حمّل الشاعر شعبان يوسف المؤسسة الثقافية مسئولية تهميش القصة القصيرة ونبذها من قبل المبدعين والكتاب.
وتساءل شعبان يوسف: ما معنى أن يكون هناك مؤتمر للقصة القصيرة، بعد أن تم تهميشها من قبل المؤسسة ورجالها وقادتها، الذين عقدوا مؤتمرات للرواية، وخصصوا لها الجوائز؟ وتابع: "الكتاب والمبدعون استجابوا للمؤسسة الثقافية بأن أقلعوا عن كتابة القصة القصيرة، واتجهوا لكتابة الرواية، ولا أعرف هل فعلوا ذلك استجابة للمؤسسة أم لاهتمامهم بالرواية؟".
جاء ذلك فى بداية جلسة القراءات القصصية فى ملتقى القاهرة الأول للقصة القصيرة، التى أدارها وجمعت كلاً من القاص سعد القرش، جوخة الحارثى، والروائى الجزائرى الكبير واسينى الأعرج.
وأشار شعبان يوسف إلى أن سعد القرش قد بدأ بكتابة القصة القصيرة، ثم اتجه لكتابة الرواية فى أعماله الثلاثة الأخيرة، وتقريبا فعل كل الكتاب الكبار ذلك: البساطى، الغيطانى، يوسف القعيد، "لكن هذا العام ربنا كرمنا بأن أصدر مبدعون آخرون مجموعات قصصية مثل بهاء طاهر وخيرى شلبى ومحمود الوردانى وعبده جبير".
وقال شعبان يوسف: "وهذا يدل على أن المؤسسة تملك تضييق الأمور وانفراجها حتى على الأنواع الأدبية، فما إن تمت الدعوة لهذا المؤتمر، وتخصيص هذه الجائزة، حتى ظهرت المجموعات القصصية".
وأشار يوسف إلى أن الأجناس الأدبية تتفاعل، والقصة القصيرة قد اشتد عودها، وأننا بحاجة لقراءة هذا الفن الجميل.
ثم بدأ الكاتب سعد القرش بقراءة قصة قصيرة بعنوان "الداخل"، وأشار إلى أنه قد كتبها عام 2003، وقال إنه كان يخطط للهروب من هذه الندوة، لأنه يرى أن الشعر هو أنسب الأنواع الأدبية للإلقاء فى هذه القراءات وليس القصة القصيرة.
وأعقب القرش، القاصة العمانية جوخة الحارثى الحاصلة على الماجستير والدكتوراه فى الأدب العربى، من جامعة سلطان قابوس، وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "مقاطع من سيرة لنبى" ورواية بعنوان "منامات"، وألقت على الحضور قصة بعنوان "الخيول الراكضة".
وقدم شعبان يوسف الروائى واسينى الإعرج مشيرا إلى أنه لا يحتاج إلى تعريف، وأكد على أن صعوبة التوزيع للكتاب العربى وارتفاع أسعار الكتب هى التى حرمتنا من متابعته.
كما تطرق شعبان يوسف إلى مشكلة نشر الأعمال الأدبية للروائيين العرب فى مصر، وتناول مشكلة الروائى الجزائرى رشيد بوجدرة الذى اعترض عمال المطبعة على نشر روايته فى سلسلة آفاق عربية بهيئة قصور الثقافة مؤخرًا.
وقال يوسف: واسينى الأعرج مبدع ضخم، فله أعمال قصصية وأعمال نقدية وأعمال روائية كثيرة.
وألقى الأعرج قصة قصيرة بعنوان "الحشرة" وأعقب ذلك بعض المداخلات من الحضور، حيث أشار الشاعر مصطفى عبادة إلى أن تيمة القهر موجودة فى الأعمال القصصية الثلاثة، وهو ما يعكس ضغط القهر وأننا مشغولون بالنظر تحت القدم.
أما الدكتور عبد الحق بلعابد الأستاذ بجامعة الجزائر فقد أشار إلى لغة واسينى الأعرج التى كانت شاعرية فى السبعينيات، لكنها فى هذه القصة مباشرة. وأكد شعبان يوسف على فكرة العنف الموجودة فى الكتابة بشكل عام، وهو ما يعنى أن الرومانسية قد غادرت النص الأدبى.
وأشار القاص سعد القرش إلى أن سياق القهر ينتج دائما كتابة جيدة، والفن غرضه الإمتاع ولا يعنينى كونه هادفا أو نتاج قهر فى المجتمع، لأن الإبداع لا يتوجه لقارئ محلى، وإنما يفترض أنه يخاطب جيلا لم يولد بعد.
وعلق القرش على توقفه عن كتابة القصة القصيرة منذ عام 2003، لصعوبة الانشغال بأمرين فى نفس الوقت، وأكد أنه لم يتعمد القصدية فى الكتابة، فعندما يشرع فى كتابة قصة من الممكن أن تتحول إلى رواية والعكس، مشيراً إلى أن التلقائية هى الأساس فى الإبداع.
وأكد واسينى الإعرج على أن فن القصة القصيرة وفن الرواية مختلفان، فالقصة تحتاج إلى لحظة غير مرئية، ومداها حاد محدود لا يتحمل لغة فيها نوع من الفيض الشعرى وتحتاج إلى لغة محدودة تؤدى وظيفة محدودة.
وأضاف أنه قد بدأ قاصاً، لكن قصصه جوهرها كانت موضوعات روائية لكنه خنقها لينشرها بالجرائد، ومنذ عام 82 بدأ يكتب ما يشتهى، حتى السنوات الأخيرة، أى خلال 22 عاماً لم ينشر قصة قصيرة.
وأجاب الأعرج عن سؤال للقاصة مى خالد عن المشهد الروائى والقصصى فى الجزائر، حيث حدد ثلاثة أجيال أولهم المؤسسون، وهؤلاء كتبوا القصة القصيرة، وأعقبه جيل آخر ارتبط بالقصة القصيرة لكنه كان جيل المؤسسين بالرواية، ولم يقطعوا علاقتهم بالقصة القصيرة، ويأتى بعدهم جيل السبعينيات الذى بدأ قاصا لكن القصة القصيرة كانت سلمه للوصول إلى الرواية، أما الآن فهناك جيل جديد بدأ بالرواية لأنه يؤمن بها، ويعرف أن الرهان عليها.
وعلق شعبان يوسف مشيرا إلى شعوره بأن الكاتب يولد من بطن أمه روائيا أو قاصا، وأكد على أن معظم كتاب القصة القصيرة فى الستينيات قد بدأوا رواياتهم بقصة قصيرة ومنهم يحيى الطاهر عبد الله وإبراهيم أصلان ومصطفى محمود فى قصة "المستحيل"، وقال: "ولا يوجد كاتب يجيد نفس الجودة فى الفنيين"، وضرب المثل بنجيب محفوظ فى قصصه القصيرة ويوسف إدريس فى رواياته.