"1981" قصة تتنبأ بفاجعة نجع حمادى لـعلاء أبو زيد

الإثنين، 11 يناير 2010 08:29 م
"1981" قصة تتنبأ بفاجعة نجع حمادى لـعلاء أبو زيد الأديب علاء أبو زيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أرسل الأديب والإعلامى علاء أبوزيد هذه القصة القصيرة إلى موقع اليوم السابع، وقد كتبها منذ عدة سنوات، لكنها كانت وما زالت تنبه إلى الحالة المتردية التى وصلت إليها العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وآخرها جريمة نجع حمادى.

-1-
تحقق ما كان ينتظره .
اليوم بداية العام الدراسى، لن أذهب إلى المدرسة الابتدائية القريبة، ألا تكفى ست سنوات مع نفس الوجوه.
المدرسة الإعدادية فى المدينة والطريق إليها طويل.. طويل، سأنفذ بالحرف الواحد نصيحة أبى.
عندما يبدأ الطريق الأسفلتى استمر فى سيرك وكلما قابلك شارع لا تلتفت إليه، عند الشارع السابع توقف.. ستجد المدرسة أمامك.

-2-
أسير الآن فوق الجسر الترابى، البنات يسرن ناحية اليمين بمحاذاة الترعة حيث ظل أشجار الصفصاف الناعم، أنا مع الأولاد نسير ناحية اليسار بمحاذاة النهر حيث شمس أكتوبر.
عند نهاية الجسر الترابى ومع بداية الطريق الأسفلتى يقف المبنى ذو الطوابق الثلاث، يحيطه سور عال تتمايل فوقه أغصان الأشجار المحملة بما تبقى من ثمار الصيف.
أعرف المبنى جيدا أنه الملجأ المسيحى للأيتام، يحكى أبى أن جدى فى سنواته الأخيرة ترك الأرض وتتبع موالد أولياء الله الصالحين أينما تكون، يغيب كثيرا ويعود عندما لا يتبقى معه نقود.
جاءه الخواجات وعرضوا عليه مائة جنيه مقابل قطعة كبيرة من الأرض، دون تردد وافق، خلال أيام بدأوا فى بناء الملجأ.
عمى الأكبر تركنا، أخذ زوجته وأولاده وبنى بيتا بجوار الملجأ، عندما كنت أزوره، أراه يسير مع سيدة الملجأ، يخاطبها كما يطلقون عليها فى الملجأ "ماما"، يقدرها كثيرا ولا يتركها قبل أن يقبل يدها .
"الماما" سيدة مسنة جدا، ترتدى دائما رداء أسود، يكشف عن جزء صغير من ساقين بيضاوين فى سمك ساق الماعز، تغطى شعرها بمنديل أسود وكلما رأتنى تبتسم لى فى طيبة.

-3-
فى الفصل يجلس جوارى خالد، بالقرب منى فى الصف الموازى يجلس عبد المسيح ورمسيس، أبله إيزابيل مدرسة الحساب ورائدة الفصل، الأستاذ عمر مدرس العربى والدين، الأبله سعاد مدرسة العلوم، الأبله مديحة مدرسة المواد الاجتماعية، الأستاذ أديب مدرس الرسم.

-4-
فى العودة يسير الأولاد بأدب واضح وما أن يصلوا إلى بداية الجسر الترابى حتى يتحولوا إلى شياطين، يتقافزون فوق أسوار الملجأ، يسرقون ما يقدرون عليه من ثمار الأغصان القريبة، يأكلون بشراهة وعندما يشعرون بالشبع يلتقطون الحجارة ويقذفون الملجأ وفى لمح البصر يعدون بسيقانهم ناحية بيوتهم دون أن يتوقفوا عن الضحك.
يعلم أباؤهم فيربتون على أكتافهم.
يعلم أبى أننى لم أشاركهم فيربت على كتفى.

-5-
بمجرد وصولى إلى البيت أخلع ملابسى ثم ارتدى جلبابى، أحمل كراريسى وأقلامى وأنطلق باتجاه بيتها بحرى البلد.
أختار نخلة عالية فى مواجهة باب بيتها، أجلس مسندا ظهرى على جذعها وأراقب الباب طويلا لكن أحدا لا يدخل ولا أحد يخرج .
أعود عند غياب الشمس دون أن أراها.

-6-
تفوقى بدا واضحا، عبد المسيح هو المنافس الحقيقى لى، كان مؤدبا ومطيعا ولا يشارك زملاءه ضجيجهم اليومى، رمسيس يقترب منه لكنه كان عصبيا وله لسان طويل، خالد لا يتفوق فى شىء وبالكاد يفهم الدروس السهلة، كل يوم يقترب من رمسيس ويطلب منه أن يُِسلم، رمسيس لا يضحك مثل عبد المسيح لطلب خالد، كان يكيل لخالد السباب واللعنات لينتهى اللقاء اليومى بمعركة بالأيدى والأرجل بينهما تنتهى بسقوط رمسيس على الأرض ورفع خالد من فوقه بصعوبة.
الأستاذ عمر يعلم بما حدث واعتاد عليه، يضرب خالد بعصاه التى لا تفارقه ويهدئ من روع رمسيس.
الأبله إيزابيل عندما تتأكد من أن المسألة الحسابية صعبة تلجأ إلى رمسيس، إذا فشل تلجأ إلى عبد المسيح، وإذا فشل تلجأ لى.
الأبلة مديحة تقف فى الفسحة مع زميلتها، لا تهتم بوقوفى بالقرب منها أسمعها وهى تحكى عن رغبة الأبلة سعاد فى الزواج دون أى شرط.
الأبلة سعاد تكتب عنوان درس العلوم على السبورة ثم يأتى لها مصطفى ذو اللحية النابتة والذى يكبرنا بعامين، تكتفى بعنوان الدرس وتقضى وقت الحصة بأكملها على الباب تتهامس مع مصطفى.
بين الحين والآخر تصرخ فينا لكى نتوقف عن الضجيج فلا نعبأ بصراخها، يتدخل مصطفى بصوت حازم مخيف فلا يفتح أحد فمه بقية الحصة.
الأستاذ أديب يأخذنا إلى معمل الرسم فى الطابق الأخير، يطلب منا أن نرسم انتصارمصر فى 6 أكتوبر ولا يهتم بنا بعد ذلك، يقضى بقية الوقت فى تدخين السجائر وشرب الشاى وبين الحين والآخر يبتسم لعبد المسيح.

- 7- كل يوم مع عودة الأولاد من المدرسة يتكرر طقسهم اليومى، ما أن يصلوا إلى الملجأ حتى يقذفوه بالحجارة، توقفوا فقط عن تسلق الأسوار عندما تأكدوا من اختفاء الثمار بسقوط أوراق الشجر .
كل يوم أيضا ومع وصولى للبيت يتكرر طقسى اليومى، ارتدى جلبابى أحمل أوراقى وأقلامى اجلس امام بيتها مستندا على جذع النخلة أراقب الباب المغلق الذى لا يُفتح، اُثبت عينى ناحية الباب طويلا دون ملل، قبل أن أصل إلى إعلان يأسى أراها تأتى من ناحية الباب دون أن يُفتح، تصافحنى وتطلب منى أن أسامحها ثم تجلس أمامى، تشد جلبابها تحت ساقيها وتتأكد أنها تغطت، أقول لها كل البنات يذهبن معنا إلى المدرسة.. أين أنت؟
تقول لى.. احك لى عن المدرسة والمدرسين وزملائك.
أحكى لها عن كل شىء، لم أنس حتى التفاصيل الصغيرة، كانت لا تتوقف عن الضحك عند سماعها لما يحدث بين خالد ورمسيس، كانت تطالبنى بأن أستمر متفوقا وتنبهنى من ذكاء عبد المسيح وكانت أيضا تسأل بخبث عما يدور بين مصطفى والأبلة سعاد.
قلت لها.. ما يهمنى أن تعوضى ما فاتك من دروس، سأشرح لك كل ما فاتك وما سيأتى.
لم تستوعب دروس الهندسة ولم تفهم كيف تحسب زوايا المثلث، رسم لها على الارض مثلثا كبيرا، وشرح لها أن المثلث المتساوى الأضلاع يكون متساوى الزوايا وأن زوايا المثلث 180 درجة وأن كل زاوية 60 درجة، فهمت ذلك ولكن لم تستطع أن تعرف قيمة الزوايا عندما يكون المثلث متساوى الساقين، شرح لها من جديد، وهو يشرح اكتشف ان الشمس غابت وأنها لم تعد تجلس أمامه.
لكنها فى اليوم التالى عادت إليه وبينما يشرح درس العلوم اكتشف مع غياب الشمس أنه يجلس وحيدا.

-8-
أيام قليلة وينتهى العام الدراسى، نتشوق لحصة الأبلة إيزابيل.. سنعرف فيها من الأول.
بالفعل قبل أن تغادرنا أعلنت النتيجة :
الأول أنا
الثانى عبد المسيح
الثالث رمسيس
صاح خالد.. الله أكبر.. الله أكبر.
ابتسم عبد المسيح واقترب منى. رمسيس قائلا:
- انت لا تستحق المركز الأول.
قبل أن تتركنا أبلة إيزابيل أخبرتنا أنها أجلت تسليم شهادة الدرجات لأن الأستاذ أديب لم يسلمها للآن درجات مادة الرسم.
فى اليوم التالى دخلت علينا حاملة شهادات الدرجات، قبل أن تعلن النتيجة النهائية نظرت ناحيتى قائلة:
- أنت متفوق وسيكون لك مستقبل باهر.
أُعلنت النتيجة النهائية بعد إضافة مادة الرسم:
الأول عبد المسيح.
الثانى رمسيس.
الثالث أنا.
حصل عبد المسيح ورمسيس على الدرجة النهائية فى مادة الرسم وحصلت أنا على نصف الدرجات.
نكس خالد وجهه فى الأرض، مزقتُ شهادة الدرجات، توجهت ناحية رمسيس ولكمته فى وجهه فسقط على الأرض.
صاح خالد.. الله أكبر.. الله أكبر.

-9-
لم انتظر الأولاد الذين أعود معهم، عدت هذه المرة بمفردى وعند وصولى الملجأ المسيحى للأيتام، تناولت حجرا، تسلقت السور، رأيت نافذة حجرة "الماما" صوبت الحجر ناحيتها فتنائر الزجاج فى كل مكان.

لم أحك لأبى ما حدث، سرت باتجاه بيتها، جلست وأسندت ظهرى على جذع النخلة، غابت الشمس والباب المُغلق كما هو لا يُفتح.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة