تأتى إلى جامعة القاهرة، لتُلقى خطاباً هاماً بعد غد الخميس، مُخاطباً العالم الإسلامى، باسم القوة الأكبر فى العالم اليوم، مُصححاً مسار العلاقات بين المسلمين والغرب. ولا أرى أدعى من البدء بالاعتذار، عما بدر من الولايات المتحدة فى السنوات الثمانى الأخيرة، من تهجم على الإسلام، بذريعة الحرب على الإرهاب، الذى نستهجنه. فلقد اعتادت الولايات المتحدة، خلال الفترة الماضية على كل ما كانت ومازالت تُنادى به، حتى أصبحت مُناداة بوش بقيم حقوق الإنسان والديمقراطية أضحوكة فى ظل ما كانت إدارته تقوم به من أبشع الجرائم ضد الإنسانية كلها، وعلى رأس كل هؤلاء، المواطنون الأمريكيون!
لقد قرأت أثناء دراستى الماجيستير ببلادكم الجميلة، رواية ممتازة، تحت عنوان: "اللعب فى حقول الله At Play in the Fields of the Lord"، ومُلخصها أن جماعة من المُبشرين ذهبوا ليبشروا السكان الأصليين بالمسيحية، ويُغيروا حياتهم، فما كان إلا أن حلت المصائب والحرائق بالسكان الأصليين، لأن القادمون الجُدد المفترض أنهم مُصلحون، لم يكونوا على علم بطبائع الحياة والبيئة فى تلك المنطقة، فتسببوا فى عكس ما كانوا ينشدون. وكنت خلال الثمانى سنوات الماضية، أتذكر دوماً تلك القصة، لأن ما فعله بوش، هو عكس ما نادى به تماماً، لعدم معرفته أو مُساعديه، بحقائق الشرق الأوسط، وتعمده فى أحيان كثيرة الاعتداء على طبيعة المنطقة ودين الأغلبية فيها من المُسلمين!
وأتفق معكم، على أهمية تأسيس الديمقراطية وحقوق الإنسان فى منطقتنا، ولكن، لا يمكن أن أتفق معكم فى تقديم تلك الأفكار، قبل توعية شاملة وعملية تعليمية مدروسة ومُتكاملة. إن التأسيس للديمقراطية الكاملة، اليوم فى مصر، لهو من الهُراء بمكان، بحيث يؤدى إلى أسوأ مما أدت إليه الديمقراطية الكاملة بالولايات المتحدة الأمريكية فى السنوات الثمانى الأخيرة. ففى ظل ديمقراطيتكم، اختطف بوش الولايات المتحدة، لصالح حرب مع المسلمين وضد الإسلام، دون أن يستطيع المعترضون التأثير. ولقد حدث ذلك، فى دولة، تتصف بقدرة كل سُكانها البالغين على القراءة، فما بالكم والجهل يعمُ مصر، والمستغلون يختطفون منا ديننا الإسلامى الحنيف مُلبسين الحق بالباطل، ورافعين راية القتال، وهم يفتنونا فى ديننا بشكل غير مسبوق! إن تطرف هؤلاء، يتشابه مع تطرف رئيسكم السابق، عندما رفع شعار الحرب الصليبية مرتين أثناء فترة حكمه الولايات المتحدة، مُقدماً فكر صراع الحضارات بوحشية أكبر مما كُتب! ولذا فإن ضرر الديمقراطية فى وقت ليست الظروف مُمهدة له، دعوة لا تليق بكم، لأنها لن تحدث الآن، وحتى حين يحل أوانها، ستقوم بسواعد قاطنى المنطقة وليس بإملاء من الخارج! ويكفى استحضار ما حدث فى موريتانيا قريباً، أو فيما حدث لشرق أوروبا فى منتصف التسعينيات بعد تطبيق غير مدروس للديمقراطية!
ولقد قرأت عن مُبادرتكم للسلام ما بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهى خطة طموحة، ولكنها تتطلب الحسم من جانبكم، وليس سواكم. فبقوة القرار والإصرار، يُمكنكم الإملاء على أى من تريدون من أجل السلام فقط، وبالتحديد فيما يتعلق بإسرائيل، التى أثبت قادتها، أنهم لا يرغبون فى السلام، ولتسمعوا نتانياهو وهو يتشدق بأقوال فلاديمير جابوتنسكى، الأب الشرعى لنظرية الحائط الحديدى فى إسرائيل. ومن جانبها، فإن مصر كفيلة بالفلسطينيين الذين يريدون السلام بالتأكيد، ولكن السُلطة غرت بعضهم، لينسوا ما بدأوا الكفاح من أجله. وأتمنى أن تبقوا على ما عرضتم من إرجاع للقدس الشرقية، التى ستُشكل عودتها سابقة لن تُمحى لتوافق العلاقات بين المسلمين والغرب، لمستقبل زاهر بالفعل. ولكن، يجب ألا تنسوا مرتفعات الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية.
إن السلام الشامل والعادل، وليس الحرب، هو وحده القادر على القضاء على الإرهاب فى المنطقة وتهدئة التطرف، إلى أن ينقشع، لأن السلام سيُقدم التنمية على ما دونها، ويرفع من قيمة العلم، ويؤهل الشرق الأوسط كاملاً للديمقراطية الشاملة، المبنية على طبيعة أجوائه. كما أن السلام، سيُظهر الإرهابيين على حقيقتهم، وسيظهر أنهم يُحاربون طواحين الهواء، ويتضاءل عدد المؤيدون لهم، وبالتالى فإن السلام يُعتبر أحد أهم الحلول جدارة لمنطقة الشرق الأوسط كاملة.
وبالطبع نشترك معاً فى الوقوف ضد الخطر الإيرانى. وأنا لا أتناول هذا الخطر من الناحية الدينية، لأنى أؤمن تماماً بحرية العقيدة لكل من كان. ولكنى أقف ضد إيران بما تقوم به من اعتداء على أراضى الآخرين كما حدث من فصيلها، حزب الله، فى اختراق أراضينا المصرية، ضد قواعد القانون الدولى، ورغم أننا مددنا أيدينا مراراً للدولة الفارسية من أجل الحوار، الذى رفضته. ونقف أيضاً ضد خطر امتلاك إيران للسلاح النووى، ولكن طالما أننا نشترك فى الوقوف ضد سباق التسلح النووى فى المنطقة، فلا يُمكن نسيان السلاح النووى الإسرائيلى، وما يُشكله من خطورة.
وتعرفون أن حوادث الإشعاع النووى فى عالمنا قد زادت على العشرات، ولا يُمكن أن نبنى تنمية وسلام، بينما أدوات الحرب تُهدد مُجمل كياننا والبيئة حولنا، ولذا فإن أحد شروط بناء السلام والتنمية، يجب أن تشمل جعل منطقة الشرق الأوسط خالية تماماً من السلاح النووى بالنسبة للجميع.
إن حل المشاكل المنبثقة عن التحديات التى تواجهونها فى الشرق الأوسط، وتلك المرتبطة بها فى واشنطون من قبل اللوبى الإسرائيلى القوى، وما هو أهم من مصالح المواطن الأمريكى دافع الضرائب، سيثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن الولايات المتحدة الأمريكية هى أقوى دولة أنجبها التاريخ، فى بناء حضارة عالمية توافقية حقة. أما عدم الحل، ووفقاً للتجارب السابقة فى المنطقة، سيجعل المنطقة برُمتها مُعرضة لخطر انفجار أكبر من ذى قبل. فمع كل وعد كبير فاشل فى المنطقة، تحدث كارثة أكبر منه. هكذا علمتنا الانتفاضة الثانية عند فشل الوعد بالسلام الشامل فى قمة كامب ديفيد الثانية عام 2000، وعند فشل تقديم الديمقراطية فى المنطقة وعند الوعود الكثيرة بالسلام. ونحن لسنا مُستعدين لوعود فاشلة أُخرى، لأن المرة القادمة، ستقضى الحرب على كل ما تبقى من أمل، وستكون الولايات المتحدة هى أكبر مسئول عما سيحدُث!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة