بينما يعتقد البعض أن الإصابة بالإنفلونزا تمنح مناعة دائمة، تكشف الحقائق العلمية أن هذا الاعتقاد لا ينطبق على جميع أنواع الفيروسات، وخاصة فيروس H3N2، هذا الفيروس الذي يُعد من سلالات الإنفلونزا (A)، يتميز بقدرته المستمرة على التغير والتحور، وهو ما يجعله أحد أكثر مسببات الإنفلونزا تحديًا للأطباء والباحثين على حد سواء.
ووفقًا لتقرير نشره موقع Ergsy الطبي فإن العدوى بفيروس H3N2 لا تمنح بالضرورة مناعة كاملة ودائمة، إذ يمكن أن يُصاب الشخص بالمرض أكثر من مرة خلال حياته، وأحيانًا في فترات متقاربة نسبيًا، تبعًا لطبيعة الفيروس واستجابة الجهاز المناعي.
كيف ينجو الفيروس من المناعة السابقة؟
لفهم السبب وراء إمكانية تكرار العدوى، يجب أولًا إدراك أن فيروس H3N2 لا يبقى على حاله طويلًا، فهو يتعرض لتحورات جينية مستمرة، أي تغييرات طفيفة في بنيته البروتينية، وخاصة في بروتينات السطح التي يتعرف عليها الجهاز المناعي.
هذه التغيرات الصغيرة كافية لتجعل الجسم يتعامل مع الفيروس المحوّر وكأنه غريب لم يلتقِ به من قبل، مما يسمح له بالتهرب من الأجسام المضادة التي تكوّنت بعد الإصابة السابقة أو بعد التطعيم.
ويشرح المتخصصون أن هذه الظاهرة تُعرف علميًا باسم الانجراف المستضدي (Antigenic Drift)، وهي السبب في ظهور سلالات جديدة من الإنفلونزا كل موسم، واضطرار العلماء إلى تحديث اللقاح سنويًا.
ضعف المناعة بمرور الوقت
حتى في الحالات التي يكوّن فيها الجسم مناعة قوية بعد التعرض للفيروس، فإن هذه الحماية لا تدوم طويلًا. فمستوى الأجسام المضادة يبدأ بالانخفاض تدريجيًا بعد أشهر من التعافي أو من آخر تطعيم.
وعند تراجع هذه المناعة، يصبح احتمال الإصابة مرة أخرى قائمًا، خاصةً إذا كانت السلالة المنتشرة مختلفة نسبيًا عن السلالة السابقة، لهذا السبب تُسجل سنويًا حالات إصابة متكررة بالإنفلونزا بين الأفراد، حتى أولئك الذين تعرضوا للفيروس في مواسم سابقة.
هل تختلف العدوى الثانية في شدتها؟
تظهر الملاحظات السريرية أن الإصابة المتكررة لا تكون دائمًا بنفس الحدة، فالجسم وإن لم يتمكن من صدّ الفيروس تمامًا، يحتفظ بذاكرة مناعية جزئية تساعده على تقليل الأعراض.
لذلك من المحتمل أن تكون العدوى الثانية أخف من الأولى، وتقتصر على حمى خفيفة وأعراض تنفسية محدودة، لكنها قد تكون شديدة لدى الفئات الأكثر هشاشة مثل كبار السن، والحوامل، والمصابين بأمراض مزمنة كداء السكري وأمراض القلب والرئة.
دور اللقاح السنوي في الوقاية
نظرًا لتغيّر طبيعة الفيروس باستمرار، يُوصي الخبراء بتلقي لقاح الإنفلونزا الموسمية سنويًا، فكل عام تُحدّث تركيبة اللقاح لتتناسب مع السلالات المنتشرة في نصف الكرة الأرضية خلال ذلك الموسم، بما في ذلك سلالة H3N2.
ورغم أن اللقاح لا يمنح حماية مطلقة، إلا أنه يقلل بشكل واضح من خطر الإصابة، ويُخفف من شدة المرض في حال حدوث العدوى، كما يحدّ من معدلات دخول المستشفى والوفيات المرتبطة بمضاعفات الإنفلونزا.
ويؤكد الأطباء أن التطعيم المتكرر لا يضعف المناعة كما يُشاع، بل يساعد الجسم على التكيف مع سلالات الفيروس الجديدة بشكل أكثر فاعلية.
كيف يمكن تقليل خطر العدوى المتكررة؟
الوقاية لا تتوقف عند التطعيم فقط، بل تشمل أيضًا اتباع إجراءات النظافة الشخصية التي تُعدّ خط الدفاع الأول ضد العدوى.
ينصح المتخصصون بغسل اليدين بانتظام، وتجنّب لمس الوجه بعد ملامسة الأسطح العامة، وتغطية الفم والأنف عند السعال أو العطس، إضافة إلى تجنّب الاختلاط المباشر مع المصابين بأعراض الإنفلونزا.
كذلك يُعدّ الحفاظ على نمط حياة صحي – بما في ذلك التغذية الجيدة والنوم الكافي – عنصرًا أساسيًا في تعزيز المناعة الطبيعية ومقاومة الفيروسات الموسمية.