إسلام عزام

"الريس عمر حرب" لن تفهم منه شيئاً!

الجمعة، 20 يونيو 2008 12:04 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أهم ما فى فيلم "الريس عمر حرب" هو استعادة ممثل رائع مثل خالد صالح لبريق ضاع منه فى عدد من الأعمال التى استنزفته قبلاً.. وهو أمر يحسب لمخرج الفيلم خالد يوسف، الذى ربما شعر بمسئولية ما تجاه خالد بعد أداء هزلى سبقه فى "هى فوضى؟".
مأزق الدور الذى قدمه خالد فى الفيلم، أنه مزيج من دورين قدمهما من قبل اثنان من "عتاولة" التمثيل فى العالم، روبرت دينيرو فى "كازينو"، وآل باتشينو فى "حليف الشيطان". لكن حجم موهبة خالد وقدراته التمثيلية تتجلى بوضوح فى أنه ابتعد بالمشاهد عن أية مقارنات بينه وبين أى من الاثنين. فقدم الشخصية بمفرداته هو، ومنحها من روحه ليقف بثقة جنباً إلى جنب مع دينيرو وباتشينو. وهذا ما يدفعنى لرثاء المجهود الضخم الذى بذله ممثل فى فيلم ربما لا يستحق. وهو أمر ينطبق على المخرج أيضاً، الذى يظهر جهده واضحاً فى قيادته لفريق عمله، واستغلاله لأدواته من تصوير وإضاءة وديكور ومونتاج. لكنه أخفق فى الوصول بفيلمه لحبكة توازى عمق الفكرة التى أراد توصيلها للناس. فقد أكد خالد فى حواراته الصحفية أنه يناقش قضية فلسفية تتعلق بهيمنة الشر على حياتنا على حساب الخير، الذى هو فطرة الخالق لنا. وهذا ما بحثت عنه فى الفيلم ولم أجده.
للأسف المقارنة، ورغم أنها ظالمة للفيلم، لكنها مطروحة مع فيلم "حليف الشيطان"، الذى اعتمد فى فكرته على أنه أولاً وأخيراً يمكنك الاختيار، بينما فى "الريس عمر حرب" بطلنا كان مجبراً على اختياره، بل إنك لا تستطيع أن تتجاهل الجانب الخير فيه، الذى دفعه لمساعدة امرأة أحبها فى إنقاذ زوجها من الموت، فى مغامرة قد يكون ثمنها فقدان مصدر عمله.
فنحن أمام فيلم تدور كل أحداثه - هذا بفرض أن هناك أحداثاً- داخل صالة قمار يسيطر عليها مديرها وهو رجل موهوب ودءوب فى عمله، هو الريس عمر حرب الذى يستقبل مجموعة من العاملين الجدد فى الصالة، من بينهم بطل الفيلم هانى سلامة، الذى يستشف الريس فيه موهبة خاصة فيوليه عناية فائقة، والبطل بدوره يؤكد موهبته للمتفرج. المهم أننا فى النهاية نكتشف مع البطل أن كل التجاوزات التى حدثت منه داخل صالة القمار، كانت بتدبير من مديرها، الذى يستخدم الجميع لتحقيق مصلحة عمله. وبالمناسبة الجميع أيضاً مستفيد، فالكل يحصل على أجر مقابل العمل، وبالتالى أنت داخل حكاية الفيلم أمام مجتمع مغلق وأحادى، وأمامك اختياران إما أن تتعامل مع هذا المجتمع باعتباره كله "شر" أو كله "خير".. أنت وتأويلك لما تراه. لأن المحاولات التى بذلها المخرج ومن قبله كاتب السيناريو لإقناعنا بأن هذا المجتمع شرير قاصرة، فهما مستندان فى تأثيمهما للكازينو ومديره إلى أسباب أخلاقية، وبالتالى يمكنك قبولها أو رفضها، طبقاً لوجهة نظرك، فببساطة البعض منا لا يجرم من يعملون فى نوادى القمار، وقد تختلف النظرة الدينية لها من فرد لآخر.
طوال الفيلم والمخرج يؤكد، من خلال أحلام البطل، ببيته الموصد فى وجهه، أن بطلنا منبوذ ربما من جنة الأخيار، الذين هم من وجهة نظر الفيلم طبعاً، مجتمع ما خارج الكازينو. وهو المجتمع الذى لم يعرضه المخرج، ليفسر لنا، لماذا يراه خيراً. أليس هو المجتمع نفسه، الذى دفع بطل الفيلم للالتحاق بهذا العمل كى يستطيع الزواج مثلاً. كيف يمكنك لوم الجائع إذا ما سرق رغيفاً؟، فى الواقع أن مجتمع عمر حرب أكثر عدلاً من مجتمع يدفع بى لحافة الهاوية ثم يلفظنى.
المشكلة أنك طوال الفيلم تشاهد دون أن تتفاعل، فهو فيلم بلا حدث وبلا صراع، وبالتالى بعد انتهاء الفيلم لا تستطيع أن تفكر فى شىء مما شاهدته، لأنه لا يمت للواقع بصلة. إذا كنت بصدد الحديث عن قضية مثل تحالفك مع السلطة المطلقة لتنجح، فأنت تحتاج لربط ما بالواقع الذى يعيشه المتلقى، لا أن تنتقى عالماً معزولاً وبعيداً كل البعد عن الناس.الشيطان أو الرقيب وربما الإله يسيطير علينا ويقهرنا .هذا ما أرادا المخرج والسيناريست أن يقولاه لمرتادى السينما، واختارا لذلك عالم نوادى القمار الليلية، التى لا يدخلها المصريون أصلاً. فكيف يمكن توقع أن تصل رسالة الفيلم بهذا الشكل؟ ولهذا لجأ لحوار تدعمه موسيقى راجح داود، التى توحى بغموض آسر .. جمل تحمل توريات ومعانى عدة لتؤكد للمشاهد أن ما يراه أمامه يتخطى حدوده، بل يجب أن يذهب به لعالم الرمزية الغامض. وعليك أن تقتنع بأن الفيلم عميق وفلسفى وضخم. فمدير الكازينو يقول لخليفته المرتقب: "أنا اصطفيتك"، ويقدم تنظيرات حول طبيعة العالم الذى نعيشه، بكلمات شديدة الفخامة. لكن إذا ما تأملتها، تجدها أقل من العادية. ما الجديد فى أن تقول مثلاً الدنيا بها أغنياء وفقراء؟.
يبدو مغرياً أن تدخل لعالم القمار لتفك غموضه، هذا ما استسلم له سيناريو الفيلم على حساب أنسنة الشخوص التى تحيا داخله. فبدت جميعها وبلا استثناء منزوعة السياق. وهذا ما يفسر: لماذا بدت مشاهد الجنس بكل هذه الفجاجة، لأنه فى الواقع غير مبرر جيداً فى سياق الفيلم. وحتى فى النهاية عندما صارح الريس البطل بأنها مدبرة، لم يكن ذلك كافياً لتبرير كثافتها وعنف بعضها وامتهان المرأة فيها.لا أعرف: لماذا يصر خالد يوسف فى كثير من الأحيان على أن الغريزة الجنسية فعل أنثوى خالص؟، يبدو أن ثمة مشكلة ما، لأنها فى الأساس طبيعة بشرية للجنسين. ظهر ذلك بجلاء فى اختياره للطريقة التى قدم بها الجنس فى الفيلم، وأكثر بروزاً فى مشهد غادة عبد الرازق التى مارسته بسادية مع البطل.
لا شك أن خالد يوسف صنع فيلماً محكم الإيقاع دون لحظة ملل واحدة، وهانى فوزى سيناريست يمتلك أفكاراً قد تثير الجدل، بدا هذا واضحاً فى فيلمه السابق "بحب السيما"، الذى انتصر لفكرة التمرد على السلطة الدينية، وربما هذا ما كان يحاوله عبر "الريس عمر حرب"، لكنه لم يستطعه. فبطل الفيلم، الذى استطاع أن يصنع قدره واختار أن يكون هو نفسه الحظ يهب أو يمنع من يشاء، استسلم فى النهاية لإرادة السلطة التى حاول التمرد عليها، وقبل أبوة الريس عمر. والحقيقة أنه لا يمكننا لومه فى ذلك فسلطة عالم عمر حرب أكثر رحابة من سلطة الجنة خارجه.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة