شريف حافظ

أهل الذمة قبل أهل الملة

الإثنين، 03 أغسطس 2009 09:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كتب المفكر المصرى الأصيل، كميل حليم، مقال طريف بجريدة اليوم السابع، عنوانه "مش عايزين الأقباط فى مصر؟.. ماشى!"، بتاريخ 26 يوليو الماضى، وكانت الردود كثيرة للغاية من القُراء، ما بين معارض وهم الأكثر ومؤيد. ولكن،أحب هنا أن أرجع إلى صحيح الدين والسيرة الإسلامية، وفى تلك المسألة تحديداً، علنا نستقى من الأولين، فإن رفض المسلمون ما قالوه وعملوا به، فان أمرهم مع الله فقط وليس شأن المقال.

يذهب الإسلام كدين فى تطبيق النصوص إلى العمل بروح تلك النصوص، لأن حرفية النص لا يُعمل بها إلا فى الأمور التى ثبتت دون جدل، والمُتعلقة بالفروض بالأساس. وفى مسألة أهل الذمة، أو من يدين بغير الإسلام، وليس فقط أهل الكتاب من المسيحيين واليهود، نظراً للحديث: حدثنا وكيع ثنا سفيان ومالك بن أنس عن جعفر عن أبيه أن عمر بن الخطاب استشار الناس فى المجوس فى الجزية، فقال عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سنوا بهم سنة أهل الكتاب. وهذا الحديث يعنى، بما لا يدع مجالاً للشك، أن من هم دون أهل الكتاب تجوز عليهم الجزية أيضاً، نظراً لعمل الخلفاء بذلك، تفسيراً لروح النصوص القرآنية وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام! كما ضرب الصحابى الجليل سعد بن أبى وقاص، وفقاً لبعض المراجع الفقهية، الجزية على الصابئة فى العراق. وباعتبار المجوس موحدين وكذلك الصابئة، فإن هذا يظهر عظمة الإسلام فى نظر منفذى تعاليمه من الأولين لروح نصه، بما ينطبق على أكثر من مجرد اليهود والمسيحيين.

وقد خرجت فى أوروبا نظريات العقد الاجتماعى فى السياسة من قبل توماس هوبز (1588 – 1679م) وجون لوك (1632 – 1704م) وجان جاك روسو (1712 – 1778م)، فى وظيفة الدولة حيال المواطن والعلاقة التبادلية بينهما، متأخرة، بينما قنن الإسلام تلك العلاقة بشكل يفرق بين أهل الذمة وأهل الملة، تفريق حميد، حيث فرض على المسلمين الزكاة، بينما فرض على غيرهم من أهل الذمة، الجزية، لتصبح العلاقة متوازنة. ولكن ما جاء به الفقهاء المسلمون فى تلك النقطة، أيضاً يبدى أهمية كبيرة فى جدوى تلك العملية، عندما قيل بأن الجزية هى مقابل حماية الدولة "الإسلامية" لأهل الذمة، والزكاة هى لأوجه الصرف على الأمة وهى تقيم نظام للتكافل الاجتماعى بالأساس. ولا يجند أهل الذمة فى الجيش، أى لا يحاربون، وبالتالى فإنه لا يخوض معركة ليس مقتنعاً بها على سبيل المثال، وترد لأهل الذمة، الجزية فى حال انعدام أمنهم!! وأتكلم هنا عن ما قيل فى الفقه الإسلامى، وليس عن رأى أقوله من تلقاء نفسى.

وفى مسألة أخذ الجزية، يرى الكثيرون تفسير الآية: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"، على أساس الإذلال، وهو ما ورد فى تفسيرات ابن كثير والطبرى وفقاً لاطلاعاتى كمسلم يريد فهم فحوى دينه، ولكن، ما نبع عن الخلفاء، يختلف اختلافا جذريا، ويُظهر أيضاً، الأخذ بروح النص، حيث كان الذمى يدرك، أن تلك الجزية، من أجل حمايته، من قبل الدولة التى يقطنها، ولم يكن الأمر من قبيل الإذلال، لأن الإسلام يحترم الناس جميعاً، لقوله تعالى: "ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا". ولكم أن تقرأوا سيرة الخلفاء فى ذلك الأمر، من كتب موثوقة، تضع فى الحسبان أيضاً روح العصر وإختلاف العلاقات الدولية عما هى اليوم.

وعن العلاقة بين أهل الذمة وأهل الملة، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام، "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاما"، كما يقول، "من آذى ذميا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة". وقد طبق المسلمون تلك الأحاديث على غير وجه، لأنها أوامر من الرسول عليه الصلاة والسلام، وفى قصة لافتة تؤيد ذلك، موقف ابن تيمية عندما فاوض المغول على أسرى من المدنيين قد أسروهم فى هجماتهم على المدن فى الشام. و قد حاولوا تسليم الأسرى المسلمين فقط دون أهل الكتاب والاحتفاظ بهم كعبيد فقال لهم المفاوض: "أهل الذمة، قبل أهل الملة!" أى أنه يطلب تسليم المسيحيين واليهود قبل المسلمين!!

لقد أحببت فقط أن أوضح موقف الإسلام من أهل الذمة، ووصية الرسول عليه الصلاة والسلام بهم، وخاصةً وقتها بقبط مصر، ولم يكن الإسلام قد دخل أرض الكنانة بعد. وكل هذا من نصوص الإسلام، وليست منى أنا، فقد نقلت لأكتب فقط. ونحن اليوم فى مصر، فى دولة مدنية، يدفع فيها الجميع الضرائب، ويدفع المسلمون الزكاة؛ والمُفترض أن البشر بها متساوون، والمفترض احترام كل من فيها، والأصوات الرافضة للأستاذ كميل، لا تعبر عن صوت الإسلام، ولكنها تعبر عن تشويه ثقافى لأساس الحضارة المصرية، سواء الإسلامية أو غيرها. وبالتالى فإن كلام الأستاذ كميل الطريف، يجب ألا يتخطى منطق كونه طريفا، لأن مصر لا يُمكنها أن تستغنى عن التمسك بمبادئها الأصيلة، مهما كان التشويه الآتى من خارجها، والعامل بغير ثقافة المؤمنين بها! وإنى أؤمن تماماً، أن الإسلام سيعود إلى عهده الأول، بزيادة جُرعة التوعية من قبل المتمسكين بسماحة الإسلام وبزرع روح المحبة، بين كل عناصر الأمة. لقد نقلت هنا من مراجع إسلامية يتفق عليها أهل العلم من فقهاء الإسلام. فان لم يرتض بها أحد من المتطرفين، واتهمونى الآن أيضاً بمُعاداة الإسلام، كما يفعلون دوماً لأنى أؤمن بالتجديد، ناقلاً مما أقرأ عن عمل الصحابة أنفسهم، فهم لا يعادونى أنا، لأنى ناقل لكل ما ذكرت، ولكن يعادون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام!!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة