فوجئت باسمى يُزج به فى مقال كتبه الأستاذ هانى صلاح الدين، بعنوان، "المواطنة.. إشكالية ابتدعها العلمانيون"، يوم الخميس 13 أغسطس الماضى، وفوجئت أكثر ببعض منطق المقال، الذى بدأ بكلمة "افتراءات" ادعيتها مع آخرين، أحترمهم، وأختلف أو أتفق معهم فى الكثير، وانتهى بادعائه، بانتمائى إلى الغرب، الذى لا أحمل "بسبور" دولة من دوله! وقبل أن أرد عليه، أحب أن أؤكد على أهمية نقطة معينة فيما ذهب إليه: يا أستاذ هانى، أرجو أن تُقارعنى بالفكر، لأنك لست مجرد قارئ، ولكنك مفكر وكاتب أحترمه، ولا أتصور أنك ممن تطلق التُهم جُزافاً، ولذا، أرجو عند الحديث أن تكون متأكداً من اتهاماتك، وأنصحك نصيحة أخ، بأن تهاجمنى موضوعياًّ، بدلاً من الهجوم الشخصى التحريضى غير اليقينى، لأنك بذلك تشتت القارئ إلى أمور بعيدة كل البعد عن صُلب الفكرة، التى كتبتها عنواناً لمقالك، الذى أتشرف بالرد عليه، فى إطار نقاش محترم.
أولاً: أنا لا أكتب، لأننى أريد أن أفزع أو أفرض أمراً، ولكننى أكتب بعد التيقن من أفكارى ومراجعى؛ المبنية على القراءة، وإن لم يؤمن بها البعض، لأن هذا لُب الفكر الإنسانى! إن الاختلاف، هو ما يطور البشر إلى الأمام، ويجعلهم يتفقون بعد حوارات مطولة.
ثانياً: هل رأيت فيما كتبت، موضحاً حول المسلمين والإسلام، (وليس الإسلام السياسى المُستغل للدين)، ما تقولت فيه على كلام الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو الصحابة والتابعين رضى الله عنهم جميعاً؟؟؟ إن كان هذا كذلك، فأنا ومن هنا: أتحداك على ذلك، وسأعتذر للجميع على ما جنى قلمى وعقلى؛ ولكن سيدى، أنا أتأكد من كل كلمة أكتبها ولم يحدث يوماً أننى هاجمت الإسلام بكلمة، وقد تقوَّلَ على البعض، فيما كتبت فى المقال السابق "الاحتيال باسم الدين"، وقال إننى قصدت بالعبارة التالية (يوجد دُعاة لتبليغ الدين وعُلماء للدين فقط)، آية قرآنية، ولو أنه يقرأ سياق الموضوع، ولا يتصيد لى فقط، لفهم، مثلما فهم من قرأ الموضوع "كاملاً"، أنه توضيح على أن الإسلام لم يوجد كهنوتا دينيا أو من يُطلق عليهم رجال الدين وكأنهم قد امتلكوه!!
ثالثاً: أتمنى، يا أستاذنا، أن تروى لى عن سلوك القرشيين، فى الدولة الإسلامية، ولماذا منعهم عمر بن الخطاب من ترك المدينة المنورة أثناء فترة حكمه، ثم ما حدث عندما ترك لهم عثمان بن عفان رضى الله عنه، حرية الحركة خارج المدينة؟ هل من الممكن أن تُكلمنى عن حقيقة عصبية القبائل، فيما بعد الإسلام، مناقضاً للنص الدينى؟ ليتنا نترك النظرية، يا أستاذ هانى، ونتكلم عن الواقع الذى حدث، كما تكلم شيخك القرضاوى بعلمانية مفرطة، فى التنازل عن لفظ "أهل الذمة" لأنها مناقضة للواقع!! ومثلما قلت عن علمانية عمر بن الخطاب، بتنازله عن لفظ "الجزية" لكونه غير واقعى، مثلما عطل (ولم يلغ) نصوصاً قرآنية معينة، كما تعرف! أنت من قلت سيدى، ولو أن علمانى البلاد التى يقطنها أغلبية مسلمة اجتمعوا لكى يقولوا ما قلت، لما وصلوا "لاعترافاتك" الرائعة حول عقلانية العلمانية، وتماشيها مع الإسلام والواقع!!
والغريب، أن نفس الناس التى تشتمنى هنا، على أقل مما قلت أنت فى مقالك حول "تحبيذ" علمانية القرضاوى وعمر بن الخطاب، رضى الله عنه (دون أن تذكر كلمة علمانية بالتحديد، ويكفى الإشارة إلى السلوك فى حد ذاته)، أحبت ما قلت! أليس هذا مضحكاً؟؟! أعتقد أن هذا يوضح الكثير! وأن الأمر شخصى، وليس موضوعيا على الإطلاق! وأعتقد، أنه لو أننى كتبت مقالا ووضع فريق عمل جريدة اليوم السابع، اسمك بدلاً من اسمى عليه، لعلق المعلقون الشتامين، بالإطراء!!!
رابعاً: لو أننى قلت ما قلت بالكلمة والحرف، لتم سبى وشتمى كما أسب وأشتم فى كل مقال من مُريديك، وهذا تحديداً ما أرفضه، فيما يتعلق بالإسلام السياسى ومُستغلى الدين، هل لك الحق أن تقول ما قلت، لأنك "إسلامى" كما وصفت أنت نفسك يوم أن رأيتك وجهاً لوجه، وليس لى الحق أن أقول نفس الكلام، لأنى "علمانى" رغم كونى مسلماً ممارسا لشعائر دينى؟ (يعنى هناك، وفقاً لمدرستك، مسلم كامل ومسلم نص نص، فما بالك بغير المسلمين؟) فأهلاً بك فى إطار استغلال الدين، كما هو مفهوم من كلماتك! تلك هى التفرقة التى نرفضها يا سيدى، وليس غيرها، أنك تمنح نفسك الحق، وتصير الخصم والحكم، بينما يستوجب على السمع والطاعة، وليس لى حق النقاش! فهل تلك هى الدولة التى تدعو لها؟ تلك ليست دولة إسلامية ولا علمانية ولا أى شئ، غير دولة تطبق قانون ساكسونيا!
خامساً: أشكرك على عدم اختلافك ومن معك حول المسميات، لأن الدولة لو أنها طبقت العدل والحق والمساواة والحرية والأمن وحافظت على الدين وحق العباد فى التعبد وحرية العقيدة، كما ألمحت، وسميت فى النهاية، دولة مدنية بدلاً من دولة إسلامية، لن يكون هناك إشكالية تذكر، لأنك فى هذا الظرف، إنما تطبق ما تريد وتجعلنى أطبق ما أريد.
أين هى المشكلة؟ لا أعتقد أن هناك أى إشكالية تُذكر، خاصةً وأنك أنت من قلت إنك لن تختلف على المسميات وأوردت علمانية القرضاوى وعمر بن الخطاب فى ترك ما لا يتوافق مع الواقع والعقل.
وحتى تتيقن بأننى شديد المرونة، فأنا أطالبك، بأن تسمى المواطنة بأى اسم تريد، لأن هذا مجرد اسم، وليس لدى أدنى إشكالية معه! وأريد أن تكلمنى فى إطار المواطنة وتكافؤ الفرص، كما تفضلت، عن هذا النموذج فى حكم الخليفة عثمان بن عفان، كى تزيدنى علماً فى تلك النقطة، لأننى أريد الاستفادة من علمك الرائع!
سادساً: تقول "الفقهاء أقروا أن لشركاء الوطن حق تولى كل المناصب فى الدولة، ولعل تاريخ خلفاء المسلمين يشهد بذلك، لكن فيما عدا الولاية الكبرى لأن هناك نصوصا حاكمة للأمر، وهنا نجد الخلاف"، وتسأل، إن كان هناك عقلانية فى أن يحكم شخص من ديانة أخرى أغلبية مسلمة، وأرد عليك بالمنطق الذى تكلمت به، ما دامت أن الأغلبية مسلمة، فإنها الأغلبية التى ستذهب إلى صندوق الإقتراع، وتنتخب وتُحدد هوية الحاكم، أليس كذلك؟؟ وبالتالى، فإنها ستنتخب على أساس الكفاءة وليس على أساس الدين، وبالتالى، فإن الانتخاب يتم فى النهاية، وفقا لمشيئة الناس، وليس إلغاءً للإسلام الذى تشير إليه من بعيد فى تلك النقطة.
هل تتصور مثلاً، أن يعتدى رئيس قبطى على الإسلام؟ "ده أغلبية المسلمين فى البلد تاكله يا أستاذ هانى! ولا انت شايف ان المسلمين فى مصر غير مؤمنين بالله؟" تلك النقطة، بحق القبطى فى الولاية، هى نقطة مُطمئنة، وأستبعد حدوثها قريباً، لو أن هذا طُبق، بسبب الكثير مما يحكم واقع مصر، ولكنها تبقى نقطة جوهرية مطمئنة فقط، للأسباب التى ذكرتها والخاصة بالمواطنة (التى أنتظر منك مسمى جديدا لها، ولو كان المُسمى إسلاميا!)
سابعاً: ليتك قرأت عن أليكس دبليو، الذى قتل مروة الشربينى، والذى ولد فى روسيا سنة1980، وهاجر مع أمه وأخته إلى ألمانيا سنة 2003 وأنه لم يكن مقبولاً من زملائه فى روسيا (الشرق) أو فى ألمانيا (الغرب)، وأنه كان انعزاليا وعنيفا مع الجميع، سواء الروس أو الألمان، المسيحيين! وبالتالى، فإن الاستشهاد بقاتل مروة الشربينى على أنه ممثل لكل الغرب أو حتى الشرق، مُشكلة فى طرحك! أما قضية الحجاب فى فرنسا، فهى بالتأكيد تؤرقنى، ولكن يؤرقنى معها، عدم السماح للأقباط ببناء كنائسهم بحرية فى مصر، وملاحقة البهائيين من قِبل جماعتك.، (وبالتالى، فيجب أن تسأل من تنتمى لهم فى ذلك، ولن أقول من ربوك)؛ فالمشكلة فى مسألة التطرف، ليست إشكالية منطقة جغرافية، ولكنها مشكلة الشرق والغرب معاً يا سيدى!
فى النهاية، أنا لا شأن لى بالغرب، ولا يهمنى من قريب أو بعيد، لأننى أحيا وأعيش هنا، ولا أتلقى راتبى إلا من أيادٍ مصرية ومصلحتى هنا على أرض بلادى، ولقد رفضت الهجرة، مثلما هاجر الكثيرون مع احترامى لهم، ومنهم أشخاص معروفون من جماعتك، يرضخون لقوانين البلدان التى يقطنونها، فأنا أحيا فقط فى مصر، ولن أهاجر وأتركها ولو كره الكارهون.
إن معركتى هنا وحبى هنا، وحياتى ومماتى هنا، إن شاء الله، ولا أحب أو أكره الغرب، ولكنى أعشق مصر! ولن أترك لك أن تقيم دولة ساكسونيا، ولكن نقيم معاً، دولتنا المصرية على أساس القيم العلمانية المقبولة من الجميع، بدليل أنك تفضلت بذكرها والتى أوافقك عليها تماماً، لأنه فى النهاية، الدين لله والوطن للجميع، وهو مما ضمنته أنت أيضاً، بعمق فى مقالك الماضى!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة