشخصيته لتولى هذه المهمة.. وحتى فى الفترة الأخيرة عندما تمت إزاحة سمير زاهر عن كرسى اتحاد الكرة، بعد حكم الإدارية العليا، وتولى هانى أبوريدة المنصب لمدة أيام معدودة، تحدث معى أحد القيادات المعاونة للمدير الفنى فى الجهاز، وقال لى المعلم، يخشى أن يستبعده أبوريدة، نظرًا لعلاقته الجيدة مع المدرب العام، وربما تهز هذه العلاقة وتزحزح شحاتة من كرسى حكم المنتخب الوطنى، فقلت مقاطعا: لا تصدق هذه الخرافات فلن يستطيع أحد تحريك شحاتة وإذا كان البعض يحاول استثمار علاقته بأبوريدة ضد المدير الفنى فهو مخطأ تمامًا وهذا الكلام لا ظل له من الحقيقة.. أروى هذه الحكاية لأؤكد أننى فعلاً كنت لأقرب الأوقات مساندًا للمدير الفنى.. ولكن جاءت مباراة النيجر لتكشف لى أن حسن شحاتة الذى أعرفه تغير تمامًا.. فهو الذى كنت أسانده لنواياه الخالصة ومحاولات إرساء العدل بين اللاعبين وإعطاء كل ذى حق حقه.. وأعرف شحاتة الخجول الذى لا يدخل فى معارك ولا سفسطة كلام ولا يجيد نظام الشلة، وكنت أراه رجلاً فى حاله.. مصرى لا يجيد التلون ولا يعرف اللون الرمادى، فكنت أراه إما لونه أسود أو أبيض.. كان شحاتة يغضب ويحزن ويسكت ويلزم منزله ولا يتحرك منه إذا شعر بالخطأ أو الهزيمة.. فهو الذى بكى مثل الأطفال أمام كل اللاعبين فى حجرة الملابس فى أم درمان عقب هزيمتنا من الجزائر وضياع حلم الوصول لكأس العالم.. وجدته إنسانًا آخر الآن.. فرغم أخطائه الفادحة فى مباراة النيجر ورغم تشكيل المباراة الذى لعبت فيه كل ألوان المجاملات، ورغم قسوة الظلم لاستبعاد لاعبين وعدم ضمهم لصفوف المنتخب أو انضمامهم وعدم مشاركتهم لعدم وجود سند لهم داخل صفوف المنتخب.. نعم شحاتة بات يلعب بالتوازنات التى كان لا يخضع لها، فبات يخشى اللاعبين الكبار وبات يخشى أنديتهم الكبرى وبات يرتعش وينحنى ليظل جالسا على كرسى عرش المنتخب.. فإذا سمعته فى تصريحاته عقب الهزيمة تجده يقول كلامًا مملوء بالمغالطات.. يتكلم كأن شيئًا لم يكن.. لا تشعر أنه حزين مثلما كان فى بدايات توليه المهمة ولاشىء يفرق عنده وبات مثل الجراح الذى يضع مشرطه فى بطن أخيه أو ابنه أو صديقه ولا يبالى.. شحاتة بات يؤمن بنظرية المؤامرة وأصبح الفرعون الذى لا يتحمل ولا يطيق توجيه أى انتقاد له وكأنه ممنوع منعًا باتًا الاقتراب أو الكلام أو الحديث عليه.. إذا قلت التشكيل خاطئ وإذا تحدثنا عن ضرورة التبديل والتغيير، وإذا رفضت مجاملاته، فأنت فى خانة المتآمرين.. وهذه هى النهاية.. المدير أو المسؤول الذى لم يعد يتحمل سماع الرأى الآخر عليه السلام وأعرف أنها نهايته.. المدير الفنى الذى خرج علينا فى اتصال هاتفى عبر إحدى شاشات الفضائيات ليسب ويلعن كل الذين انتقدوه ولم يرحم حتى زملاءه المدربين.. تعرف أنها نهايته.. كنت أنتظر أن يخرج شحاتة ويقدم استقالته مثلما قال ابنه كريم عقب المباراة.. ولكن سرعان ما تبدلت الكلمات، وتم دفن الاستقالة سريعًا وراح الابن يبرر ويحلل ويقول إنه لم يقصد وإن تصريحاته لم تنقل بدقة.. وقلت يا إلهى لو كان صحفى أو إعلامى فضائى قال هذه الاستقالة على لسان شحاتة.. أظن أنه كان سينال كل ألوان اللوم وبات شيطانًا رجيمًا بكرهه نجاحات شحاتة وابنه.. وعمومًا بعدها تأكدت أن الاستقالة كلمة محرمة فى مصر وممنوع الاقتراب منها قطعيًا ولمَ لا؟ فمن فى مصر استقال أصلاً.. فعدد الذين استقالوا من كل المناصب لا يتعدى أصابع اليد الواحدة.. ولماذا يستقيل شحاتة ويترك الرضاعة المجانية.. هل هناك عاقل يحب الفطام.
عمومًا إذا أراد شحاتة والذين معه أن يتواصلوا ويواصلوا مسيرة المنتخب فعليهم سريعًا أن يعودوا إلى نواياهم الخالصة ويرسوا قواعد العدل بين اللاعبين، ويسرعوا بالإحلال والتجديد حتى تستمر مسيرة المنتخب ونحقق الحلم الذى بات كل يوم بعيد المنال، وهو الوصول لكأس العالم القادمة فى البرازيل 2014.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة