انتهى تقرير جولدستون البالغ عدد صفحاته 575 إلى إدانة إسرائيل إلى حدٍ كبير وإدانة حماس إلى حد أقل. وقد اعتمد المجلس الدولى لحقوق الإنسان يوم الجمعة الموافق 16 أكتوبر، المشروع ومرر القرار المتعلق بتقرير جولدستون بموافقة 25 دولة ورفض 6 دول، فيما امتنعت 11 دولة أخرى عن التصويت. ويستوجب بعد إقرار المشروع أن يتم إحالته إلى مدعى المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى، هولندا، إذا لم تجر إسرائيل وحماس تحقيقات ذات مصداقية خلال 6 أشهر.
وبالتالى، فإن فترة الأشهر الستة القادمة تُعتبر مهمة للغاية فى تاريخ القضية الفلسطينية. إلا أننى أجد إشكالية كبيرة فى الأفق فيما يتعلق بالتناول العربى للموضوع، مُقارنة بالتناول الإسرائيلى له.
فلقد عبر العرب، بما فى ذلك القادة، عن سعادتهم وكأنهم غزوا عكا! وكأن تلك كانت نهاية المعركة، رغم أننى أدرك تماماً، أنه لو أن العرب ظلوا فرحين يحتفلون بما حققوه فيما يتعلق بما وصلوا إليه فيما يتعلق بهذا الأمر، فإن الأمور ستنقلب تماماً بنسبة 180 درجة، وسيحول الأمر وكأن إسرائيل هى المظلومة وهى التى تم الاعتداء عليها وما إلى ذلك من أكاذيب. وبالتالى، فإننا يجب وأن نناقش هنا ما تقوم به الدبلوماسية العربية بالمقارنة بما تقوم به الدبلوماسية الإسرائيلية، كى نسترشد بكيفية الخروج بنصر، فيما يتعلق بهذا الموقف الحالى.
يقوم الإعلام العربى الحالى "بالغناء" على شعوبه، بما تحقق من تمرير تقرير جولدستون. رغم أن من يستوجب توجيه الرسالة إليه، هو الرأى العام الدولى وليس الرأى العام العربى المقتنع تمام الإقتناع بهذا الأمر. وهو ما تقوم به إسرائيل وهى تعلم تمام العلم بأنها كاذبة. حيث إنك وعندما تبحث بالإنجليزية على مُحرك بحث الياهو مثلاً، عن عبارة "تقرير جولدستون"، تجد نتائج، أغلبها إسرائيلية. فقد أقامت إسرائيل بالفعل ثلاثة مواقع، تحمل كلها اسم التقرير، هى:
http://www.goldstonereport.org/
http://www.ungoldstonereport.com/index.html
http://www.thegoldstonereport.com/
بل إنهم وضعوا فى خضم كل هذا التقرير نفسه وفسروه وفقا لرؤيتهم، بالإضافة إلى مواقع أخرى موالية لإسرائيل. "كل ده وأحنا قاعدين، ونحتفل.. يااااه على النصر المظفر"!!
وبالطبع، وبينما العرب يحتفلون بتمرير التقرير، يبحث مواطن من جزر الموز أو جمهورية الواق الواق، بل ومن الدول الفاعلة فى تأثير الرأى العام على المناخ السياسى الدولى، على الإنترنت، كى يفهم ما يدور فى هذا الأمر، ويجد النتائج الإسرائيلية "الموضحة" له كل شىء حول تقرير جولدستون، ولن يسأل عن هويتها ومدى صحتها ولكن سيقرأ ليفهم، وهو أمر يطالب به الكثيرون فى الخارج، دون أى إجابة عربية شافية! وسيقرأ وجهة النظر الإسرائيلية، دون أن يعرف بأنها إسرائيلية!! فأين وزارات الإعلام العربية من هذا؟ وأين التعاون بين وزارات الخارجية والإعلام فيما يُسمى افتراءً بالعالم العربى، بينما ما هو إلا عالم مشتت ممن يهتم بكل ما هو تافه!
هل العرب لم يتعلموا بعد من درس الهدنة عام 1948، عندما وقعت تلك الهدنة فى حرب فلسطين وكانوا فى وضع جيد، فلما انتهت، كانت إسرائيل هى التى فى وضع أفضل، فانتصرت عليهم جميعاًً بالضربة القاضية؟ أفيقوا يا دبلوماسيو العرب!
ثم إن أى مواطن مهتم بالصراع العربى الإسرائيلى ومشترك فى عدد من المواقع العالمية فى هذا الصدد، يأتيه فى بريده دعاية إسرائيلية تتعلق بتطور الصراع.
وهنا أسأل: ألا يرى دبلوماسيونا، تلك الدعاية الإسرائيلية حول ما تم فيما يتعلق بتقرير جولدستون؟ أم أنهم مازالوا نائمين فى دبلوماسية ما قبل إختراع الإنترنت؟
إن إسرائيل تقلب الحقائق وتخرج أفلاما تستخدم فيها إخراجا رائعا وكبار الرموز فى المجتمع الدولى وتستغل دموع الأطفال، ولو تمثيل. ألا نملك رموز فن وقامات دولية كبيرة ودموعا حقيقية وآلام لأطفال فلسطينيين لتصوير أفلام وثائقية بمختلف لغات العالم كى يشاهدها المواطن الدولى ليؤثر ويتأثر؟ ألا يوجد تعاون مع الفنانين يا سيادة وزير الخارجية ويا سيد عمرو موسى لإظهار الحق للعالم؟ إنى مندهش، مما تفعله إسرائيل بينما نحن نغط فى النوم وتملؤنا الفرحة لما أنجزناه من انتصار يمكن أن يتلاشى فى لحظة، لو استمرت تلك الأفراح الدبلوماسية الغراء كثيراًً.
وليفتح الأخوة الدبلوماسيون العرب الكبار، قناة السى إن إن أو البى بى سي، وليشاهدوا الإعلانات الإسرائيلية عن "كم الظلم" الذى يتعرضون إليه. إن المواطن الأمريكى الذى لا يعرف إلا عمله ويتابع نشرة واحدة للأخبار ولا يفقه من الأمر فى الشرق الأوسط شيئاً، سيدرك أن إسرائيل على حق، وأننا شياطين، لأنه يشاهد الدعاية السياسية الإسرائيلية فقط، دون أى مشهد حق واحد من قبل العرب، حول ما يحدث فى فلسطين من مهازل!! ألا يوجد قضايا فلسطينية يمكنكم طرحها أم ماذا؟ ألا توجد إشكالية الحفر تحت الأقصى وبناء المستوطنات فى القدس والضفة؟ ألا يوجد إشكاليات لحقوق الإنسان؟ ألا توجد إشكالية الجدار العازل؟ ألا توجد إشكاليات الحل النهائي؟ لا أعرف، ولكنى أشعر أن الدبلوماسيين العرب ينتظرون أن تتحرك إسرائيل لتعرض القضية الفلسطينية على الرأى العام الدولى.
يجب أن ينشئ الدبلوماسيون العرب جهازا لحملة علاقات عامة قوية، يقوم بتسويق تقرير جولدستون على كافة المستويات للرأى العام العالمى وفى كافة المنابر الإعلامية التى يمكنهم الوصول إليها. ونشر الموضوع على الإنترنت وفى كل وسائل الوصول للمواطن الأجنبى أينما وجد.
ويمكن فى هذا الإطار أن تتعاون الشعوب العربية كلها فى هذا الأمر، للوقوف إلى جانب الحق الفلسطينى. كما أن الدول المُحبة للسلام ممكن أن تدعمنا فى هذا النشاط، بحيث تصل كلمتنا إلى أكبر عدد ممكن من الناس. فالناس تؤثر على حُكامها فى الخارج، والمواطنون فى أرجاء الأرض وعندما يرون الواقع دون مواربة، سيقفون مع الطرف المظلوم والمعتدى عليه. إن المسألة واضحة وممكنة إلى أبعد مدى، إذا خلصت النوايا!
إن هذا الموضوع مهم للغاية بالنسبة لمصالح الدول العربية كلها وعلى رأسها مصر. وبالتالي، يجب على مصر قيادة مثل هذا العمل الدبلوماسى، ولتدعم دول أخرى هذا النشاط بالمال وأخرى بالإعلام وثالثة بالمبادرات التى تصب لخدمة هذا العمل. ولتقم البعثات الدبلوماسية فى الخارج بعمل الندوات غير التقليدية المصاحبة لإيصال الكلمة إلى كل مواطنى الدول المختلفة، كى يروا الصورة الحقيقية، موثقة ويسيرة الفهم.
إن حشد الرأى العام العالمى من أجل تلك المعركة لهو مهم، لأن الرأى العام العالمى، هو ما تلعب عليه إسرائيل اليوم لقلب الحقائق فى الأشهر الـ6 القادمة، حتى لا يدخل التقرير للمحكمة الجنائية الدولية وتصبح إسرائيل متهما أمام العالم كله! ونحن إذ نقوم بتلك الحملة، لا نقوم بها من أجل تدمير أو حرب، ولكن لإثبات حق الشعب الفلسطينى ونشر قضيته على القطاعات العامة من البشر، ومن أجل السلام!
وأحب أن أختم باستنتاجى المتواضع : إن لم يمرر هذا التقرير بشكل يدين إسرائيل، فان العيب فى النهاية، سيكون عيباً نابعا عن الدبلوماسية والقيادة العربية ذاتها. ولو لم يمرر فإننا سنكون إزاء مصيبة أخرى فى الصراع العربى الإسرائيلى. وربما ستحل علينا حرب جديدة ، لأن كل بارقة أمل لا تستغل، تتحول إلى كارثة وفقا لتطور الصراع العربى الإسرائيلى. ولكن فى هذه الحال، سيكون أكبر مسئول عن تلك الكارثة، هو الدبلوماسية العربية المعيبة، التى تفرح وتطبل لنصر هزيل غير مكتمل!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة