شريف حافظ

صباح الفل يا رقابة!

الإثنين، 28 سبتمبر 2009 06:52 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصبحت الرقابة كلمة مضحكة، فى زمن، أصبح الإنسان فى أى مكان، يجلب المعلومة التى يريد فى الوقت الذى يريد، من خلال الإنترنت أو الفضائيات. والرقابة كانت فى فترة ما من الزمن، مصاحبة لنظام سياسى معين، ولكن اليوم، بينما ننتقل من مرحة إلى أخرى، كيف تكون الرقابة؟ أسأل هذا السؤال، ولدينا فى مصر ما يزيد عن العشرين جهازا رقابيا، ورغم ذلك يشيع الفساد، وفى كل شأن من شئون الحياة. ولكنى، لن أركز كثيراً على الرقابة على المُفسدين، بسبب أن الكثيرين تناولوا تلك النقطة. فأنا أرى أن أشير أكثر للرقابة على الذوق العام والمعلومة الثقافية التى تذاع وتُشاهد من قبل الناس.

فأنا لا أفهم، أن تُمنع أفلام تسجيلية أو تحذف مشاهد لما بها من مدلولات سياسية أو تعرض لثقافة أخرى، تعتبرها الدولة، "مُعادية"، مثل الثقافة الشيعية أو الثقافة الصهيونية، (رغم أن أول أُسس التعامل مع أى عدو، هو معرفته)، ثم أجد أغنية تُباع فى الأسواق، يقول الشخص الذى يُغنيها فى جزء منها: "خليها تاكلك" وهو مُغنى يدعى البعض، أنه رمزاً للجيل الجديد!! وأقسم بالله- ولأننى لا أتابع هذا الشخص على الإطلاق، منذ أن عرفت أنه يوماً تهرب من أداء الخدمة العسكرية- لم أصدق عندما قيل لى، إنه قال مثل تلك الكلمة فى أغنية تباع فى الأسواق! ولم أصدق أن هناك كم الألفاظ التى قيلت فى فيلم يُدعى "اتش دبور"! فمثلاً ورد فى إعلان الفيلم كلام.. لا أعتقد أنه متوافق مع الآداب العامة فى مصر على الإطلاق، لأن المعنى "فى بطن الشاعر"، وبوضوح لا يقبل الشك، منها ما قاله بطل الفيلم، بأنه يحلم بعمل سلسلة مطاعم ستُغير "مستقبل" مصر للأحسن، تدعى: "سلسلة مطاعم: خد فطيرك"!! وإذا كانت الرقابة تستهون بأن يستهزئ شخص ما بمستقبل مصر لهذه الدرجة المقززة، فإنى أعلن من هنا، أننى أستهزئ بتلك الرقابة التى تدعى المحافظة على الذوق العام لبلادى التى أعشق!!

أعتقد أن السؤال المهم فى هذه الحال: هل تلك رقابة؟ وربما يصبح السؤال الأهم: ما هى معايير الرقابة؟ هل معايير الرقابة، القضاء على قيم المجتمع والحض على انحرافه الخلقى، بينما تُمنع مصنفات أخرى، هى الأجدر بأن يُشاهدها المواطن كى يستفيد؟ هل التطبيع مع إسرائيل، بهذا الكم من الخطورة حتى نواجه من قابل سفير إسرائيل بمثل هذا الكم من الصخب، بينما ما يصنعه البعض فى الأغانى والأفلام يكفى لتدمير المنظومة القيمية لعشرين دولة، وليس دولة واحدة؟

إن الأغانى الوطنية التى تُجيزها الرقابة من ناحية أخرى، تدل على أنها "تنافق"، لأنها تسمح بمن يستهزئ بشباب مصر ومستقبلهم، وفى الوقت نفسه تريد تعبئة الناس فى حب مصر!! هل هذا يُعقل؟؟ هذا كيل بمكيالين غير طبيعى! ولم أفهم ما تعنيه الرقابة عندما منعت سيناريوهات وعروض أفلام تناقش قضايا مهمة تُشكل وجدان الأمة اليوم، مثل فيلم "الغماية"، للشيعى محمد الدرينى. هل تتصور الرقابة مثلاً، أن جمهور مصر يُمكن أن تُمس معتقداته لو أنه شاهد فيلماً كتب نصه، شيعىً مصرى؟؟ لو أن الرقابة تعتقد ذلك، فإننى أطالب بأن يكون هناك، جهاز رقابى آخر، يراقب الرقابة!! إنها المهزلة بعينها! أين معايير الرقابة فى زمن الإنترنت والسماوات المفتوحة؟ إن الناس يُمكنها اليوم، أن تُشاهد قنوات إيران ذات نفسها، وليس فيلماً مصريا صنعه شيعى مصرى، يستغرق ساعة!! ونحن لا يُمكننا أن ننسى، أنه أثناء أزمة الحرب على غزة الماضية، كان أغلبية البسطاء، يُتابعون أحداث تلك الحرب، على قناتى "الجزيرة" القطرية و"العالم" الإيرانية، تاركين برامج "النخبة" فى التليفزيون المصرى، تتكلم بمنطق "فى الحقيقة وفى الواقع"!!

لو كنت مكان الرقابة، لسمحت حتى بأفلام تُقدمها جماعة الإخوان المسلمين (والجميع يعرف موقفى منهم)!! فيجب أن يعرف الناس حقيقة هؤلاء. إن حرية الإخوان فى أن يعرضوا فكرهم فى أى مكان، إنما يُقابل، بحرية الآخر فى عرض وجهة نظره أيضاً، بمعنى.. أن يعرض الإخوان فيلم عن ما يرونه لمستقبل هذا البلد، ويعرض الليبراليون فكرتهم، وتعرض الحكومة، وتعرض كافة التيارات. لماذا لا؟ فالحكم فى النهاية للناس. وفى نهاية الأمر، فإن ما يُعرض سيناقش فكر ومستقبل الناس، بغض النظر، عن كوننا مؤمنين أو غير مؤمنين به. ولكن أن نجلس أمام شاشات التليفزيون ونُشاهد من يتكلم عن مستقبل مصر باستهزاء هذا الشخص فى فيلم "دبور"، ثم يُمنع ما يمكن أن يزيد ثقافتنا حول أمور حيوية، فإن هذا غير مقبول!! يجب أن تكون هناك معايير للرقابة، إن ظلت متواجدة، بحيث يُسمح بما سيزيد من الثقافة ويبنى عقلية تفكيرنا، وأن يُمنع ما يسىء إلينا وإلى عقول أبنائنا وبناتنا؛ إلا أننى أرى، أنه من الأفضل، أن يُسمح بكل شىء، دون رقابة، حتى لا نجعل شبابنا يلجأون إلى السموات المفتوحة ليروا ويسمعوا ما يُمنعون من رؤيته أو سماعه لدينا نحن أولاً. وفى السماح بعرض كل شىء، بمعايير محافظة على "الحد الأدنى" من القيم والآداب العامة، حفاظ على "مستقبل مصر بحق، وبحيث تطرد السلعة السيئة السلعة الرديئة. وبحيث تحافظ الدولة على منظومتها، بحيث لا تتحارب الأجهزة المختلفة على ما تقدمه (التنافس مشروع، بينما التحارب مُدمر للجميع). أما رقابة مطاعم خد فيطيرك، فإنها لا تصلح فى هذا الزمن على الإطلاق!

وللعلم، فقد سمحت الرقابة أن يقول بطل فيلم "أتش دبور" فى فيلمه أيضاً: A7A! صباح الفل يا رقابة!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة