شريف حافظ

اللعبة الإيرانية فى الجزائر

الإثنين، 23 نوفمبر 2009 06:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما اندلعت أحداث الإجرام "المؤسس" فى السودان من قبل مشجعين من الغوغاء من الجزائريين تجاه أهلنا من المصريين، وتابعت الأخبار التى صدقتها سريعاً للغاية، لتنبؤى المسبق لما سيحدث عقب مباراة كرة القدم بين منتخبى مصر والجزائر، نتيجة لما وقع فى الأسابيع السابقة، لم أجد الإجابة فى ذهنى إلا فى خبر قرأته فى أواسط هذا العام، وتعجبت له، لشدة غرابته. ففى أبريل من هذا العام، "اتفقت كل من إيران وإريتريا والجزائر، لتوسيع تعاونهم معاً ودعم استثمارتهم المتبادلة"، وبالطبع يصبح السؤال الأول، ما هى علاقة تلك الدول الثلاث معاً؟ فايران تقع على ضفاف الخليج العربي، وإريتريا تقع على ضفاف مدخل البحر الأحمر، والجزائر تقع على ضفاف البحر المتوسط! وهنا لا أتهم دولة إريتريا الشقيقة بأى اتهام، ولكن أرى أن إيران تريد العبث بدول المنطقة وخلق الفوضى بكل الطرق الممكنة، حتى وإن كانت بفتح قنوات شرعية ومن خلالها وفيما بعد تقوم بأعمال غير شرعية، مستهدفة مصر بالأساس!

ولكنى توقفت بشدة عندما أحسست بالعلاقة، مع بدء معركة الحوثيين فى اليمن والدعم الذى تمنحه إيران لهم والدعم الذى تمنحه لحزب الله فى الجنوب اللبنانى والدعم الذى ترسله لحماس فى غزة، فإذا ما رسمنا خطاً موصلا بين كل تلك الدول، بدءًا من جنوب لبنان ثم غزة ثم اليمن ثم إريتريا ثم الجزائر، وباضافة قطر فى الطريق، سنجد نصف دائرة متعرجة ومحيطة بمصر! أى أن الاستهداف الرئيس، هو لمصر والدول المعتدلة بالمنطقة!

وللأسف فإن الكثير من المواطنين المصريين مازالوا يظنون أن حزب الله أو حماس يحاربان إسرائيل، وهو أمر غير صحيح، فلو أن حزب الله يحارب إسرائيل لكان قد حرر مزارع شبعا، على أقل تقدير، لأنه كان مدعماً بالسلاح الإيرانى بشدة وقت حرب يوليو 2006. ولو أن حماس تريد التحرير الحق للأراضى الفلسطينية المحتلة فى حرب 1967، كما أكدت فى وثيقة الأسرى، لكانت إرتضت بمد الهدنة فى 19 ديسمبر الماضى، حتى تسمح بفرصة للمفاوضات وبحل مشاكلها مع السلطة الفلسطينية بدلاً من الانقسام، ولكنها تعاونت مع إسرائيل فى درء أى فرصة للسلام، وكانت تستهدف أن تؤجج الصراع حول معبر رفح، بدلاً من الحديث عن العدوان الإسرائيلى!! وقد ظهر فى أزمة غزة بما لا يدع مجالاً للشك، أن حرب حماس وتصريحاتها بمعية دول أخرى، أهم ما يُميزها، هو علاقتها بإيران، أقول أثبتوا أن الحرب والتصريحات الحمساوية، كانت موجهة ضد مصر وليس إسرائيل! ويكفى النظر إلى السجل الأرشيفى لقناة الجزيرة لمتابعة اتجاهات تلك القناة، التى سأفضح الدولة المشرفة على إدارتها فى مقالى القادم ومدى علاقاتها الدافئة مع إسرائيل!

فلمن لا يعرف، يوجد اتفاقية تعاون عسكرى موقعة بين الجزائر وإيران، سنة 2002، عند زيارة رئيس الأركان الجزائرى اللواء محمد العمرى لطهران فى نوفمبر 2002. وقد وقعت البلدين اتفاقية اقتصادية مهمة لإقامة مصنع أسمنت إيرانى ضخم فى الجزائر فى يوليو 2008. وقد أعلن وزير الخارجية الإيرانى مانوشهر متقى، فى أكتوبر 2008، أن إيران "تعطى أولوية كبيرة لزيادة صادراتها للجزائر فى السنوات القادمة". وكان ذلك بعد أن قام الرئيس بوتفليقة بزيارتين لإيران: الأولى سنة 2003 ثم فى أغسطس 2008. وقد بدأت إيران حركة استثمارات هائلة فى الجزائر وعلى ما يبدو أنها أقنعت الجزائر بأن تكون هى الدولة الأولى من حيث كم الاستثمار فى الجزائر، ولكن هنا، توجد إشكالية كبيرة للغاية بالنسبة لإيران، اسمها مصر!

ولا يخفى على أحد، أن القيادة السياسة فى مصر قد حاولت فى أكثر من مناسبة التقارب مع إيران بشرط التخلص من ثقافة الكراهية لمصر فى تلك الدولة. إلا أن إيران قطعت كل الجسور فى عهد الرئيس الحالى لإيران، محمود أحمدى نجاد، وقبلت ما دون ذلك من علاقات مع الدول العربية الأخرى، غير تلك المعتدلة فى المنطقة، لأن الأخيرة يتوافق موقفها من مواقف مصر من الناحية الاستراتيجية!

وكانت مشكلة إيران فى الجزائر، تتمثل فى أن مصر هى الدولة رقم واحد من حيث الإستثمار فى الجزائر وأن إيران تحرب الوجود المصرى فى كل مكان. ولكن ولأن هناك دولاً لا عهد لها، فان هناك من أشاروا على القيادة الجزائرية بإخراج مصر من الجزائر، وهذا تقدير منى للموقف وليس إلا كذلك، لأن ما حدث بعد ذلك، إنما يدل على ما أقوله. فلا يمكن بأى حال من الأحوال تحدث تلك الهجمة الشرسة على مصر والمصريين بسبب مباراة كرة قدم، مهما كانت عواقبها! فلقد قبلنا الهزيمة بشرف، بعد أن لعبنا نحن وأقررنا بأن تلك هى كرة القدم: أى غالب ومغلوب!!

وتكملة لقصة رغبة إيران فى دخول الجزائر اقتصاديا وطرد الاستثمار المصرى من هناك، أن الجزائر بدأت فى اختلاق المشاكل مع مصر، سواء فيما يتعلق بالكرة أو ما يتعلق باستثمارات الشركات المصرية فى الجزائر والقول بالضرائب المتأخرة على أوراسكوم، التى تم اكتشافها فجأة اليوم، رغم أنها يُفترض استحقاقها منذ 2005. وكان لزاما أن تطلب مصر بنفسها، الخروج من الجزائر بدلاً من ذلك، لأن طلب الجزائر خروج مصر لن يكون واقعى، حيث يجب أن تدفع الجزائر الكثير من التعويضات مقابل هذا الخروج فى تلك الحالة.

لقد قام الجزائريون بكل ما من شأنه القضاء على صلتنا بهم، حتى ما بعد المباراة بيننا وبينهم، حينما بدأ الاعتداء الغاشم على المصريين المدنيين العُزل، بحيث تقطع مصر علاقتها بالجزائر وتلبى القيادة السياسة مطالب الناس بالخروج من تلك الدولة بكل ما تملك، وبالتالى نكون قد لبينا لإيران مطلبها. ولكن هذا لن يحدث بتلك السهولة، لأن المصالح الاقتصادية لا تعالج بتلك السهولة!

فهناك أولاً "محكمة تسوية منازعات الإستثمار"، التابعة لجامعة الدول العربية والوقائع واضحة للجميع، ولا تتطلب الكثير من اللت والعجن، فإن أثبتت تلك المحكمة أنها ليست على قدر المسئولية، كما أثبتت جامعة الدول العربية على مر تاريخها الطويل، وهو غير الادعاء الذى تقول به الجزائر بأننا لدينا سيطرة على الجامعة، فإن مصر يجب أن تلجأ إلى المركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار The International Centre for Settlement of Investment Disputes (ICSID) والتابع للبنك الدولى، للحصول على مجمل التعويضات المستحقة على الجزائر من جراء الخسائر التى تعرضت لها الشركات المصرية هناك والعاملين بها!

لقد اجتهدت لكى أكتب هذا المقال، وهو تحليلى الخاص من جراء متابعة الأحداث المختلفة التى يمكن ربطها بسهولة، ولم أكتب الكثير مما يمكن أن أتركه للسياسيين، ليقرءوه ما بين السطور، وأرجو إن كنت قد قلت الحقيقة بالفعل، أن تُتخذ الإجراءات المفترض أن نتخذها من أجل صون حقوق مصر كاملة، وهذا على مدى المنطقة كلها وليس حيال الجزائر فقط. فمصر أكبر من كل ما حدث، ولكن يجب وأن نعتبر وأن نتعلم من الدروس. فلقد تعلمت ليلة المباراة الفاصلة، أنه عندما تترفع عن الصغائر مع الصغير، تتحول إلى كبائر منه، فيظن أنه أسدُ عليك، والصحيح أن تضرب بيدٍ من حديد عند وقوع الصغائر، لكى لا يجرؤ هذا الصغير على مجرد التفكير فى الكبائر معك ويبقى نعامة وطوع يديك، لأنك تستحق بالفعل لقب الكبير ولم تشتريه بالمال! ولا يمكن الخروج من الجزائر إلا بمكانة مصر عالية فوق أى شعار أو هتاف أجوف، لأن مصلحة مصر فوق كل اعتبار، وكرامة أبناء وبنات مصر فوق أى كرامة وفوق شعارات ماتت ويسمونها مجازاً بالعروبة التى لا ننتمى إليها أصلاً!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة