من منا لم يشاهد فيلم "لصوص لكن ظرفاء" الذى أنتجه فاروز الشهاوى بالأبيض والأسود عام 1969 وأخرجه إبراهيم لطفى، وقام ببطولته أحمد مظهر (حامد) وعادل إمام (إسماعيل) ومديحة سالم؟ تدور أحداث الفيلم حول لصين خطَّطَا لسرقة خزينة فى محل مجوهرات، فقررا الدخول إليه ليلاً بإحداث ثقب فى أرضية الشقة التى تعلوه، بعد معرفة الأوقات التى تكون فيها خالية من ساكنيها.. المهم أن (حامد) حين شرع فى وصف خطة السطو أكد لزميله أن: "صاحب المحل خواجة عجوز مرابى وياما نهب فلوس الناس"، وسأله: "عارف هيسيب كل دا لمين؟"، فرد زميله: "للضرايب طبعاً!" فصحح حامد قائلاً: "لبنته!.. وليّة عجوزة عايشة فى فرنسا، أغنى منه بكتير"!
هذا النهج فى تبرير الخطأ ـ للأسف ـ يكاد يكون شائعاً، فالسرقة لا تأخذ اسمها الحقيقى عادة، ولا القتل والغش والرشوة وخيانة الأمانة وخيانة العهد.. الخ، فلكلٍّ من هذه الجرائم قائمة تبريرات نرفعها وقت الحاجة لنخفف بها أفعالنا، نرفعها بمنطق خفيف الظل، وبحنوٍّ أحياناً، حتى نقنع الآخرين، ونقنع أنفسنا ـ تصوروا! ـ بأننا ما فعلنا ما فعلناه حبًّا فى الجريمة، بل لأننا أصحاب رسالاتٍ، معنيون بأن يسود العدل أرض الله! الفيلم المشار إليه ذهب بعيداً حين صور اللصوصَ على هيئة ملائكة، فأثناء تنفيذ "العملية" لاحظوا أن العلاقة بين الزوجين متوترة، وأن الانفصالَ وشيكٌ، فحاولوا التوفيق بينهما بتدبير مواقف صغيرة ظن كل منهما أنها من صنع الآخر، وقد نجحت الخطة وعاد الوئام إلى الزوجين.
هل تريد أمثلة حقيقية تفعلها أنت وأفعلها أنا دون أى شعور بالذنب؟
مثلاً: إذا أعجبك ألبوم جديد لعلى الحجار، شاهدت إعلانه ـ صدفة ـ وأنت على كوبرى 6 أكتوبر، فلا تشتره بحر مالك، قل لنفسك أنك فقير، تربى جيشاً من الأطفال وتسهر عليهم، غير أمك المسنّة المريضة التى تحتاج إلى معونتك، واتجه فوراً إلى أى موقع من مواقع البحث على شبكة الإنترنت، اكتب اسم الألبوم فقط، وفى أقل من دقيقة تستطيع الاستمتاع به بصوت نقى.. واعلم أن أحد محبى على الحجار قد سبقك إلى الألبوم، وأعجب به، ولأنه خيِّرٌ بطبعه فقد قرر أن ينشر الفائدة لكل الناس، وتذكر أنه الوحيد الذى دفع ثمن الألبوم، وأن قلبه لم يطاوعه أن يستمع إليه وحيداً دون بقية الفقراء المستضعفين! لكننى لا أنصحك بالتفكير فى الشقاء الذى سيسببه هذا الفعل لعلى الحجار نفسه، ولبقية القائمين على صناعة الألبوم وتوزيعه، فعلى الحجار فى النهاية فرد واحد، وهو ـ اللص يعنى ـ يستهدف إسعاد الملايين!
نفس الأمر يحدث فى صناعة الكتاب مثلاً، فهناك مواقع على الإنترنت ينشئها هواة؛ متخصصة فى سرقة الكتب وتقديمها مجاناً للمحتاجين إليها، ولغير المحتاجين أيضاً، وهناك عدد كبير من المنتديات المفتوحة للراغبين فى اقتحام الشبكة العنكبوتية، ما عليهم سوى تسجيل بياناتهم فقط، حتى لو كانت مغلوطة، يبثون من خلالها آلاف الكتب القديمة والحديثة، من "مقدمة ابن خلدون" إلى "برهان العسل" و"بنات الرياض" و"عابر سرير" و"ذاكرة الجسد"، من المتنبى وأبى العلاء المعرى إلى سلوى النعيمى وعلاء الأسوانى.. كل شىء مستباح إذن، لا لأنهم لصوصٌ، لكن لأنهم رهيفو القلوب وشرفاء، وإن أردت الدقة فلأنهم لصوصٌ شرفاء!
مرة سمعت ألفريد فرج يقول ـ بمرارة ـ إن إحدى الفرق المسرحية السورية أنتجت إحدى مسرحياته، وعندما طالب بحقه المادى لم يجد من يسمعه، ولما أعيته الحيل دون فائدة، لجأ إلى جمعية المؤلفين والملحنين العالمية فى باريس، فاستقبله رئيسها ـ وقتها طبعًا ـ وقال له: كيف أحصل لك على حقك وقد أتيتنى من بلد لا تحترم الحقوق؟ وأضاف الرجل: العالم كله الآن يحافظ على حقوق المؤلفين إلا اثنين وعشرين دولة فقط.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة