ما أحلى التواصل مع الله ومناجاته، هذا التواصل، يتم عبر أكثر من وسيلة، فهناك الصلاة، وهناك الدعاء والصيام، وهناك الزكاة، ويستطيع المرء أن يكلم الله فى أى وقت وعلى أى وضعية، لأنه معه فى كل الأوقات وكل الأماكن.
وأحمد الله أن الإنسان المسلم لا يحتاج إلى وسيط فى ذلك؛ فالدين فى منتهى البساطة، ولا يحتاج إلى التنميقات الفارغة، البس ما تريد بحيث تختفى العورات، توضأ بنية خالصة لله، وقم فصلِّ، فى أى مكان نظيف تريد، أيوجد أبسط من هذا؟
إن أخطأت فى حركة أو وضعية فى الصلاة، فلا يهم، لأن النية الخالصة لوجه الله والخشوع له، هى كل ما يهم، وإذا أخطأت فى ركعة أو أى شىء، اسجد فى نهاية صلاتك مستغفراً، ثم سلم لله، بهذه السهولة تلتقى الله! ولكى تلتقى أى شخص مهم، تفعل أكثر من هذا بكثير! ولكن لترى الله، الذى بيده أمرك كله من يوم ولدت إلى يوم تموت، الأمر فى غاية البساطة، ولقاؤك بالله فى رمضان، عكس أى لقاء آخر؛ ففى هذا الشهر، أنت تعطى الله هدية ثمينة لقوله تعالى فى الحديث القدسى: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به"، وكل امرءٍ يختار ما هية الهدية وشكلها والطريقة التى يزينها بها، وبناءً عليه تختلف الهدايا؛ ولكن الهدايا هنا، هى هدايا لا تُقدر بثمن ولا توجد على الأرض فى المطلق ولكن هى فى نفوس مخلوقاته. فالهدية تتمثل فى الصيام له وحده.
وهناك صيام ملتزم بكل تعاليم الله، من إمساك عن كل الشهوات، بما فيها تهذيب النفس وتطهيرها من أى بغضاء أو كره، بما فيها تسليم الوجه خالصاً إلى الله عز وجل، بما فيها حب كل ما حولك فى الله العلى القدير، بما فيها الترفع عن الإساءة، بما فيها النية الخالصة له من الفجر إلى المغرب، وبعد الفطور، الجلوس بالتعبد بعد العشاء، ثم قراءة القرآن والثقافة الإسلامية، وهنا، بعد العشاء، تختلف الهدية من شخص لشخص، فهناك من يرى رغبة فى ترفيه بمشاهدة مسلسل تلفزيونى أو أكثر وهناك من يقرأ فى الثقافة الدينية وهناك من يستمر فى صلاة التطوع وهناك من ينام، وبالتالى فإن مجموع أعمالك الدينية فى رمضان، يعتمد على كم اختياراتك من أجل الله. وعليه يتحدد حجم هديتك له، عز وجل.
وفى هذا الشهر تقدم لله حُباً غير مسبوق، يُمكن أن يصبح عادة منك له عز وجل، فى مطلق حياتك. ففى إطعامك وزكاتك للفقراء، تُقدم حُبك لله فوق كل شئ، فحب الله يتمثل فى إحدى صوره المهمة، فى عملك وحبك للناس من حولك وخدمتهم، أنت تتعامل مع الناس هكذا فى الله، تقدم لهم الحب، خالصاً لله، تساعد الفقير، وتسعد المحتاج وتُطعم الجائع، بل وتبر والديك وتستمع لمشاكل ابنك أو ابنتك وتخرج معهم للترفيه، وتود زوجتك وتسعدها بالهدايا ولو بسيطة؛ بل وتعطف على قطة أو كلب فى الشارع، بأن تقدم لهم المأكل والمشرب. الله.. الله.. الله! هل يوجد تواصل وحب لله أكثر من هذا؟ إنه الإخلاص لله.. تمشى فى الدنيا وكأنك تمشى على السحاب، خالصاً لربك، عابدا له، رغبة فى رضائه عنك، بل وحباً فيه وحده. ويمكن وأنت هنا دون عمرة لله، أن تقوم بما هو أكثر ممن اعتمر وفى قلبه رياء لله سبحانه، أقول ممكن وليس أكيدا، لأن الأمر يعتمد على نيتك أنت.. هل هى خالصة له عز وجل أم لا!
عليك بالاختيار بين خيارات كثيرة، تتراوح بين منح الله أكبر هدية يمكن أن تقدمها له ولا شىء على الإطلاق. فماذا تختار؟ هل تختار أن تحب الله عز وجل أو أن تُعاديه، والعياذ بالله؟ إنه اختيارك أنت ولا أحد غيرك. فكر وقرر ونفذ كما ترى. ففى النهاية أنت تختار ما سيعود عليك أنت بالنفع أو الضرر، وليس غيرك.
اللهم تقبل صيامنا وصلاتنا وقيامنا وزكاتنا ودعاءنا. اللهم تقبل حبنا الخالص لك. اللهم بلغنا نهاية شهر رمضان الكريم وقد أخلصنا شهرنا كله لك. وأن يستمر إخلاصنا لك، بعد هذا الشهر، إلى أن تقبضنا إلى جوارك. إنك نعم المولى ونعم النصير.
وكل عام وكل مصر والشعب المصرى بألف مليون بليون خير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة