نشرت صحيفة الدستور فى صدر صفحتها الأولى بعدد الأحد 1يونيه الجارى، تصريحا للدكتور حمدى زقزوق وزير الأوقاف، قال فيه"إن خطبة الجمعة لا ينبغى أن تزيد على عشر دقائق، وإن دعوى تطويل خطبة الجمعة بدعة لا أصل لها فى الدين، وأتحدى أى شخص يحضر لى دليلا بأن النبى (صلى الله عليه وسلم) خطب يوم الجمعة خطبة تعدت العشر دقائق".
أتفق مع وزير الأوقاف فى أن كل الأدلة تؤكد مشروعية تخفيف خطبة الجمعة، وأكتفى هنا بحديث جابر بن سمرة السوائي، الذى يقول فيه"كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هن كلمات يسيرات". وهذا لا يعنى اتفاقى إجمالا مع قرارات الوزير التى تصدر غالبيتها لخدمة أغراض سياسية، أو بدافع التضييق على جماعات معينة، أو بدافع إلهاء الرأى العام المسلم عن القضايا السياسية والوطنية المتلاحقة، يراها المسلمون ضربا فى ثوابتهم أو استهزاء بتراث نشأوا عليه وتوارثوه وبالتالى ارتبط ارتباطا وثيقا بمعتقداتهم، (لاحظ مثلا قرار وزير الأوقاف حول مشروع الأذان الموحد والضجة التى أثيرت حوله).
وبحسب قناعاتى التى تنطلق من أسس ليبرالية، تؤمن بحق الأفراد فى تقبل أو رفض سياسات ورؤى معينة فإن "زقزوق" لم يكن موفقا-كالعادة- فى تصريحاته السابقة، لأنه تجاهل حق كثير من المسلمين الذين ربما يجدون متعتهم فى الذهاب إلى مساجد مترامية وبعيدة عن قراهم ومدنهم، وربما تتعدى حدود محافظاتهم، والاستماع إلى خطباء تتجاوز مدد خطبهم وصلاتهم الـ90 دقيقة.
يجب على الوزير قبل أن يحول هذه التصريحات إلى قرارات ملزمة، دراسة أوضاع آلاف الدعاة المعتمدين لدى"الأوقاف"، وهل هم مؤهلون بالفعل لطرح القضايا الدينية والمدنية على المنابر فى مدة لا تزيد على عشر دقائق، أم إنهم بهذه القرارات العشوائية يمكن أن يتحولوا إلى موظفين جامدين، يخرجون على الناس كل أسبوع، فيلقون كلمات متشابهة لا تسمن ولا تغنى من جوع.
وزارة الأوقاف مطالبة بعقد دورات تدريبية مكثفة وشاملة للخطباء والدعاة، لتنمية مهاراتهم الشرعية والاتصالية فى كل محافظات مصر، ولا يكون الأمر مقصورا على الدورات التى تنظمها الوزارة بمسجد النور بالعباسية، للتعرف على المشكلات الاقتصادية وكيفية معالجتها خطابيا فقط(!)، وأعنى بذلك وضع منهج يعده العلماء والمختصون لتدريب هؤلاء الدعاة على الخطاب الدينى الواقعى لمسايرة العصر، بعيدا عن عباءة الأفكار المتطرفة، وأساليب السرد المطولة التى حولت المساجد إلى ساحات منفرة وطاردة.
جامعة الأزهر مطالبة أيضا، بإلزام كلياتها الشرعية تدريس المواد المتعلقة بفنون الاتصال الجماهيرى، أسوة بكليات وأقسام الصحافة والإعلام فى الجامعات المصرية، فالخطباء -الآن- يرددون ما يبث على الإنترنت وبعض الفضائيات المشبوهة، وبالتالى ابتعدت الخطب كثيرا عما أمر به النبى محمد(صلى الله عليه وسلم) دون أدنى اعتبار من الداعية لطبيعة المتلقى أو الشريحة المستهدفة من عظته، رغم أن فلسفة الخطبة-أساسا-معالجة الظواهر السيئة الموجودة فى المجتمع المسلم.
خطبة الجمعة، وسيلة اتصالية إعلامية هامة للمساهمة –بجانب وسائل أخرى- فى تشكيل ثقافة إنسانية عقلانية تحترم الآخر المختلف فى الدين والأفكار، وتسهم فى بناء مجتمعات ناهضة مترابطة، ومن وجهة نظرى لا أرى فى اختصار مدتها حلا وحيدا، إلا إذا كان القرار المرتقب من السيد الوزير يهدف -بالأساس- إلى إلزام الخطباء بألا تشتمل الخطبة على كلمات بين"إن الحمد لله.." و"أقم الصلاة".!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة