شريف حافظ

إعادة الاعتبار لتاريخ مصر

الخميس، 08 أكتوبر 2009 07:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تابعت فى السنوات الماضية الأحاديث المختلفة على مختلف القنوات الأرضية والفضائية، حول حديث البعض حول ذكرياتهم الخاصة بتاريخ مصر. وأنا من عشاق قراءة التاريخ، ورغم انتمائى بالفعل للفكر الساداتى، إلا أننى وعندما أقرأ التاريخ، أحاول أن أكون موضوعياً، لأن مصر، ليست السادات فقط، ولكنها الكثيرون من القادة والزعماء، والمسئولين والناس. وليس عيباً أن أقول أن السادات أخطأ فى كذا أو كذا أو عبد الناصر أخطأ فى كذا أو كذا.. فنحن عندما نتناول تاريخ، علينا الاستفادة من دروسه حتى ننهض!

وكنت أقرأ مؤخراً كتاب المبدع المصرى، لويس عوض، فى كتابه الجميل، "أقنعة الناصرية السبعة: مناقشة توفيق الحكيم ومحمد حسنين هيكل"، حيث تناول نقطة موضوعية كتابة التاريخ وأن معاصرى الحدث لا يرون الرؤية التاريخية ولكن جزء من الصورة، وأن الأجيال المستقبلية هى التى ترى الحقيقة بعد ذلك بشكل أكثر كمالاً، فقال فى الصفحات 15 – 17 من كتابه: "فمن عاش فى عصر محمد على ولاسيما أيام مذبحة القلعة، لم يكن يرى فيه إلا سفاحاً مُريداً. وقد رسم الجبرتى صورة غير مضيئة لمحمد على، لأنه أمم أوقاف الدين فيما أمم من أراضى مصر الزراعية، ونحن نرى الآن فى محمد على مؤسس مصر الحديثة الذى بنى جيشها الوطنى وحرر إرادتها من التبعية التركية وأنشأ صناعتها ومعاهد العلم والتكنولوجيا فيها ونظم زراعتها ورقاها وجعل منها أقوى دولة فى الشرق الأوسط وبنى كثيراً من جسورها الحضارية مع أوروبا."

"ومن عاش فى عصر إسماعيل لم ير فيه إلا سفيهاً استدان نحو مائة مليون جنيه لينفقها على ملذاته واهتماماته الأرستقراطية، ولكننا نعرف الآن أنه أنفق أكثر هذه الأموال فى حفر قناة السويس وفى حفر الترع وتوسيع الرقعة الزراعية بمساحة مليون فدان وفى ربط مصر بالسكك الحديدية والتلغراف وفى بناء جيش وطنى قوامه نحو مائة ألف مقاتل (بعد 18,000 مقاتل)، بنى به إمبراطورية إفريقية نيلية تضارع إمبراطورية محمد على العربية: فرفع العلم المصرى على أوغندا وألغى تجارة الرقيق حيثما سارت جنود مصر، كذلك نعرف أنه تسلم البلاد وليس فيها إلا نحو 115 مدرسة وتركها بعد 16 سنة وفيها 4500 مدرسة بعضها للبنات، ولم تكن فيها صحيفة واحدة فعرف عهده قُرابة 30 صحيفة ومجلة، ولم يكن فيها نظام قانونى واضح فأدخل فيها أحدث قانون مدنى وجنائى وإدارى كان معروفاً فى عصره (قانون نابليون). ولم يكن فى مصر هيئة تشريعية فأنشأ إسماعيل فيها أول برلمان مصرى، بدأ استشارياً صورياً فى 1866 ثم نضج واستأسد عبر 12 سنة حتى شارك إسماعيل فى 1879 فى قيادة الحركة الوطنية ضد النفوذ الأوروبى..".

والقارئ يدرك من العرض السابق لكلمات الدكتور لويس عوض أن الذى يعيش الحدث غير هذا الذى يقيمه بعد وقت، حين تمر السنوات، ويستطيع عبر القراءة أن يحلل بحق ما حدث.

وللأسف فإن تاريخ مصر وفى كثير من الأحيان يُكتب وفقاً للأهواء، ولأننى قرأت الكثير من هذا التاريخ من كتب المعاصرين لنا اليوم فقد وجدت الكثير من الأخطاء التى لا يمكن النظر إليها على أنها أخطاء عابرة ولكن أخطاء "متعمدة"، رغبة من الكاتب فى تشويه رئيس أو زعيم وفقاً للأهواء، وفى النهاية يصور نفسه على أنه معاد أو معارض لنظام الحكم "الحالى" وأنه يعارض السابق، رغم أنه يريد أساساً، أن يُظهر كم ولائه فى محو إنجازات "الفرعون" السابق، ويرى فى هذا خدمة للنظام، بينما هو بالأساس يهين مصر ككل بهذا الإسفاف وعدم الحيدة فى الرواية التاريخية، ويشوه الدروس التى ممكن أن تشتقها الأجيال القادمة من أجل التنمية!

وعلى رؤوس من يقومون بهذا الفعل، "الأستاذ"، أو هكذا لقب عبدة الشخص الواحد، السيد محمد حسنين هيكل!! هكذا لقبوه، رغم التشويهات "المُريعة" التى قام بها للتاريخ، وسأعرض هنا، تشويه وحيد لأن تشويهات هيكل للتاريخ المصرى الحديث، لا تُعد ولا تُحصى!

فها هو كتابه "الانتقامى" الكبير عن الرئيس الراحل الشهيد، محمد أنور السادات، "خريف الغضب" والنسحة التى أملكها، نُشرت من قبل "شركة المطبوعات للتوزيع والنشر" ولدى الطبعة الثالثة عشر لسنة 1986 م – 1406 هـ. وأملك فى الوقت نفسه النسخة الإنجليزية للكتاب. وقد قرأت النسختين، لأجد ما يلى:

أولاً: الحديث عن النسب العائلى للسادات ولون جسده (مذكور فى الكتاب العربى: زنجى!!!) لم يركز عليه محمد حسنين هيكل باللغة الإنجليزية كثيراً لأنه يدرك بالطبع، لأن الهجوم العنصرى على السادات، غير مقبول فى الغرب.. وهو ما أدهشنى، حول الكيل بمكياليين فى مخاطبة القارئ العربى بشكل، ومخاطبة القارئ الأجنبى بشكل آخر، من قبل رجل، المفترض أنه كان رجل دولة، وليس رجلا لا يفقه ما يقول!

ثانياً: لقد تعرض محمد حسنين هيكل فى كتابه وبالنص للرئيس السادات بشكل غير مسبوق فى التسفيه لرجل حاول بقدر الإمكان خدمة بلاده.. وكان هيكل فى هذا الإطار ينتقم من رجل سجنه، ولكنه ضل طريقه، فانتقم من تاريخ بلد غالية وشعب عظيم بأكمله.. وتلك ذلة لا تغتفر بأى حال من الأحوال!!

ثالثاً: مثال واضح من أخطاء هيكل "المتعمدة" فى الصفحة 10 من كتابه خريف الغضب الذى ذكرت أعلاه، حيث كتب "الأستاذ" محمد حسنين هيكل:

"لماذا كان الحزن على السادات فى الغرب أكثر منه فى أمته؟ ولماذا شيعه إلى مثواه الأخير عدد كبير من الساسة الأجانب، بينما لم يشترك فى موكب الجنازة سوى الموظفين الرسميين المصريين وبعض الزوار الأجانب؟"

وبالطبع، فإن هيكل يعرف لماذا لم تشارك الجماهير فى موكب جنازة الشهيد بطل الحرب والسلام عن حق، ورغم أنف أى شخص، أياً كان ورغم أنف محمد حسنين هيكل ذات نفسه!!!
أيها السيدات والسادة

يعرف هيكل أنه بعد أن تم اغتيال الرئيس السادات تم فرض حذر التجول على طول البلاد وعرضها، وأصبح المصريون حبيسو بيوتهم، لأنه كان هناك يومها خوفا من اندلاع أعمال عنف وقيام انقلاب عسكرى، لأن من قتل الرئيس السادات كانوا ضباطاً فى الجيش.. وإن كان هيكل لم يكن يعرف هذا، فإن تلك مصيبة، وإن كان يعرف وهو ما أنا متأكد منه، لأن هيكل ليس بجاهل، فإن المصيبة أعظم!

ويصعب على، بعد ذلك، تصديق من يتعمد التشويه فى معلومة يسيرة المعرفة كتلك، فى أى من كتاباته الأخرى، لأنه يروى، ولديه غرض فى نفس يعقوب، وليس بهدف رواية التاريخ المصرى بإخلاص للمصريين والعالم!

وأنا إذ أكتب هذا المثال من كتاب كتبه "الأستاذ"، أقول له ولأمثاله:

كتابة التاريخ، ليست رداً لجميل زعيم، وليست تسفيهاً لزعيم آخر، ولكن الحكم عليه بحيدة من أجل هذا الشعب وهذا الوطن. إن تحريف الأديان، لأمر هين بالمقارنة، لأن الناس تجد الحقيقة بسهولة بقلوبها، ولكن تشويه التاريخ، لمعضلة أخلاقية لا يقوم بها إلا من يكره بلاده ويفضل غيرها!!!

إن كتابة التاريخ لا تتم وفقا للأهواء، ولكن وفقا للوقائع وتحليلها، وإن كنت تكره السادات، فإنى لا ألومك ولا أتدخل فى مشاعرك! ورغم صغر سنى بالمقارنة معك، فإنى أعترف أنى كنت مثلك، أرى التاريخ يوماً من منطلق الأهلى والزمالك، أو ناصرى وساداتى، ولكنى ومع كثرة القراءة، لمن كتب ضد أو مع أو بحيدة، احترمت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وأقف اليوم مُنادياً بالحيدة التاريخية، لأنى أحب مصر أكثر من احترامى لعبد الناصر وعشقى للسادات!

يجب أن نكتب التاريخ كما حدث ونحلله حتى تستفيد الأجيال القادمة من دروس وأخطاء الماضى، وكى نستطيع أن ننمى بلادنا بمنطق العقول، وبحب القلوب لها. وليس حباً أو كرهاً لشخص أو أشخاص أو منظومة! وأنا بالطبع أعترف بخطأ السادات فى مسألة التعامل مع الإخوان، رغم عشقى للرجل، لأنى أحب مصر أكثر مما أحب السادات.. أتمنى من كل كاتب يكتب تاريخ هذا البلد، أن يحب مصر مثلى.. نعم مثلى! نعم! فإننى بالفعل مغرورو بحب هذا البلد ولن أتركه، بوصفى مواطنا فيه، أبداً لأى شخص يريد تشويهه! أحبوا مصر وأخلصوا لها، تعطيكم! وأمنوا بإمكانياتها واعترفوا بأخطاء زعمائها وإنجازاتهم، دون تشويه وتسفيه! ومن يريد الانتقام، إنما يسيئ إلى نفسه وليس سواه، لأن مصر ومن أخلص لها، باقية ذكراها وذكراه حتى قيام الساعة!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة