"وافق مجلس الشعب على طلب الحكومة بتمديد حالة الطوارئ لمدة سنتين"، هذه هى الحقيقة الوحيدة التى يعلمها الجميع حاليا، فى ظل غياب الكثير من المعلومات عن أسباب المد، أو دوافعه. رغم وعد الرئيس خلال حملته الانتخابية 2005 بإنهاء حالة الطوارئ، ورغم وعد الحكومة فى 2006 بأن مد الطوارئ وقتها لعامين هو آخر مرة يحدث هذا فيها حتى إذا لم يتم إقرار قانون الإرهاب.
تمديد الطوارئ ردة فى مسيرة الإصلاح السياسى المنشود واعتداء على الضمانات الدستورية الحامية للحريات وحقوق المواطنين كما يرى منير فخرى عبد النور السكرتير العام لحزب الوفد، مطالبا الرئيس مبارك بالالتزام بما وعد به قبل عامين، فليس هناك دولة كما يقول عبد النور يتم حكمها بالطوارئ لمدة تزيد على 27 عاما متصلة، لذا تعتبر مصر دولة استثنائية لأنها تحكم بقانون استثنائى طوال مدة حكم الرئيس مبارك.
وردا على المبررات التى تسوقها الحكومة بأن تطبيق "الطوارئ" يكون لمواجهة الإرهاب فقط، يقول عبد النور إن "الموضوع فيه إنا"، موضحا أنه حتى الآن لم تتضح الأسباب أو الدوافع الحقيقية لتمديد العمل به، ولم يستبعد عبد النور أن يكون هذا المد لعامين قادمين وراءه رغبة فى المراوغة لحين الوصول إلى انتخابات البرلمان المقبلة 2010، ومن بعدها انتخابات الرئاسة عام 2011 واختيار الرئيس القادم فى ظل الطوارئ.
ويطالب عبد النور بإجراء حوار وطنى للتوافق بين التيارات السياسية والقوى الوطنية حول مستقبل الأمن والوضع السياسى وطرق مواجهة التحديات، بدلا من أن يكون الاحتكار والسيطرة من الحزب الحاكم هما عنوان المرحلة التى يدعون فيها للإصلاح.
منذ ثلاثين عاما والحكومة والقيادة السياسية يصران على التسويف ومد العمل بقانون الطوارئ بمبررات ليس لها أصل ولا سند، كما يوضح أحمد حسن الأمين العام للحزب الناصرى، مشيرا إلى أن كل ما تريده الدولة هو إسكات الشعب وتقييد المواطنين والقوى السياسية رغم ترسانة القوانين المكبلة والمقيدة للحريات وعلى رأسها قانونا العقوبات والإجراءات الجنائية اللذان يكفيان وحدهما دون قانون استثنائى فى حماية الأمن وتأمين البلد. ويؤكد حسن أن قانون الطوارئ كان مطبقا ولم يمنع حوادث الأقصر عام 1997 ولا حوادث شرم الشيخ ولا تفجيرات طابا والأزهر، رغم أن الأمن تعامل فيها بكثير من التجاوزات.
ويتهم حسن الحكومة بأنها "نهبت البلد" وباعت كل شئ وفى النهاية لاتقدر الأمور ولا تعلم أنها هى الخطر على الشعب المصرى وليس الإرهاب، موضحا أن حالة السخط الشعبى وحالة الاحتقان تعطى مؤشرات وتؤكد أن الخطر الخارجى غير موجود وأن الخطر الداخلى يتمثل فقط فى ثورة المواطنين ضد غلاء الأسعار وضد احتكار الحديد وضد تغول السلطة التنفيذية وليس لأى سبب آخر.
استمرار فرض حالة الطوارئ يمثل سبة عار فى جبين مصر، لأنه يستخدم فى قمع الحريات والتجمع السلمى للنشطاء والصحفيين والقضاة والسياسيين والمدونين ونشطاء الإنترنت، كما ترى مارجريت عازر الأمين العام لحزب الجبهة الديمقراطية، موضحة أن مصر ليست فى حاجة إلى مد الطوارى أو أى قوانين جديدة لأن قوانين الإجراءات الجنائية والعقوبات تكفى للتعامل مع الجرائم الإرهابية. وتؤكد مارجريت أن حالة الطوارئ تسببت فى شلل فى الحياة السياسية، وأدت إلى توقف مؤسسات المجتمع المدنى عن ممارسة أنشطتها وزادت من حالة الاحتقان السياسى نتيجة معاناة كل قوى ومؤسسات المجتمع المدنى بصورة غير مسبوقة فى تاريخ مصر الحديث، مما كان له آثاره السلبية السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المجتمع ككل.
"دليل على عجز النظام الحاكم" هكذا يصف محمد فرج الأمين العام المساعد لتدريب القيادات بحزب التجمع مد البرلمان لحالة الطوارئ، قائلا "إن ما حدث اليوم عار على النظام الحاكم الذى أثبت أنه غير قادر على أن يحكم مصر إلا فى ظل القوانين الاستثنائية، كما أنه دليل على أن الحكومة المصرية والرئيس لا يفيان بوعودهما". ويؤكد فرج أن التجمع لن يكتفى بالشجب والاستنكار وأنه سيدعو القوى الوطنية وعلى رأسها أحزاب الناصرى والجبهة والوفد لعقد مؤتمر سياسى كبير للتشاور فى خطة عمل لمواجهة مد حالة الطوارئ، الذى جاء نتيجة فشل الحكومة فى صياغة قانون الإرهاب، مما يؤكد أنه سيكون أقسى وأصعب من قانون الطوارئ.
"ليس هناك مبرر واحد لمد قانون الطوارئ، فالحكومة تريد حماية الفساد والمفسدين"، هكذا يعلق الدكتور محمد سعد الكتاتنى رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان، معتبرا أن مبررات الحكومة لمد حالة الطوارئ "واهية"، لأن تطبيقها لمدة أكثر من سبعة وعشرين عاما لم يمنع أى جريمة، وفى ظلها تم انتهاك حقوق الإنسان والحريات. مهدى عاكف المرشد العام لجماعة الإخوان من جانبه يرى أن مد قانون الطوارئ يخالف كل الوعود التى قطعها الرئيس على نفسه وحكومته فى حملته الانتخابية للرئاسة 2005، مؤكدا أن الحكومة مستفيدة من استمرار الطوارئ وأن النظام "أدمن" الطوارئ فلا يمكن لهؤلاء الحكم ولا البقاء بدون الطوارئ.
وبنظرة قانونية لا يبدى الدكتور إبراهيم درويش أستاذ القانون الدستورى أى دهشة من مد القانون، موضحا أن القانون "باق بالثلاثة" رغم أنه لا يحمى البلد ولا أمنها، بل يحمى السلطة، كما يتصور قياداتها، رغم أن هذا خطأ.
استمرار العمل بالقانون هو إصرار على تعطيل الدستور وإهدار كرامة الشعب كما يرى حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، موضحا أن الأمر وصل بالنظام لدرجة أن تقديم وتأخير الساعة يحتاج إلى أمر عسكرى وأن إشارات المرور أصبحت تحت طائلة قانون الطوارئ، مضيفا أنه بتمديد العمل بقانون الطوارئ يستمر الحكم الفعلى فى يد وزير الداخلية لأن نظام الاعتقال قائم بذاته ولا يحتكم للسلطة القضائية، وقانون الطوارئ يمثل دولة موازية للدولة المصرية والإنسان فى ظله ليس له قيمة، حيث الانتهاكات والخروج عن الضوابط حتى التى أقرها قانون الطوارئ ذاته.
نواب المعارضة بمجلس الشعب أعربوا عن رفضهم موافقة المجلس وأغلبيته التى تنتمى للحزب الوطنى على مد حالة الطوارئ. وأشار بيان موقع من أكثر من 112 نائبا إلى "ضياع مصالح الشعب مع مد حالة الطوارئ لصالح فئة فاسدة تحمى الفساد والمفسدين"، مؤكدين أن الطوارئ تسبَّبت فى الإطاحة بالعديد من الحقوق والحريات التى كفَلَها الدستور المصرى والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، حيث زادت انتهاكات حقوق الإنسان الممثلة فى الاعتقالات العشوائية والأخرى الانتقامية إضافةً إلى التعذيب الممنهج فى الأقسام ومراكز الاحتجاز المختلفة.
النواب يعتبرون الطوارئ تسببت فى وجود مناخ طارد للاستثمار، وبالتالى زادت نسبة استثمار المصريين بالخارج إلى أكثر من 462% مع استمرار نقص الاستثمارات الأجنبية المباشرة بصورة متدنية، مما أدى إلى مشكلات المواطنين اليومية، من بطالة، وعنوسة، وغلاء، نتيجة تراجع أداء الاقتصاد المصرى، فضلاً عن أن استمرار الطوارئ زاد من نسب جرائم المخدرات بكافة أنواعها وأشكالها، وزادت رقعة المتعاطين لها مما يمثل فشلاً ذريعًا للطوارئ والتعامل الأمنى بشكل عام مع هذه القضية.
الأحزاب والإخوان: مد الطوارئ "عار" ومخالفة لوعود الرئيس
الإثنين، 26 مايو 2008 10:29 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة