د.إبراهيم عبد العليم حنفى

مصطفى محمود.. سيمفونية العلم والأدب

الأحد، 01 نوفمبر 2009 07:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رحل الدكتور مصطفى محمود جسدا ولم يزل مكانه معطرا بعبق الخلود، فقد كان عالما ومفكرا وأديبا وفيلسوفا وكاتبا يحمل هموم أمة دافعا لها تجاه التقدم ولعله كان آخر علماء المسلمين الذين كانت لهم تخصصات عديدة أمثال ابن سيناء وأبو بكر الرازى والفارابى وأبو قراط وغيرهم.

الراحل الكبير ألف 89 كتابا منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والحكايات والمسرحيات وأدب الرحلات ولم يقتصر على هذا فحسب، بل أنشأ أربعة مراكز مراصد فلكية ومتحفا للجيولوجيا ناهيك عن أعماله الخيرية الملموسة كالجمعيات الخيرية.

كما قدم سيمفونية أخرى فى 400 حلقة من برنامجه الشهير(العلم والإيمان)
الذى تربينا عليه ونحت فى عقولنا وكنا نتلهف عليه منذ نعومة أظافرنا وصوت الناى لمحمود عفت ذلك التناغم الذى يؤدى بك إلى سراديب من عالم غريب وابتكارات علمية رائعة ممزوجة ومعللة من القرآن الكريم ليثبت فى كل حلقة عظمة الخالق.

كان بصوته الهادئ الناعم الذى تملؤه السكينة يجذب كل من يستمع إليه وكأنه يعزف على وتر موسيقى جسدته الكلمات وترجمته نوتة موسيقية هو فقط صاحبها، وهذا نابع من حسه الموسيقى فقد كان عازفا ماهرا للعود والرق والناى، فكل المعانى قد تجسدت وخرجت بلحن واحد الكلمات وهدف ذات مغزى، فأخرج إبداعا راقيا فى شتى المجالات وما كان لرجل مثل هذا العالم الجليل ليبدع إلا أن يكون متصوفا متبحرا، نهم من علوم الأرض بعقل وقلب كبيرين أفاد العرب علميا وأدبيا، فلم يرض عما قدمه رغم كثرته إلا أن يتوج بعمل خيرى يفيد المجتمع فأنشأ العديد من الجمعيات الخيرية تلك هى الصدقة الجارية والعلم الذى ينتفع به.

رحم الله العالم الجليل الذى كان يتمتع بالحب والبساطة والمداعبة والرقى الحضارى والإنسانى وكم أحسد نفسى كثيرا لأننى أكتب عن رجل كنت أهواه ومازلت أحبه حبا جما.

فإذا رحل الجسد وتعطر بجنة الخلد فإن فكره وأعماله وشجرة إبداعه ستظل ضاربة فى الأرض بقوة أصلها ثابت وفروعها فى السماء فقد كان بمثابة أكاديمية شاملة فى العلوم والآداب المختلفة والتى تهرع لنشر ما بها بلغة سهلة ومقنعة، ذلك هو السهل الممتنع فى الأسلوب والتناول والأداء، فلم يحظ فقط بفنون الكتابة والبلاغة والسرد بل كانت له ملكة عظيمة فى الحكى والأداء عبر تسجيلاته التليفزيونية والإذاعية الكثيرة والمتنوعة فى كل المجالات حتى كأنك فى كل مرة تسمعه تظن أنك أمام عالم جديد وأفق رحبة واسعة وذاكرة تغرقك فى بحر ليس له قرار من العلم والثقافة ثم تفيق وإذا بك على شاطئ المعرفة مازلت تنهل كل يوم منها قسطا وفيرا، ثم يجذبك مرة أخرى بأسلوب راق ومميز.

إنه الدكتور مصطفى محمود الذى تمتع وكرم فى حياته ونقش اسمه على أكبر الشوارع والميادين ولم يثنه هذا عن البحث والتطلع والكتابة لأنه كان يرى فى ذلك رسالة من أعظم الرسالات.

رحم الله العالم الجليل واستغفرت له الملائكة وحملته على أجنحتها رضا بما صنع وقدم فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وأنه يستغفر لطالب العلم من فى السموات والأرض حتى الحيتان فى البحر صدق رسول الله.

رحم الله فقيد الأمة وصبرنا جميعا لفراقه فهو فى قلب كل عربى ومصرى وعالم، فإذا ذكر اسمه عرفت أعماله فهنيئا بما قدم وصنع وليتغمده الله برحمته ويسكنه فسيح جناته.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة